الفصائل الموالية لـ”أنقرة” تنهب آثار النبي هوري في “عفرين” لبيعها في تركيا وتستبدلها بـ”لوحات مزيفة”

141

المرصد السوري لحقوق الإنسان

ديسمبر/كانون الأول 2019

لا تزال الفصائل الموالية لتركيا العاملة ضمن عملية “غصن الزيتون” في “عفرين”، ترتكب انتهاكات لا تعد ولا تحصى ليس ضد المدنيين وممتلكاتهم فحسب، وإنما ضد الممتلكات العامة والآثار أيضا، حيث حصل المرصد السوري لحقوق الإنسان على معلومات موثقة عن عملية السرقة الممنهجة التي تتعرض لها آثار “عفرين”، وتحديدا منطقة النبي هوري (سيروس) التي تقع في شمال غرب سوريا وتبعد نحو 30 كيلومترا عن مركز مدينة “عفرين” بالقرب من الحدود السورية-التركية. وبحسب ما وثقه “المرصد السوري”، فإن المنطقة المعروفة بأسماء عدة، منها (سيروس) و(قورش) و(النبي هوري) والتي تعود إلى عدة حضارات أقدمها من الفترة الهلنستية عام 280 ق.م، تتعرض لانتهاكات ممنهجة على أيدي الفصائل الموالية لتركيا، بدءًا من القصف التركي العنيف الذي تعرضت له منذ اليوم الأول لعملية “غصن الزيتون” في يناير/كانون الثاني 2018، وحتى سيطرة الفصائل الموالية لتركيا على المنطقة وبدء عملية سلب وتخريب هائلة لها.

المرصد السوري لحقوق الإنسان حصل على معلومات ووثائق تمكن من تحقيقها، عن قيام السلطات التركية والفصائل الموالية لها  -وتحديدا فصيل “صقور الشمال”- في 10 أغسطس/آب 2018 و6 أكتوبر/تشرين الأول 2018 و3 نوفمبر/تشرين الثاني، بحفريات تخريبية وعشوائية بالآليات الثقيلة (الجرافات)، ما أدى إلى تدمير الطبقات الأثرية دون توثيقها، إضافة إلى تدمير المواد الأثرية الهشة كالزجاج والخزف والفخار ولوحات الفسيفساء، وغيرها من الآثار. وأكدت مصادر موثوقة، لـ”المرصد السوري”، أن الانتهاكات التي تعرضت لها المنطقة لم تتوقف بعد التواريخ المذكورة، إلا أن عملية توثيق الانتهاكات التي تتعرض لها المدينة تواجه صعوبات عدة، أبرزها عدم السماح بدخول هذه الأماكن وتعرض كل من يحاول الاقتراب من مواقع الحفر لأقسى العقوبات من قبل السلطات التركية والفصائل التابعة لها.

في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، نشر أحد العاملين (م.ع) في موقع الحفر بشكل غير شرعي للبحث عن الآثار، منشورا على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، تضمن صورا لـ3 لوحات فسيفسائية وقطع أثرية أخرى. ووفقا للمعلومات التي حصل عليها “المرصد السوري”، فإن “المذكور (م.ع)، يمتهن تجارة الآثار وهو من محافظة إدلب بحسب البيانات التي نشرها على صفحته الشخصية”. وقالت المصادر: “لم يذكر صاحب المنشور موقع اللوحات أو هوية الأشخاص الذين يظهرون في الصورة، لكن تلك اللوحات تؤكد أن هذا الموقع هو أحد المواقع الجبلية الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا، وهو ما تأكد بعد أن تساءل عدد من متابعيه على موقع التواصل الاجتماعي عن موقع تلك اللوحات، ليجيبهم بأن موقعها هو (النبي هوري/سيروس)، والتي اعترف فيها أنه يجري حفريات في تلك المنطقة”.

وفي 11 نوفمبر/تشرين الثاني، حذف المذكور المنشورات التي وضعها على صفحته والصور المصاحبة لها جميعا، بعد محاولة أحد الصحافيين التواصل معه لتقصي حقيقة اللوحات ومكان ظهورها، إلا أن (م.ع) لم يرد على تساؤلات الصحافي ولجأ إلى حذف المنشورات. وقالت مصادر موثوقة: “يوم 25 نوفمبر، أعاد (م.ع) نشره صور للوحات الفسيفساء وادعى أن اللوحات التي نشرها سابقا على صفحته هي لوحات حديثة (مزيفة) وغير أصلية (أثرية)، وأن بعض وكالات الإعلام المسيسة قامت بفبركة الموضوع وحولته إلى مادة ضد القوات التركية على أنها تقوم بالتنقيب مع الفصائل الموالية لها في منطقة عفرين، وأن الصور التي التقطها كانت صور تذكارية ولكنها استخدمت للحرب الإعلامية والتحريض على القوات التركية”.

وقالت مصادر موثوقة، لـ”المرصد السوري”، إن “(م.ع) اعترف بهذا الشكل بصحة ما سبق أن قام بنفيه وحذف المنشور بسببه، كما أن المواقع الإخبارية التي نشرت قضية اللوحات ليسوا جميعا من المرتبطين بالإدارة الذاتية، وهو ما ينفي ادعاءات المذكور بشأن تسييس القضية وتحويلها إلى مثار تحريض ضد القوات التركية والفصائل الموالية لها”. وأضافت المصادر: “في المنشور الأول الذي حذفه (م.ع)، ظهرت اللوحات بينما كان هناك جزء منها لا يزال تحت المنطقة التي لم يتم حفرها بعد، في حين أن المنشور الجديد الذي نشره تظهر لوحات حديثة بالفعل ولكنها في مشغل للصناعة وتزوير اللوحات وتقليدها، وهي لوحات ناقصة وغير كاملة ولا يزال العمل فيها مستمرا على عكس اللوحات الأصلية التي ظهرت في المنشور الأول.

وقالت مصادر موثوقة إن “مواقع مثل (علبيسكة) و(النبي هوري) و(خرابي رازة) وقرية (كاخرة)، تعرضت لسرقة محتوياتها ووضع لوحات مزيفة في مكانها بدلا عن اللوحات الأصلية”. وأضافت مصادر لها خبرة في فحص الآثار ومدى أصليتها، لـ”المرصد السوري”، أن “اللوحات التي ظهرت في المنشور الأول هي اللوحات الأصلية وتعود بالفعل إلى موقع النبي هوري، حيث تظهر تلك اللوحات على عمق يتجاوز مترين، وتعود إلى الفترة الرومانية بين القرنين الأول والثاني الميلاديين، وإحداها هي لوحة الإلهة إيزيس إلهة الخصوبة والزراعة. ومن خلال فحص الصورة التي نشرها (م.ع) يتضح أن موقع اللوحة تعرض لحريق كبير، حيث هناك آثار رماد على حذاء المذكور الذي ظهر في الصورة، وكذلك هناك آثار لطبقة كثيفة من الرماد في خلفية الصورة”.

وتابعت المصادر: “أما اللوحة الثانية فهي تمثل شابا نحيلا عاري الصدر بشكلٍ كامل سوى من وشاح ذهبي اللون ينحدر من كتفه الأيمن نحو الصدر متجاوزاً خاصرته، لتغطي الجزء الخلفي لفخده الأيسر وحاملاً بيده اليمنى ألة موسيقية ويتكأ بمرفق يده اليمنى على عامود. وهذا المشهد على الأرجح يمثل الإله أبولو إله الشعر والغناء والموسيقى والرماية عند اليونان والرومان”.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، عمليات سرقة وسلب ونهب ممنهجة لآثار “عفرين” مقابل مبالغ مالية ضخمة، حيث أكدت مصادر موثوقة أن الفصائل الموالية لتركيا أطلقت يد منقبي الآثار في “عفرين” مقابل مبالغ مالية ضخمة. وأفادت مصادر، آنذاك، بأن قطعاً أثرية تم العثور عليها في موقع النبي هوري جرى سرقتها، كما أن عمال التنقيب استخدموا آلات للحفر وأجهزة متطورة للكشف عن أماكن تلك القطع الاثرية، فيما قالت المصادر إن المنقبين عثروا على لوحات فسيفسائية تم تهريبها إلى تركيا عبر تجار بتسهيلات مشتركة من القوات والفصائل المسيطرة على تلك المنطقة. ويؤكد “المرصد السوري” ما سبق أن أشار إليه في 1 أغسطس/آب الماضي، من أن الفصائل الموالية لتركيا ضمن عملية “غصن الزيتون” لا تزال مستمرة في انتهاكاتها في “عفرين”، عبر محو تاريخ المنطقة، من خلال التنقيب على الآثار وسرقتها وبيعها في تركيا، حيث يتربح المنفذون المال من عائدات بيع الآثار وما يعثر عليه من مواد أثرية.

وفي سياق ذلك، رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان قيام عناصر مسلحة تابعة لفصيل “السلطان مراد” الموالي لتركيا بعمليات حفر وتجريف للتربة بناحية بلبل في ريف عفرين شمال شرق حلب، حيث قامت العناصر بعمليات تنقيب من خلال حفر وتجريف التربة على التل الواقع بين قرى بيباكا – قوشا – شرقا التابعة لناحية بلبل بريف عفرين، بحثاً عن الآثار، مستخدمين آليات ثقيلة من التركسات والباكر، بالإضافة لاقتلاع المئات من أشجار الزيتون تحت مرأى ومسمع القوات التركية المتواجدة بالمنطقة.

إن ما تقوم به السلطات التركية والفصائل الموالية لها في “عفرين” يتناقض مع كافة المواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية كمعاهدة (لاهاي 1954) وبروتوكولي منظمة اليونيسكو (1970 و1972) وقرار مجلس الأمن الذي يحمل الرقم 2139 لعام 2014، والذي دعا جميع الأطراف إلى إنقاذ التنوع الثري لتراث سوريا الثقافي والقرار (2199) لعام 2015 الصادر عن مجلس الأمن، والذي ينص على حظر الاتجار بالممتلكات الثقافية في العراق وسوريا، إضافة إلى قرار مجلس الأمن رقم (2347) والذي صدر بإجماع أعضاء مجلس الأمن عام 2017، والمعني بحماية التراث الإنساني بناءٍ على هذه المعاهدات وبنودها وقرارات مجلس الأمن المذكورة أعلاه. وانطلاقا من تلك المعاهدات والمواثيق، وبناءً على الحقائق والمعلومات التي يكشفها “المرصد السوري” يوما تلو الآخر بشأن سرقة الآثار الممنهجة التي تتعرض لها “عفرين” على أيدي الفصائل الموالية لتركيا، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يناشد مجلس الأمن والمنظمات الأممية المعنية (اليونيسكو) بتفعيل قراراتها واتفاقياتها، كون تركيا من الأطراف الموقعة على تلك الاتفاقيات والمواثيق. ويطالب “المرصد السوري” المجتمع الدولي بإلزام الدولة التركية بملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم التي ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، باعتبار هذه المواقع الأثرية بما تحويه من آثار لحضارات قديمة ملك للبشرية جمعاء وليست حكرا على سوريا أو منطقة “عفرين”، وكذلك يطالب “المرصد السوري” بإيقاف سرقة ونهب وتصدير الممتلكات الثقافية والآثار السورية التي تتم عبر الأراضي التركية ووضع حد للانتهاكات التي تحصل بحق المواقع الأثرية وإدراج أسماء المتورطين في قوائم المطلوبين لدى الشرطة الدولية (الإنتربول).