الفقر والنزوح وغياب الرقابة أبرز أسباب ظاهرة انخراط الأطفال ضمن فصائل “الجيش الوطني” الموالي لأنقرة

53

تعتبر فئة الأطفال هي الضحية الأكبر نتيجة استمرار الحرب السورية، إذ تسببت بضياع أبسط حقوقهم، فكان الجزء الأكبر منهم ضحية، وتحملوا الجزء الأكبر من تبعاتها، ولعل من أكثر المشاهد ألماً هو أن ترى طفلاً لم يتجاوز 16 ربيعاً من عمره وهو مجند يحمل السلاح ويخوض غمار الحرب كأي مقاتل آخر، في الوقت الذي يجب أن يكون هذا الطفل على مقاعد الدراسة، أو بين أهله، مستقبل ضائع، وبلد غارق في ويلات الحرب، لم تشفع لهم براءتهم ولا مستقبلهم الضائع لدى العديد من القوى المسيطرة في سوريا، سواء كان من قبل الميليشيات الموالية للنظام أو طرف فصائل المعارضة المسلحة والجماعات الجهادية وتنظيم “الدولة الإسلامية” والفصائل العسكرية العاملة ضمن مناطق الإدارة الذاتية، إذ لا يكاد يخلوا فصيل عسكري من وجود الأطفال دون سن 18 عاماً ضمن صفوفه حيث رصد المرصد السوري لحقوق الإنسان وجود أعداد كبيرة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 إلى 18 عاماً في صفوف فصائل “درع الفرات وغصن الزيتون” المدعومة من تركيا في مناطق ريف حلب الشمالي، إذ يتم قبول هؤلاء الأطفال في صفوف الفصائل وإخضاعهم لدورات عسكرية، ومن ثم توزيعهم على المقرات والحواجز هناك، ورغم عدم وجود قرار يلزم هؤلاء الأطفال بالانضمام لصفوف المقاتلين، إلا أنه وبالوقت ذاته لا يوجد قرارات وقوانين تمنع ذلك، وماتشهده البلاد من أزمة معيشية وتفكك أُسري بشكل كبير بسبب ويلات الحرب والنزوح، الأمر الذي فتح الباب أمام الكثير من الأطفال للانضمام إلى الفصائل المسلحة خصوصًا في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لها.

المرصد السوري لحقوق الإنسان، رصد وجود فئة الأطفال وبشكل ملحوظ لدى العديد من فصائل المعارضة المسلحة والمتمثلة “بالجيش”الوطني المدعوم من تركيا في مناطق ريف حلب الشمالي، فوجود الأطفال في صفوف فصائل”درع الفرات وغصن الزيتون” هو أمر معروف وملاحظ بشكل كبير ولا يستطيع أحد إنكاره، وفقًا لمعلومات المرصد السوري، فإن الأطفال يشكلون نسبة تتراوح ما بين 10 إلى 12 % وذلك بحسب كل فصيل، ومن أكثر الفصائل التي يتواجد بين صفوفها أطفال هم “فرقة الحمزات” و فرقة “السلطان مراد” و “تجمع أحرار الشرقية” لا يوجد أرقام دقيقة نستطيع الحصول عليها عن أعداد هؤلاء الأطفال فهذا من الصعب في ظل وجود تكتم أمني على مثل هذه القضايا، لكن لا يكاد يخلو حاجز من الحواجز من وجود عنصر أو اثنين تحت السن القانوني 18 عام.
وبشكل تفصيلي أكبر، الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 18 عاماً يشكلون نسبة 13% في فصيل “الحمزات” و12 % في فصيل”السطان مراد” و 10% في فصيل “تجمع احرار الشرقية” و 4% تقريبا في كل من”فيلق الشام، وفرقة “السلطان سليمان شاه” أما باقي الفصائل فيتواجد فيها نسب أقل مثل 3 أو 2 % فقط وهذه نسب تقريبية من خلال رصد دورات التخريج والمعسكرات والحواجز وغيرها، مصدر أهلي من ريف حلب الشمالي، قال للمرصد السوري، عند حدوث أي اقتتال داخلي بين الفصائل في المنطقة، نشاهد كمية الأطفال الكبيرة التي تكون ضمن صفوف المقاتلين، من خلال انتشارهم بجانب فصيلهم، كما نرصدهم في الأسواق والمطاعم، ويكونون بسلاحهم الفردي “فرحين متباهين” أمام الناس به، وفي مخيلتهم بأن السلاح شيء جميل، ورغم عدم وجود قرارات إلزامية لتجنيد الأطفال لدى فصائل”درع الفرات وغصن الزيتون” إلا أنه يوجد تساهل كبير في هذا الشأن، وإلى الآن لم تطبق قرارت صارمة تمنع وبشكل قطعي انضمام الأطفال دون سن 18 عاماً، بل يسهل الطريق لأي طفل يرغب بالإنضمام، فلا يتطلب الأمرى أكثر من بطاقة شخصية، أو ورقة وهي عبارة عن إثبات بطاقة شخصية تمنح من قبل دوائر النفوس والتي تقوم عليها “الحكومة السورية المؤقتة” المدعومة من تركيا، ويسهل حتى تزويد مثل هذه الأوراق والتلاعب بتاريخ ميلاد الطفل.

وتتعدد الأسباب التي تقف وراء اندفاع هؤلاء الأطفال وأهاليهم للتفكير بالانضمام لفصائل المعارضة المسلحة في مناطق”درع الفرات وغصن الزيتون” في ريف حلب الشمالي

يذكرها أحد نازحي منطقة سهل الغاب في ريف حماة الغربي ( 46 عاماً) ويقطن حالياً، بالقرب من مدينة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي، وذلك خلال شهادته التي أدلى بها للمرصد السوري لحقوق الإنسان يقول: بعد نزوحي أنا وأسرتي أصبحت الحياة المعيشية صعبة جداً بسبب تحمل تكاليف وأعباء النزوح من إيجار منزل وتأمين احتياجات أسرتي البالغ عددها 6 أفراد، الأمر الذي جعلني أدفع بولدي الذي يبلغ من العمر 16 عامًا للانضمام لفصيل ضمن”الجيش الوطني” ، ويضيف : شارك بالقتال خلال المعارك الأخيرة التي دارت ضد النظام في ريف إدلب، وعلى الرغم من قلقنا الشديد وخوفنا عليه أنا ووالدته، إلا أن الظروف المعيشية تجبرنا على ذلك، فهو يساعدني في تأمين مصروف المنزل ويحمل عبء كبير عني، يتم منحه استراحة لمدة 10 أيام شهرياً، ويقضي 20 يوماً في المقرات أو نقاط الرباط والدورات العسكرية أو الحواجز.

وبالتأكيد فإن حاله لا يختلف كثيراُ عن حال معظم العناصر المنضوية ضمن التشكيلات العسكرية في المعارضة المسلحة فغالبية العناصر من النازحين أو أجبرتهم ظروف الفقر على ذلك وهو أمر واقعي، العديد من الأسباب الأخرى التي تدفع الأطفال وذويهم لهذا، لعدم توفر فرص العمل، وتوقف معظم الأطفال عن التعليم بعد نزوحهم من بلداتهم وقراهم، ومنهم من يدفع بولده لذلك بهدف الحصول على حماية لعائلته من اي اعتداء قد يقع من قبل الفصائل، وغياب دور المنظمات التعليمية بشكل فغلي، ومنهم من يفضل دفع ولده للانضمام لفصيل عسكري معين على أن يرسله للعمل في تركيا، وغيرها من الأسباب، رغم السلبيات التي تترتب على حياة الطفل مثل تحميله أعباء تفوق قدرته الجسدية والنفسية، وضياع حقه في مواصلة التعليم، وتعريض حياته للخطر وغيرها العديد من المخاطر والسلبيات