الكابوس السوري لأوباما

35
تتحول سوريا، بمرور الوقت، إلى أكبر وصمة عار على جبين حكومة أوباما والكارثة ذات الأبعاد الهائلة التي يتعذر احتواؤها. تفاقمت حدة الحرب واتسعت رقعتها منذ أكثر من أربع سنوات. ولقد تعرضت البلاد على أثرها للدمار، وخرج 4 ملايين لاجئ من سكانها هاربين من الجحيم، واحتل تنظيم داعش الإرهابي الفراغ الناجم عن ذلك، ولا يزال الرئيس بشار الأسد يلقي ببراميله المتفجرة التي تحول شظاياها النساء والأطفال إلى أشلاء ممزقة.
انتظرت جموع اللاجئين الفارين، في بادئ الأمر ولفترة طويلة، في معسكرات واهية في دول الجوار. كانوا يأملون في العودة إلى ديارهم. كما كانوا يملأون المعسكرات في تركيا والأردن ولبنان. إن أزمة اللاجئين السوريين ليست إلا وقائع الكارثة التي كان العالم في انتظارها.
ولا يعتبر عدم القيام بشيء من القرارات التي تتساوى بقرار التدخل لفعل أي شيء. ويتأرجح بندول السياسة إلى ما لا نهاية ما بين التدخل أو الإحجام نظرا لأن الولايات المتحدة تعاني من اعتقاد ثابت بأنه باستطاعتها أن تحول العالم بأسره إلى مكان أفضل.
حاول الرئيس أوباما كبح جماح الامتداد الأميركي الخارجي في أعقاب الحروب التي خاضتها من دون انتصارات حقيقية في كل من أفغانستان والعراق. ولقد تعامل بحصافة مع حالة الإرهاق الوطني الداخلية إثر المغامرات الأجنبية للإدارات السابقة. غير أن ذلك لا يكفي بحال، كما يدل عليه الوضع السوري الراهن. للرئيس أوباما إنجازات مهمة في مضمار السياسة الخارجية، بما في ذلك الاتفاقيات غير المسبوقة مع كل من إيران وكوبا التي تطلبت قدرا كبيرا من الشجاعة والمثابرة. ولكنه، وفي أماكن أخرى، غسل يديه تماما من الصراعات الدائرة في سوريا وليبيا التي لا يمكن للولايات المتحدة أن تدير ظهرها لها بكل بساطة.
صرح الرئيس أوباما في عام 2011 قائلا: «لقد حان الوقت للرئيس الأسد للتنحي عن منصبه». وفي ذلك الوقت، وعلى نحو ما أكدت الأحداث اللاحقة، لم تكن لدى الرئيس أوباما أي سياسة تُذكر لإنجاز ذلك الهدف.
كانت فرنسا على استعداد، في عام 2013، للانضمام إلى الولايات المتحدة في توجيه الضربات العسكرية ضد النظام السوري، غير أن الرئيس أوباما تنحى بعيدا في الدقيقة الأخيرة عن التمسك بما وصفه بالخطوط الحمراء حيال استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية. ووفقا لذلك، تعزز موقف الأسد.
عبر مختلف المراحل، إذا كانت لدى السيد أوباما الإرادة الكافية، والإيمان بالقوة الأميركية، لكانت هناك خيارات يمكن التعامل من خلالها. كان يمكن القضاء على تلك الطائرات الحربية السورية التي تلقي بالمتفجرات على المدنيين العزل. ولكانت أقيمت منطقة آمنة تستقبل وتضم اللاجئين الفارين من القتال في الداخل. ولكن الأوضاع المغايرة للحقيقة، بطبيعة الحال، لا تحمل كثيرا من الزخم أو الأهمية. ولن نعرف أبدا حقيقة الأمر هناك. لن نعرف إلا حقائق الكابوس السوري المروع التي صارت تتبدى الآن أمام أعيننا، وفي أشكال مختلفة ومتنوعة، في اتجاه الغرب. إن سوريا الكسيرة سوف تظل معين الخلافات والاضطرابات الذي لا ينضب.
قصف أوباما ثم تراجع في ليبيا. ثم عاد واندفع ثم تقهقر في أفغانستان. أما في سوريا، فلم نشهده إلا مخاطبا ومترددا.
إن القضية السورية تشكل التساؤل الذي يتعين على «مبادئ أوباما» المعلنة التعامل معه إذا ما كانت تود الفرار من وصمها بالتواضع المزري أو السقوط في هوة الفراغ أو اللامعنى.

روجر كوهين
* خدمة «نيويورك تايمز»

الشرق الاوسط