“اللجنة الدستورية”: أي أمل لنجاحها وتقدم أعمالها؟ سياسيون سوريون يجيبون عبر المرصد السوري

43

افتتحت في مدينة جنيف السويسرية يوم الاثنين، الأطراف السورية المتصارعة، صفحة جديدة في مسار الحل السياسي المرتقب، على أمل إنجاز دستور جديد، ينهي المأساة السورية ويؤسس لواقع أفضل وانتخابات نزيهة تشارك فيها مختلف مكونات المجتمع.

وانطلق عمل اللجنة الدستورية، تتويجا لمسارات كثيرة استغرق سنوات، من بينها مسار سوتشي، نهاية كانون الثاني/يناير 2018، والذي أقرته الدول الضامنة لمسار أستانة، وهي تركيا وروسيا وإيران.

وتتألف اللجنة من 150 عضوًا، عين النظام والمعارضة الثلثين مناصفة، بينما اختار المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، الثلث الأخير من المثقفين ومندوبي منظمات المجتمع المدني السوري.

فهل تكون اجتماعاتها الحالية صفحة من صفحات بداية الانتقال السياسي السلمي الذي ولد متعثّرا؟

قاسم الخطيب عضو اللجنة الدستورية السورية عن وفد المعارضة، قال في تصريح للمرصد السوري لحقوق الإنسان، إن النصاب في اجتماعات اللجنة الدستورية التي تستضيفها العاصمة السويسرية جنيف، مكتمل، لافتا إلى أن هذه الجولة تناقش الأسس والمبادئ الوطنية، معتبرا أن هناك توافقا بين الرئاسة المشتركة ووفدي المعارضة والنظام، وقد استهلت المداخلات بحديث وفد النظام حول موضوع مؤتمر اللاجئين الذي عقد في دمشق منذ أسبوعين.

وتحدّث الخطيب، عن هدف النظام السوري من وراء عقد هذا المؤتمر لإعادة تعويم نفسه، واصفا إياه بالفاشل، وقال إن النظام يسعى اليوم “إلى تسوية لهذا المؤتمر من داخل مبنى الأمم المتحدة”.

وعبّر محدثنا، عن رغبة المعارضة السورية في تسوية ملف اللاجئين والنازحين والمغيبين قسرا وإعادتهم إلى بلادهم بشرط توفير كل الظروف الملائمة وعدم تتبعهم أمنيا، علما أن مليونا ونصف المليون سوري مطلوبون لدى النظام.

وأشار عضو اللجنة الدستورية، إلى وضع الطفل اليوم في المخيمات، واصفا إياه بالسيئ، إضافة إلى حرمانه من حقه في التعليم والصحة، مستعرضا أيضا وضعية المرأة الصعبة وغير المريحة، حيث لا يوجد أي ملاذ آمن لصحة هؤلاء، مشدّدا على أهمية عودة اللاجئين إلى سوريا عاجلا.

وأضاف إن المهمة واحدة اليوم وهي صياغة دستور جديد لمستقبل سورية، متّهما الوفد التابع للنظام بالتسويف والتعطيل، مشيرا إلى أنه لم يتم الإتفاق إلا على جدول الأعمال، مؤكدا أن هناك أملا في الدورة الخامسة للدخول في المبادئ الدستورية والوطنية على اعتبار أن الجولة الحالية هي استكمال للجولة الماضية، ومن هنا توافق المبعوث الأممي إلى سورية بيدرسون، مع النظام والمعارضة على أن الإنطلاق مستقبلا سيكون في طرح المسائل الدستورية المهمة.

ولا يرى الخطيب بوادر لانفراج أو تقدم في عمل اللجنة، قائلا:” لا نرى أي أمل ولكن ليس لدينا خيار كمعارضة وشعب إلا متابعة القرارات الدولية والإلتزام بها ومنها القرار 2254 الذي يدعو إلى حلّ سياسي لتأمين سورية من كل الأحداث التي مرت فيها من الإرهاب والاستبداد، حيث تدعو القرارات الدولية إلى مفاوضات برعاية الأمم المتحدة وصياغة دستور جديد يحدّد مستقبل البلاد والذي كان نتاج مؤتمر سوتشي وتم التوافق عليه من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، ونحن بدورنا وافقنا على تشكيل اللجنة، ونسعى اليوم من خلالها إلى صياغة الدستور برغم كل التعطيل الممنهج من قبل النظام”.

من جانبه، أفاد إبراهيم القفطان، رئيس حزب سوريا المستقبل، في تصريح للمرصد السوري لحقوق الانسان، بأن مؤتمرات جنيف وأستانة وسوتشي ومختلف المنصات الدولية قد أثبتت فشلها لأن كل الأطراف المتصارعة في سورية، سواء المعارضة أو النظام، تفكر بحالة النفي للغير وعدم قبوله، هذا في المراحل الأولى، ولكن الأمر ازداد صعوبة بعد أن دوّلت الأزمة السورية وأصبحت بأيدي الأطراف الإقليمية والدولية سواء روسيا أو تركيا، ولم يعد للسوريين أي دور في هذه الحوارات، لافتا إلى أن كل ذلك خلق فيتو في المحافل الدولية، وهذا يرجع إلى عدم توافق القوى السورية، وارتهانها إلى الأطراف الخارجية، في حين أن هذه الأطراف بينها خلاف مصالح، وهذا ما يزيد من معاناة الشعب السوري.

وبالعودة إلى مؤتمر جنيف، وبخصوص اللجنة الدستورية وإقصاء مكونات شمال وشرق سورية ، يرى القفطان، أنه لن يكون هناك حل في سورية في ظلّ غياب مشروع الإدارة الذاتية، وهو المشروع الذي سوف يكون بوابة للحل السياسي في سورية قاطبة عبر الحوار السوري- السوري.

وأضاف: ” نحن مؤمنون بمخرجات القرار 2254 الذي لايخدم أي طرف من الأطراف المتحاورة، ومن خلال هذا القرار يتقلص دور الحكومة السورية وكذلك بالنسبة للمعارضة، وسوف يكون أيضا بوابة لإخراج المحتل التركي، أما من يتحمل المسؤولية في المقام الأول فهو المجتمع الدولي والأمم المتحدة.

وفي نفس السياق، اعتبر المحامي والمعارض القيادي بحزب الإتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، علي صايغ، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن اللجنة الدستورية جاءت بعد فشل مفاوضات جنيف عبر جولاتها التاسعة، وبالرغم من أن إفشال المفاوضات تتحمل الحكومة السورية جزءً مهمّا من المسؤولية وتتحمل المعارضة بجناحيها من أصحاب الرؤوس الحامية، خاصة الذين كانوا يصرون على الحل العسكري، جزءً من المسؤولية أيضا، والنتيجة كانت تفويت الفرص التي كان من الممكن لو تم استغلالها تجنيب سورية ما وصلت إليه اليوم، ولوفّرت على الوطن والشعب مزيدا من الكوارث والدمار والقتل والنزوح والهجرة والتهجير، ولكان من الممكن درء الاحتلالات والتدخلات الخارجية المختلفة، وفق قوله.

وتابع محدثنا:جاءت “اللجنة الدستورية عبر سوتشي وأستانا، بعد أن وصلت جولات جنيف إلى طريق مسدود -، بفعل طرفي المعادلة السورية ( النظام والمعارضة ) وتضارب مصالح الدول الإقليمية والدولية، وعدم الوصول إلى توافق بين تلك الأطراف الدولية والإقليمية أو ما يقال بأن “الطبخة السياسية لم تنضج بعد.”

وأوضح صايغ، أن التوافق الدولي جاء بتشكيل اللجنة الدستورية والبدء بإنجاز دستور سوري على أساس أن هيئة الحكم الانتقالية كإحدى سلال القرار 2254 /2015 لا يمكن أن تباشر أعمالها بدون مرجعية دستورية حاكمة في ظل عدم وجود مرجعية دستورية سوى دستور 2012 الذي ترفضه المعارضة، وقد ثار أو انتفض الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة والعدل، وتأسيس حكم ديمقراطي تداولي بما يتصادم ومفردات أو مواد دستور 2012.

وقال: “بالتأكيد لا يمكن الحكم اليوم على أن اللجنة الدستورية فشلت أو سوف تفشل فلا تزال الجولات في بدايتها، ولم تنعقد فعليا من ثلاث جولات سوى جولتين، بينما الثانية لم تنعقد، أما هذه الجولة الرابعة فمن المبكر تقييمها والحكم عليها”.

وأضاف المعارض السوري، ” في حقيقة الأمر لم يتح إلى الآن للجنة الدستورية الزمن الكافي لتقييمها، ومن سوء الحظ أخذت جائحة كورونا سبعة أشهر من عمر الفترة الزمنية بين أول جلسة لها، وآخرها الرابعة التي تنعقد هذه الأيام.”

أما بخصوص من يقف وراء عرقلة جلسات اللجنة الدستورية التي تنعقد الآن، فقد أكّد صايغ، أن ممثل الأمين العام للأمم المتحدة بدرسون قد أشار في إحاطته إلى مجلس الأمن إلى أن الحكومة السورية تتحمل مسؤولية عرقلة العملية الدستورية، كما لفت إلى أنه لم يتم إلى غاية اليوم الدخول في صلب الدستور ولا يزال وفد الحكومة يراوح في إطار جدول الأعمال للجلسات، وكما يبدو أن تعطيل وفد الحكومة الدخول في المسائل الدستورية يعتمد على خطة اللعب على الزمن وكسب الوقت من أجل إجراء الإنتخابات الرئاسية على أساس دستور 2012 في حزيران السنة القادمة.

وختم بالقول، “خلال الجلسات الحالية والقادمة سيتابع وفد الحكومة خطته بالعرقلة، رغم المحاولة المستميتة لوفد المعارضة الدخول الفعلي في العملية الدستورية، معتبرا أن العملية الدستورية وغيرها من السلال الأخرى تطبيقا لخطة طريق القرار 2254 لن تُنجز إلا بتوافق دولي عبر فرض جدول زمني لإنجاز الدستور وبقية السلال، ليبقى الزمن مفتوحا لاستمرار كسب المزيد من الوقت ليس من وفد الحكومة فقط وإنما من قبل الأطراف الدولية أيضا إلى أن يتم التوافق على إنجاز الحل في سورية عبر تطبيق القرارات الدولية التي حظيت بإجماع دولي، وللأسف قد لا ترى العملية الدستورية وغيرها النور”.

بدوره، صرح بدران جيا كرد، نائب الرئاسة المشتركة للإدارة الذاتية، في حديث خصّ به المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن الإدارة الذاتية لا تشكّل أي جزء منفصل عن سورية ولا تمثل كياناً خارجاً عن العمل ضمن سورية الواحدة الموحدة، مقارنة ببعض الأطراف والجماعات وبالتحديد المدعومة من قبل تركيا والتي تكرس اليوم بكل ممارساتها واقع التقسيم في سورية وترتكب أفظع الإنتهاكات التي تؤكد عدم علاقتها بسورية ولا حتى بمصلحة السوريين أساساً، فتركيا ومن خلال هذه المجموعات تلعب دوراً ريادياً في منع الحل والتوافق السوري ومع ذلك نرى أنه يتم التحاور مع هذه المجموعات وإشراكها في عملية التفاوض أو اللجان الدستورية، وفق تعبيره.

ويرى جيا كرد، أن تناول الواقع السوري بهذه النظرة الإقصائية الضيقة لا يمكن أن يخدم الحل والإستقرار في البلد، ففي الوقت الذي تكون فيه الإدارة الذاتية وقوات سورية الديمقراطية في أوج حربها على التطرف والإرهاب، نجد أن هناك من يحاول عرقلة هذه المسيرة التي تخدم سورية ومستقبل الحل الديمقراطي فيها، علما أن مثل هذه التوجهات تخلق شكوكاً لدى الإدارة الذاتية بأن كل من يتحرك ضمن مجال إنكار الواقع السوري وحقيقته وخاصة في شمال وشرق سورية هو غير جاد في الحل ولا حتى في الحد من هذه المأساة السورية.

وأشار المتحدث، إلى أن اللجان الدستورية التي تم تشكيلها مؤخراً تعاني من النقص في بنيتها السورية حيث لا يمكن نقاش دستور جديد لسورية بعد كل هذه المأساة إلا بضمان مشاركة كل السوريين لبناء سورية الجديدة، وهناك من هو مغيب تماماً من مناطق سورية ويدير أكثر من 30% من مساحة سورية.

وقال إن “هذا التوجه لا يحقق أية نتائج لصالح السوريين ومن شأنه أن يعيد الأمور إلى دائرة الصفر حين يتم إنكار الأسباب الرئيسية التي خرج من أجلها السوريين قبل حوالي عقد من الزمن وهم ينادون بالتغيير.. يا ترى هل هذا الإنكار يمثل التغيير في سوريا؟؟ إنها مفارقة كبيرة!”

وتابع قائلا: “في الوقت الذي نؤكد فيه أن هذه اللجان لن تنجح في تحقيق رغبة ومساعي السوريين فإننا نرى أن إعادة النظر فيها ضرورية ومهمة لتصبح هذه اللجان تمثل فعلاً الحالة السورية.