المجالس المحلية في الذاكرة الجولانية: تاريخ من الاحتلال والمقاومة

37

في تاريخ 1 نيسان (أبريل) 1972 طلب وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك موشي ديان من الحاكم العسكري ترتيب لقاء له مع عدد من شيوخ وزعماء الجولان ووجهائه لإبلاغهم عن قرار حكومة الاحتلال بفرض تطبيق القوانين الإسرائيلية على مواطني الجولان، وإقامة مجالس محلية تستبدل نظام المخترة الذي كان سائداً آنذاك وفقا لقوانين الداخلية السورية. وقد نشرت الصحف مقتطفات من الحوار الذي جرى بين موشي ديان والقائد الوطني أبو عدنان محمود الصفدي، الذي حضر الاجتماع مع عدد من زعماء الجولان، وأبرزت أهم ما جاء في السجال مع قادة الجولان:
ـ موشي ديان: أنتم تملكون السيارات والعمارات، فلماذا ترفضون دفع ضريبة الدخل؟ والموافقة على إقامة مجالس محلية تدير شؤونكم. إننا نريدكم أن تدفعوا.
– الشيخ أبو عدنان محمود الصفدي: نحن سوريون، فبأي حق ندفع ضريبة لكم؟
– ديان: ماذا تعني سوريون؟ إنني مستعد لأن أسلمك هوية إسرائيلية خلال 24 ساعة من الآن.
– الشيخ أبو عدنان: لكني لست مستعدا بأي شكل من الأشكال للتنازل عن هويتي العربية السورية.
– الشيخ محمود خزاعي ملي (مختار مجدل شمس آنذاك): حقا إنكم انتصرتم في حرب حزيران، ولكن المهم هو إنكم لم تكسبوا تأييد الجمهور.
بعد أشهر قليلة من العام نفسه أعلن الحاكم العسكري الإسرائيلي للجولان إلغاء ووقف التعامل بنظام المخترة في قرى الجولان واستبدله بشخص يُدعى ناتان، في مقر الحاكمية العسكرية وعزل المخاتير في قرى الجولان الخمس.
بدأت مظاهر المقاومة السورية تتبلور منذ الأيام الأولى للاحتلال الإسرائيلي، ومع أن الرأي المحلي السائد آنذاك لم يتوقع أن يطول الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن السكان بدأوا بتنظيم صفوفهم للمقاومة من خلال إنشاء خلايا مقاومة سرية، ركزت معظم جهودها في جمع المعلومات – خاصة العسكرية – ونقلها إلى دمشق عبر خطوط وقف إطلاق النار. وقد تم ضرب هذه المجموعات وكشفها في مطلع عام 1973 إثر استشهاد أحد المناضلين (عزت شكيب أبو جبل) في كمين إسرائيلي في منطقة خط وقف إطلاق النار، وتبعت ذلك حملة اعتقالات واسعة شملت العشرات (65 مناضلا من رواد العمل الوطني).
وقد استغلت إسرائيل الفراغ السياسي الناشئ عن الاعتقالات لتثبيت وجودها، وذلك بإقامة عدة مؤسسات تابعة لها، كفرض وتعيين مجالس محلية للقرى، وإقامة محكمة مذهبية خاصة بطائفة الموحدين الدروز، وتحصيل مختلف أنواع الضرائب (ضريبة الدخل و”التأمين الوطني” وضريبة الأملاك)، وذلك أوائل العام 1975، في كل من مجدل شمس وبقعاثا ومسعدة وعين قنية والغجر، علما بأن إسرائيل قد فشلت في تنفيذها قبل ذلك، رغم كل الإغراءات التي حاولت تقديمها للسكان من خلال الدور المشبوه الذي لعبه بعض القادة الدروز داخل صفوف عرب فلسطين المرتهنين للأجندة الإسرائيلية.
ولقد بقيت المجالس المحلية لسنوات طويلة خارج التداول العام بسبب القرار بمقاطعتها من قبل الجولانيين منذ فرضها، وذلك من منطلق رفض الاحتلال وقوانينه ومؤسساته. وجاءت الوثيقة الوطنية الصادرة في 25-3-1981 لتعزز موقفهم وتؤكده. وطفت قضية المجالس المحلية على السطح مؤخراً، ودخلت دائرة الحوار العام بقوة لا سيما بعد بروز أشخاص من الجيل الجديد، يطرحون فكرة التعامل مع هذه المجالس، كونها المؤسسة العامة التي تدير حياة الناس والحاجة لتحسين مستوى الخدمات، ومن هذا المنطلق اختيار أشخاص ذوي نفوذ اجتماعي وكفاءات لتولي هذه المهمة. إلا أن هذا الطرح لا يحظى بالدعم الجماهيري، لرفضه سياسيا ووطنيا واجتماعيا، حيث لا يمكن التعايش بين الديمقراطية والاحتلال.
وقد عبر السكان من خلال خلايا المقاومة السرية السورية عن رفضهم بحرق مقر المجلس المحلي في مجدل شمس بواسطة القنابل الحارقة “المولوتوف” ورفع العلم السوري فوقه في شباط/فبراير 1984.
كما رفع العلم السوري لأكثر من مرة فوق مبنى المجلس المحلي من قبل خلايا المقاومة السرية السورية في حزيران/يونيو 1984.
وجرى التوافق على اعتبار السلطة المحلية وممثليها المُعينين أدوات متواطئة مع مشاريع الاحتلال لا يمتلكون شرعية تمثيل الساحة الجولانية أو تمثيل السكان السوريين، وهي سلطة غير منتخبة من المواطن بل معينة من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية وبالتالي تتنافى مع مصلحة السكان، وهي بالوقت نفسه أداة للتطبيع مع الاحتلال بهدف دمج الجولانيين بالواقع الإسرائيلي تمهيدا لتجنيسهم بالجنسية الإسرائيلية.
كذلك شهدت قرى الجولان مقاطعة كل رؤساء المجالس المحلية المُعينين والعاملين فيها وطردهم من الأفراح والأتراح.
ورفض السكان طيلة سنوات التعامل مع أي برامج تنفذها المجالس المحلية، حتى منتصف سنوات التسعينيات وبدء سلسلة من عملية التفاوض الإسرائيلي السوري حول مستقبل الجولان وإعادته إلى الدولة الأم سوريا. من جانبها منحت إسرائيل رؤساء المجالس فرصة ترتيب زيارات بعض الجولانيين وخاصة المتدينين منهم إلى الأماكن المقدسة أو سفر طلبة الجولان إلى جامعات دمشق لاستكمال التعليم.

المصدر: القدس العربي