المدعو رامي مخلوف

42
لم يكن رامي مخلوف شخصا عاديا في سورية، حتى قبل أن يظهر اسمه رجل أعمال، كما يسمّي نفسه. هو الذي كان يرافق باسل الأسد (الخليفة المفترض) لوالده، في طريقه إلى المطار، حين وقع حادث السير الرهيب عام 1994 الذي حوله من رئيس قادم إلى شهيد. كانت صفة المرافق لباسل الأسد أنه ابن خاله محمد مخلوف، وهذا كان من أهم أركان النظام السوري، ولعب دورا كبيرا في تهيئة بشار للحكم بعد وفاة الأسد الأب، حتى لكان يقال إنه الحاكم الأصلي لسورية في بدايات حكم بشار، كما كان له الفضل الأول في بقاء الأخير على كرسي الرئاسة بعد الثورة عام 2011، إذ كان يشاع أن محمد مخلوف كان أحد أكبر المشجّعين على الحل الأمني والعسكري، وهو من وضع الخطط لقمع الثورة وتحويلها إلى فوضى وحرب أهلية. ويقال أيضا إنه كان الراعي الأول لكل شبّيحة الإعلام اللبنانيين والعرب الذين تبنّوا نظرية الثورة الطائفية والإرهابية ضد الرئيس العلماني، وإن هؤلاء كانوا يمرّون بمكتبه قبل الظهور على الشاشات الإعلامية، في وقت كان ابنه الأصغر (حافظ)، العقيد في المخابرات، رئيسا لفرع الخطيب للأمن الذي شهد أسوأ أشكال تعذيب المعتقلين. هكذا أحكمت عائلة مخلوف، في بدايات الثورة، سلطتها على الإعلام والاقتصاد والأمن، المفاصل الرئيسية التي يمكن من خلالها التحكّم بأي نظام أو بلد. 
بدأ اسم رامي مخلوف في الظهور في بداية العقد الماضي مع شركة الاتصالات الخلوية الأولى في سورية، والتي أدّى ظهورها إلى التنكيل بشخصيتين سوريتين رفيعتي المقام، الاقتصادي عارف دليلة ورجل الصناعة الأهم رياض سيف، بسبب اعتراضهما في مجلس الشعب على احتكار رامي مخلوف لشركة اتصال، يفترض أن تكون تابعة لشركة الاتصالات الوطنية، وأن تعود أرباحها إلى الدولة، كانت بدايات خصخصة كل شيء في سورية الأسد، وكان لرامي مخلوف وشركاته التي بدأت تتمدّد كأخطبوط نصيب الأسد من هذه الخصخصة، ومصطلح “نصيب الأسد” هنا ليس مجازيا أبدا، إذ يعرف السوريون أن رامي مخلوف كان في البداية مجرّد “تحصلدار” لآل الأسد: لا يمكن لأي مشروع استثماري أن ينشأ في سورية إلا بمشاركة رامي مخلوف بالنصف أو أكثر قليلا، كان هذا الشرط الدائم لأي مستثمر، حتى أن مشاريع كثيرة قد تم إيقافها بسبب رفض أصحابها مشاركة مخلوف. يتحدّث في هذا المجال الملياردير المصري، نجيب ساويرس، عن سرقة آل الأسد ومخلوف أمواله، حينما اتفق مع الحكومة السورية على إقامة شركة اتصالات (فودافون) في سورية. كما أن مشروع “بورتو طرطوس” تم إيقافه سنوات طويلة، بسبب عدم موافقة المستثمر المصري على شراكة مخلوف.
قصص كهذه كانت تحدث كثيرا، حتى أصبح مخلوف أحد مليارديرات العالم، مدعوما بعد الثورة من إيران، حيث أنشأ جمعية البستان (الخيرية) على طريقة الجمعيات الجعفرية الشيعية، كانت في واجهتها جمعية مساعداتٍ للفقراء، بينما في أساسها كانت ما يشبه مدرسة لإعداد الشبّيحة الذين كانوا يتدرّبون في إيران لقمع الثورة! جمعية البستان جعلت اسمه بين العامة الفقراء من مؤيدي النظام يلحق بلقب “الأستاذ” المحسن الكبير الذي كان الذراع الكبرى في القضاء على “الفورة الإرهابية”!
غير أن الزمن لا يبقي حالا على حال. الحرب الطويلة في سورية غيرت شكل التحالفات، ويبدو أن البروباغاندا الإعلامية التي اشتغلت منذ عامين لإظهار “السيدة الأولى” في الصورة كانت من أجل هذه اللحظة، إحكام سيطرتها على الاقتصاد السوري، واستعادة الثروات الموضوعة تحت اسم مخلوف، في الإعلان عن بدء مرحلة جديدة في سورية، تكون سيدتها أسماء الأسد التي تسير على طريقة الأرجنتينية إيفا بيرون، أو ربما الفيليبينية إيميلدا ماركوس، فهي مثلهما تهوى اقتناء الأشياء الثمينة والفاخرة والأعمال الفنية المسعرة بملايين الدولارات، في وقتٍ يموت فيه السوريون، حرفيا، من الجوع والفاقة، من دون أن تنسى أن تقدّم بعض المساعدات، على طريقة عدوها الحالي، رامي مخلوف، لبعض الأسر والعائلات الموالية للنظام، بما يضمن إظهار صورتها محاربة للفساد و”قلبها على الشعب الفقير”.
أما الشعب الفقير، فليس له في حرب النفوذ المالي بين أركان النظام سوى الفرجة، وحيرة الاصطفاف لمن تعود على الاصطفاف والولاء الأعمى لأركان السلطة، وربما نظرة سريعة على التعليقات على فيديوهات رامي مخلوف، أو على القرارات الصادرة للحجز على أمواله والتي تسميه “المدعو رامي مخلوف”، تكشف هذه الحيرة، الخائفة، لدى مؤيدي النظام، والمرعوبين من هذا الشقاق غير المفهوم لهم.

 

 

 

 

الكاتبة:رشا عمران  – المصدر: العربي الجديد