المرأة السورية.. ظلم واستغلال ومأساة على مدار سنوات الحرب وناشطات يتحدثن للمرصد السوري عن الأسباب

41

إذا كان العالم قد ضجّ واستفزته إلى حد كبير العقلية السائدة التي أنتجت ممارسات خطيرة ضدّ النساء: إقصاءً واستغلالًا وعنفًا وصل حدّ الاعتداء المادي الخطير بما في ذلك القتل، فإن ذلك يدل على أنّ المشكلة أصبحت لا تقتصر على شعب دون آخر وإنما هي ظاهرة تؤرق الجميع.
وإذا كان هذا الوضع يقلق العالم كلّه وبخاصة في بلدان مستقرّة ولا تعاني مشاكل سياسية أو اقتصادية، فما بالك بوضع المرأة في بلد يعيش حربا طاحنة منذ أكثر من 10 سنوات وتفككا وإرهابا وتشريدا، مثل سورية، لذا تدعو الضرورة إلى الوقوف على حقيقة المأساة التي تعانيها المرأة السورية في ظل هذه الأوضاع القاتمة.

في هذه المناسبة التي تخصص فيها الأمم المتحدة 16 يوما للتحسيس بالظلم المسلط على المرأة ولمقاومة العنف ضدها كان الأجدر أن تتجه الأنظار إلى جزء من البشرية يعاني في سوريا ما لا يعانيه آخرون في مناطق متعددة، للوقوف على الحالة المزرية لما تعانيه المرأة من عنف ونزوح وتشرد ومسؤولية كبرى على عاتقها لإعالة أطفالها وتجنيبهم الضياع.
ووثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 15165 امرأة وفتاة منذ 2011 إلى غاية الشهر العاشر من العام الجاري، وكان عام 2013، مع ذروة توغّل الفصائل المسلحة وتوسّع النزاعات بين النظام ومختلف الأطراف المتحاربة أكبر عام مأساوي بالنسبة للمرأة حيث قتلت 3656 امرأة.
ولطالما دعا المرصد السوري كمنظمة حقوقية إلى تحييد النساء والأطفال عن الصراعات لاعتبارهم من الفئات الهشة والحلقة الأضعف في كل صراع، خاصة أن جل الأرقام لدى المرصد والمنظمات الإنسانية قد أكدت أن النساء هن الأكثر استهدافا وتضررا في هذه الحرب المستعرة التي بدأت ثورة سلمية طالبت بالحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم.
وترى الناشطة النسوية والحقوقية السورية، رولا البكر، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنه لا يمكن تجاهل أن النساء السوريات قد وضعن في ظروف قاسية وغريبة طيلة سنوات الحرب العشر الأخيرة، حيث اضطرت الكثيرات إلى تحمل أعباء لا قِبَلَ حتى للرجال بها أصلا، وأصبحن أمام مسؤولية إنقاذ وإعالة أسرهن برغم أنهن لم يعتدن العمل ، ولكن برغم الصعوبات وحجم التحمل في البداية ، إلا أن ذلك أضاف إليهن قوة واعتداداً بالذات وصلابة، ولكن- للأسف الشديد- كانت كثيرات ممن اضطررن للعمل عرضة للتحرش والاستغلال الجنسي في أماكن العمل أو من قبل أرباب العمل الذين وجدوا في حاجتهن الملحة فرصة لتلبية رغباتهم وشذوذهم، في حين أجبرت الحرب أخريات على أن يكنّ زوجات أو (سبايا) إن صح القول في ظل ما أطلق عليه (نكاح الجهاد).. قاصرات وطفلات ويافعات وراشدات لا يهم، في منطق هؤلاء الذئاب الاستغلاليين، وأمراء الفصائل والمسلحين الذين عاثوا فسادا بحجة الحرب والقتال..
حُرمت الفتيات من التعليم وارتياد المدارس في أماكن سيطرة التنظيمات الإسلامية بشكل أكبر من بقية المناطق التي كانت الفتيات فيها عرضة للتسرب المدرسي بسبب واقع النزوح والوضع الاقتصادي المتردي.
واستطردت قائلة: “كل هذا وأكثر بسبب عدم وجود قانون يحمي النساء والفتيات بشكل خاص من العنف المسلط عليهن، وبسبب الإفلات من العقاب وعدم التطبيق الفعلي للقوانين الموجودة التي قد تحمي المرأة أو تعطيها الفرصة للمطالبة بحقوقها”.

وتابعت محدثتنا: ” لنبدأ بالحديث عن القانون باعتباره الناظم الأكبر لحياة الناس والمجتمعات، لنلاحظ بداية أن القوانين السورية تفتقر إلى نصوص توضح ما هو التحرش وما هي الأفعال التي تعتبر تحرشاً وتعاقب عليها بالرغم من أهمية وجود عقوبة لهذا الجرم، كما أنه لا يوجد قانون أسرة أو قانون عن العنف الموجه ضد النساء بشكل خاص، علما أن النساء هن الطرف المستضعف غالباً في مجتمعاتنا. إذن توجد ثغرة تشريعية كبيرة في القوانين السورية بهذا الجانب، وهي بذلك لا تراعي المواثيق والأعراف الدولية ولا اتفاقية السيداو التي صادقت عليها، بالرغم من وجوب مواءمة التشريعات والقوانين المحلية مع المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تصادق عليها الدول، واعتبار نصوصها أعلى مرتبة من نصوص القوانين التي تخالفها”.

وأكدت الناشطة النسوية أنه في جانب آخر وبالرغم من وجود قوانين تؤكد على إلزامية التعليم الأساسي حتى عمر الخامسة عشرة، وتمنع التسرب المدرسي، إلا أن هذه الظاهرة لم تتوقف بل ازدادت خلال السنوات الأخيرة وخاصة بين الفتيات، وذلك بسبب حالات النزوح وتهدم المدارس والبيوت وغيرها، وكذلك نتيجة سيطرة التنظيمات الإسلامية المتشددة على بعض المناطق، هذه التنظيمات التي تمنع النساء والفتيات من حرية الحركة والتعليم وغيرها. وقد انتشرت حالات تزويج الطفلات أيضاً وخاصة للمسلحين في هذه التنظيمات وظلت هذه الزيجات تحصل دون أوراق رسمية وتسجيل في المحاكم، مما ينتج جيلاً من المواليد الجدد مكتومي القيود ومجهولي النسب أيضاً، وتم تسجيل حالات وفاة بين هؤلاء القاصرات سواء بسبب عدم قدرتهن على تحمل الزواج أو في أثناء الولادة.
وبمناسبة الحديث عن تزويج الطفلات وبالرغم من تعديل قانون الأحوال الشخصية الأخير الذي رفع سن الزواج لكل من الشاب والفتاة إلى 18 سنة، إلا أن الكثيرين يلجؤون إلى تزويج الفتيات تحت هذه السن بحجة الوضع الاقتصادي المتردي أو الخوف المجتمعي على الفتاة من (الخطأ والوصم) وغيرها نتيجة العادات والأعراف المجتمعية البالية، متذرعين بالقانون الذي يمنح الأب أو الأخ سلطة الولاية على النساء في العائلة. ، ناهيك عن الحيف الذي يطال شريحة واسعة من النساء في الميراث والحقوق الزوجية وغيرها من الحقوق التي لا تعرفها جيداً، أو لا يمكنها الوصول إليها بسبب العرف والعادة ووجود رجال متحكمين في العائلة.

من جهتها، حذرت الناشطة زهرة الكردي، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، من مخاطر الاستغلال الاقتصادي الذي تتعرّض له المرأة السورية في ظل غياب العائل الذي توفي في الصراع او اختطف أو زُج به في السجن، مايخلق معاناة إضافية للنساء اللواتي ينزحن من مناطقهن التي تتعرض للقصف، حيث يصلن إلى مناطق داخل سورية أو خارجها دون أي خلفية أو دراية لهن بالوضع الجديد أو ظروف العمل والعيش في تلك المناطق، وغالبا ما يتم استغلالهن اقتصاديا وجنسيا كعاملات نظافة بالمنازل أو بالمحلات وقد تمّ رصد حالات تحرش واستغلال جنسي من قبل أرباب العمل، وهي ممارسات تستمر وتتطوّر مع صمت المرأة التي تجد نفسها مجبرة على تحمل عبء العائلة لتوفير الأكل والملبس والشرب، وفي غياب المنظمات الإنسانية لمساعدهن في الدفاع عن حقوقهن خاصة في الأجر وتقليل ساعات العمل التي عادة ما تصل إلى 12 ساعة يوميا .
وقالت الكردي، إنّ ربّ العمل يعلم جيدّا الحاجة الملحة للنساء اللواتي أجبرن على العمل، فيبدع في استغلالهن والتلاعب بهن، خاصة أن أغلب النساء اللائي يُجبرن على القيام بأعمال شاقة هن غير متعلّمات ولا يفقهن أصلا معنى الحقوق والاستغلال الاقتصادي، علاوة على شح فرص التشغيل.
وأشارت الناشطة النسوية إلى أن بعض النساء يأخذن على عاتقهن تحمل المسؤولية ويقمن بإخفاء أزواجهن ن حتى لا يتمّ اختطافهم أو أخذهم إلى ساحات الحرب والقتال للمشاركة مع الفصائل المسلحة أو مع النظام في عمليات القتل، فتضطر هؤلاء النسوة إلى مثل هذا الإجراء حفاظا على وجود أزواجهن معهن.
وكشفت محدثتنا عن ظاهرة خطيرة في ظل الأوضاع الحالية من شأنها أن تزيد المعاناة تعقيدا، وتتمثّل هذه الظاهرة في كثرة الإنجاب ولجوء الزوج إلى الارتباط بأكثر من واحدة لمساعدته في مواجهة تكاليف العدد الكبير من الأطفال وذلك باستغلال الزوجات في العمل بدون أن يساهم هو نفسه في ذلك، حيث يتمّ تعرضهن للاستغلال الجنسي بدون رقيب أو حسيب، إلى جانب إجبارهن على أعمال قاسية مقابل أجر 5000 ليرة، أي دولار وربع في اليوم.
وأشارت محدثتنا إلى ارتكاب جرائم إنسانية أخرى أكثر فظاعة تتجلّى في استغلال الفتيات القاصرات حتى في سن العاشرة جنسيا، وإكراههن على ذلك تحت التخويف واستعمال القوة ليتم بذلك تدمير آدميتهن منذ الطفولة في ظل إفلات فاضح من العقاب وصمت دولي مخيف ومخز .

ولا تنسى محدثتنا الإشارة إلى أن من أكبر الجرائم بحق الطفولة أن يُقدم الأب على تزويج ابنته أو الأخ على إجبار أخته القاصر على الزواج بعد أن تحرم من حقّها في مواصلة تعليمها، حتى تتملّص عائلتها من مسؤولية توفير لقمة العيش لها، هذا فضلا عن كثرة ارتكاب جرائم “الشرف” حين يسمع أن زوجته أو ابنته قد تم الاعتداء عليها في مكان العمل الذي أجبرت على ممارسته، أو حين تطلب بحقها في الميراث أو مواصلة التعليم، وخاصة في محافظة السويداء التي تصدرت قائمة المناطق التي ترتكب فيها مثل تلك الجرائم البشعة.
وعبّرت محدثتنا عن غضبها وسخطها على تجار الدين وفتاويهم للتغطية على ممارسات عناصر الفصائل المجرمة بعد ارتكاب جريمتهم القذرة، بالإغتصاب والإعتداء والإستغلال.
ولفتت زهرة الكردي إلى استغلال النساء الفاقدات للسند والعائلة في مجال الدعارة وتوزيع الممنوعات وأخريات يتم استغلالهن كمصيدة لخطف الشباب أو الصبايا أو شيوخ أغنياء لطلب فدية وحتى للتجارة بأعضائهم.
وتطرّقت إلى ما يجري من اتجار بالقاصرات والنساء وإجبارهن على الزواج حتى ثلاث مرات في الشهر الواحد من شيوخ الفصائل، وهي ممارسات تستفز حقا الضمير الانساني-إذا كان لا يزال هناك ضمير- وتُعد جريمة كبرى وامتهانا للبشر، إلى درجة أن ممثلات جمعيات عديدة صعقن عند وقوفهن على حالات الفتيات القاصرات اللائي وجدنهن مدمرات نفسيا وشبه غائبات عن الوعي نتيجة هول المأساة.

وأشارت إلى تسليح المرأة الذي صفّقت له عديد الدول، مؤكدة أن ذلك أمر غير مفرح بل هو من انزلاقات الثورة وكان ذلك مشهدا من مسرحية ، فضلا عن خيار التديّن الذي اختارته بعض النساء تزامنا مع ظاهرة الردّة الدينية التي حدثت خاصة بالجنوب السوري ، حيث لجأت نساء إلى اتّباع طقوس متعصّبة شبيهة بحالة القبيسيات بإسلام السنة، بحيث يكن تابعات لامرأة واحدة تتحكم فيهن وتصدر أوامرها وتمنعهن من التعليم والزواج والتعامل مع أي محيط وتمنعهن من التعامل مع النساء اللواتي لا ينتمين إلى نفس المجموعة أو أقاربهن وتفرض عليهن انضمام أزواجهن إلى نفس المجموعة من الذكور حيث أحدثت شرخا في المجتمع وهي ظاهرة مخيفة.

وأكّدت محدثتنا أن حرمان المرأة من حقها في الميراث خاصة في الجنوب السوري، لا بموجب قانون لأن الأخير يضمنه، بل بموجب عادات قبلية بالية وأحكام فردية، وحين تحاول المطالبة بحقوقها تقتل وتنبذ، فضلا عن حرمانها من إعطاء الجنسية لأولادها لتبقى مجردة من حرية القرار في أي مسألة حتى ولو كانت خصوصية.
وعبرت محدثتنا في المقابل،عن اعتزازها بوجود العديد من النساء الواعيات بحقوقهن، اللواتي وقفن في وجه الظلم وتمسّكن بحقوقهن برغم الجوع والمأساة ورفضن حياة الذل واخترن تحمل المسؤولية في صبر وقاومن الاستغلال بكل أشكاله.
وأشارت إلى أن وجود الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي ساعد الكثيرات في توفير فرص عمل والتبليغ عن استغلالهن لتوفير الحماية السريعة لهن في كسر لحاجز الصمت والخوف ، داعية النساء إلى العمل والتعويل على ذواتهن، وعدم الخوف لتحقيق أحلامهن.