المرأة السورية.. من ظلم العادات والتقاليد إلى ظلمة السجون والمعتقلات

62

مرت على سورية حرب دامية خلفت الكثير من الدمار والخراب والآلام والترسبات النفسية، إلا أن هناك أمورا ظهرت للسطح تقشعر منها الأبدان، فالمرأة التي تعتبرنصف المجتمع، والمدرسةَ التي إن أعددتها أعدت شعباً كريماً طيب الأخلاق، كانت شاهدة على قسوة لم يُسمع عنها حتى في زمن الجاهلية، فحتى ذلك الزمان الأسود الذي جعل من المرأة أداة للهو  والجنس أصبح بريئاً من الوضاعة التي طفت على السطح في مجتمع لطالما حافظ على الفضيلة ومنظومة القيم الاجتماعية على مدار عقود.
وعلى مدار عقود طويلة ظل النظام السوري يدعي العدالة والمساواة بين الجنسين، لكن الحقيقة المرة أن غالبية النساء قد تعرضن للعنف الجسدي واللفظي وأشكال الاستغلال، إضافة إلى إقصائهن من المحافل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليكون هذا الفكر الأصم شرارة البداية لمجازر وفظائع كانت المرأة فيها الخاسر الأكبر.
وفي عام 2018 صدر تقرير عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بيّن أن المرأة السورية قبل اندلاع الثورة قد تعرضت للعديد من أشكال العنف القائم على الجنس، تمثلت في الاغتصاب والعنف الأسري والتحرش الجنسي والاعتداء برش الحمض والمواد الحارقة، والزواج بالإكراه والإكراه الإنجابي دون مراعاة صحة  المرأة وسلامتها، إضافة إلى الإجهاض الانتقائي بسبب الجنس، وختان الإناث وقتلهن تحت ما يسمى جرائم الشرف، وقد أوضح التقرير أن هذه الجرائم كانت ترتكب دون رقابة أو محاسبة صارمة من قبل الحكومة، وما إن قامت الحرب في سورية حتى ظهرت أنماط وأشكال جديدة من الإجرام أعادتنا إلى عصور الظلمات وجعلت من المرأة جسداً رخيصا تنهش فيه الكلاب البشرية بدون رحمة.
وعلى مدار عدة سنوات تم توثيق العديد من الحالات التي وقع فيها اغتصاب جماعي لنساء ليس لهن أي ذنب، من قِبل أطراف النزاع، والكثير من النساء تم اغتصابهن من قبل موظفين رسميين وقوات عسكرية، وإجبارهن على البغاء، إضافة إلى تعرضهن للجلد والرجم وإجبارهن على زواج المتعة الذي انتشر بشكل علني دون وجود أي رادع أخلاقي أو ديني، وقد وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان منذ انطلاقة الثورةالسورية في 15 آذار 2011 وحتى الأول من آذار 2021 استشهاد 13843 مواطنة فوق سن الـ18 على  أيدي أطراف النزاع المختلفة.
وعانت السورية أيضا من مأساة الاعتقال والاختفاء القسري، وهنا وثّق المرصدالسوري لحقوق الإنسان اعتقال 15502امرأة وفتاة منذ 2011 إلى غاية شهرسبتمبر الماضي،وكان عام 2013-معذروة لتوغّل الفصائل المسلحة وتوسّع النزاعات بين النظام ومختلف الأطراف المتحاربة-أكبر عام مأساوي بالنسبة للمرأة حيث اعتقلت فيه أكبر  النسب.
وتمكّن المرصد السوري من توثيق مقتل 67 امرأة بالاسم، تحت التعذيب من إجمالي 105 ألاف استشهدوا في سجون نظام الأسد.
وتحدّث المرصد مرارا عن الآثار المدمّرة للاعتقال، حيث خلّف إعاقات صحية ونفسية جراء التعذيب النفسي والجسدي الذي تتعرض له النساء.. ولو حاولنا تفسير ذلك بشكل منطقي سنجد أن الهدف من هذا الاعتقال هو ضرب كيان المرأة السورية وسحقها وإبعادها عن الحراك السياسي والحقوقي، وردع أي نشاط معارض من خلال الضغط والتأثير والترهيب.. فباعتقال المرأة التي يعتبرها المجتمع الشرقي عِرضه وشرفه، سيُجبر شريكها الرجل على الانسحاب والصمت حفاظاً على أغلى قيمة كما يروّج.
وتعرضت النساء للتعذيب بالصعق بالكهرباء والضرب إضافة إلى وضعهن في سجون مختلطة مما يعرضهن للاغتصاب بشكل يومي، ولم تكن هناك أي محاكمة أو دوافع قانونية لاعتقالهن، وقد كن شاهدات على وفاة العديد من المعتقلين والمعتقلات.. وبحسب معطياتنا في المرصد فإن أكثر من 15 ألف امرأة تم اعتقالهن منذ عام 2013 ولا زلن قابعات في سجون أطراف النزاع.
وفي النهاية يبقى التاريخ هو الشاهد الوحيد على هذه المجازر، ومهما حاول المجرمون طمس هوية المرأة السورية ستبقى قادرة على تخليد اسمها ونضالها بين الكبار، فالسورية هي مي زيادة التي زينت الأدب العربي بمؤلفاتها، وهي نازك العابد التي ناضلت وشكلت العديد من الجمعيات النسائية في مطلع القرن الماضي… وفي كل الأحوال مهما حاول النظام قهر المرأة السورية وإبعادها عن معترك الحياة ستبقى برغم المحن ولاّدة الرجال وهي العنصر الذي لا يكتمل المجتمع ولا يسمو  وينتصر إلا بوجوده.
ولطالما دعا المرصد السوري كمنظمة حقوقية إلى تحييد النساء والأطفال عن الصراعات لاعتبارهم في مقدمة الفئات الهشة والحلقة الأضعف في كل صراع، خاصة أن جل الأرقام لدى المرصد والمنظمات الإنسانية قد أكدت أن النساء هن الأكثر استهدافا وتضررا في هذه الحرب المستعرة التي بدأت ثورة سلمية طالبت بالحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم.
ونختم بقول الشاعر السوري الراحل نزار قباني:
“ستنجب كل ليمونة  طفلاً.. ومحال أن ينتهي الليمون”..