المرصد السوري لحقوق الإنسان: “أجساد ينهشها الدود والقمل”.. شهادة صادمة عن مهاجرين سوريين معتقلين في ليبيا

33

يعاني عشرات المهاجرين السوريين في مراكز الاحتجاز في الغرب الليبي أوضاعا مأساوية وهم الذين كانوا يأملون بالتحول إلى الفضاء الأوروبي هربا من ويلات الحرب والدمار في بلادهم وليس المكوث في ليبيا في ظلّ صمت محلي ودولي رهيب.

جانب من هذه المأساة التي تطال السوريين وغيرهم في مراكز الاعتقال التي تديرها المليشيات المسلّحة في ليبيا، رواها للمرصد السوري لحقوق الإنسان أحد الذين ذاقوا مرارة المأساة ونجا من هول المعتقل بعد دفع فدية مالية.

وتحدث السجين السابق عن معاناة عشرات السوريين الذين استقلوا قوارب الموت في هجرة عذاب جديدة آملين الوصول  إلى  أحد شواطئ الأمان، فكانت ليبيا محطتهم للعبور والخلاص من الأوضاع المزرية، إلا أن آمالهم تحطمت بعد القبض عليهم من قبل مليشيات مسلحة احتجزتهم في أحد المراكز الخارجة عن القانون التي تتجسّد فيها كل ممارسات القهر والتعذيب والإذلال والتجويع، في ظروف صحية غاية في السوء والتلوث.

وقال إن حوالي 300 سوري يقبعون في غياهب تلك المعتقلات التي لا ينجو من ويلاتها سوى أولئك الذين  تتولى أسرهم دفع فدية لإطلاق سراحهم حيث بلغت قيمتها 2500 دولار أميركي لكل شخص، لافتا إلى أن تلك المليشيات الإجرامية دأبت على ابتزاز المحتجزين كمصدر للنهب على حساب مآسي المعتقلين  وظروف أهلهم القاسية.

وأضاف: “كنت مسجونا وتمكنت من مراسلة أخي بعد محاولات عديدة مريرة، من خلال تكليف أحد المحتجزين الذي كان يستعد للمغادرة بعد دفع فدية، لإنقاذي بتوفير مبلغ مالي لفكّ أسري (…) لقد عشت كوابيس قد لا يتخيلها العقل في بلد عربي ولا تزال حالة الرعب وصور المآسي التي شاهدتها وعاشها جميع المعتقلين تحط بثقلها على نفسي”.

وأوضح أن هناك محتجزين تونسيين ولبنانيين ومصريين وأفارقة من جنسيات مختلفة بمناطق جنوب الصحراء، كلهم يعيشون نفس الكابوس وينتظرون ساعة الفرج بإطلاق سراحهم لكن مأساتهم أصبحت مضاعفة بسبب عدم وجود أمل في توفير المبالغ الضخمة التي يفرضها عناصر المليشيات التي لا تعرف سوى منطق القوة والغطرسة والابتزاز.

ولدى سؤال المرصد عن ظروف المعيشة، أجاب بالقول: “لا نحصل سوى على حفنة من الأرز أو المعكرونة المسلوقة بماء مالح، في حين يتغذّى منا القُمّل والجراثيم والبكتيريا بأنواعها والجرب والأمراض المعدية، ولا تزال صور بعض الأشقاء الأفارقة  تستفز الضمير  وهم مجردون من ملابسهم الرثّة أصلا وينهشهم الدود، في مشهد  تذوب له القلوب”.

واستطرد قائلا: “لا يفوتني أن أتحدث عن ممارسات العنف والضرب المبرح بالكوابل البلاستيكية لتكسير العظام (…)  أتذكر جيدا كيف تم ضرب ثلاثة سوريين بسيخ من حديد، أحدهم تم قطع إصبعه في مظاهر مجردة من الإنسانية والرحمة لا يمارسها حتى العدو في عدوه”.

وأكد أن “هذه المراكز تديرها مليشيات خارجة عن سيطرة الدولة الليبية ظاهريا، متحدثا عن إصابة أخيه بالجرب والقمل بعد عشرين يوما متتالية لم يرى فيها الشمس، إلى جانب كوننا نجبر على افتراش الأرض ونحن عراة وحفاة”.

ولفت إلى وجود “عدد من النساء والأطفال من جنسيات متعددة محتجزين منذ 8 أشهر ولا يعرفون أملا عن قرب خلاصهم حيث تدهورت حالتهم الصحية بشكل كبير”.

وقدم السجين السابق للمرصد وثائق تثبت حقيقة شهاداته تمثلت في رسائل مرسلة من محتجزين سوريين لعائلاتهم  يناجونها لإخراجهم بأي ثمن كان قبل أن ينهش الدود أجسادهم.

وأضاف: “تصوروا أن قساوة المليشيات وصلت إلى درجة أن من يصيبه مرض يرمونه في الخارج ويضربونه ضربا مبرّحا ويتهمونه بالكذب ثم يعيدونه إلى الداخل”.

وأفاد بأن المياه التي يشربونها مالحة وهي نفس المياه المستغلة في الغسيل والحمامات.

وناشد المرصد السوري لحقوق الإنسان التدخل العاجل لإخراج السوريين من هذا الجحيم ومساعدتهم للخلاص من هذه المحنة القاسية، ودعا المرصد إلى إيصال صوتهم إلى المجتمع الدولي لإرسال وفود تقف على حقيقة الأوضاع، مشددا على أن الأمر لا يحتمل الانتظار”.

ويدعو المرصد السلطات بالغرب الليبي إلى الإفراج عن الموقوفين ومراعاة الحالة السورية التي تشبه الواقع الليبي “في تقاسم لوجع شعبين ذاقا الويل والجوع والخصاصة وويلات التهجير والتعذيب”.

وفي يناير الماضي، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن هناك أكثر من 12 ألف معتقل رسميا بـ 27 سجنا ومنشأة احتجاز في ليبيا، بينما يحتجز آلاف أيضا بشكل غير قانوني بـ”ظروف غير إنسانية” داخل منشآت تسيطر عليها جماعات مسلحة، أو داخل منشآت “سرية”.

وأضاف غوتيريش، في تقرير نشرت أسوشيتد برس جزءا منه، أن البعثة السياسية للأمم المتحدة في ليبيا تواصل توثيق حالات الاعتقال التعسفي، والتعذيب، والعنف الجنسي، وغيرها من انتهاكات القانون الدولي في المنشآت التي تديرها الحكومة وجماعات أخرى.

وذكر أن آلاف المعتقلين الذين لا يظهرون في الإحصاءات الرسمية التي قدمتها السلطات الليبية، والتي تظهر أكثر من 12 ألف معتقل، غير قادرين على الطعن بالأسس القانونية لاعتقالهم، بسبب استمرار احتجازهم.

وأوضح في تقريره الذي تم إرساله أيضا إلى مجلس الأمن “ما زلت أشعر بقلق بالغ إزاء الانتهاكات المستمرة لحقوق المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء في ليبيا”.

واستطرد التقرير قائلا “لا يزال المهاجرون واللاجئون من الإناث والذكور يواجهون مخاطر متزايدة تتمثل في التعرض للاغتصاب، والتحرش الجنسي، والاتجار بالبشر على يد جماعات مسلحة، بالإضافة إلى مسؤولين في جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية الليبي، والذي يخضع لإشراف وزارة الداخلية”.

وقال الأمين العام إن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا وثقت حالات في سجن معيتيقة والعديد من مراكز الاحتجاز التي يديرها جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية في الزاوية، وداخل العاصمة طرابلس وما حولها.

وأضاف “البعثة تلقت معلومات موثوقة عن الاتجار بالبشر والاعتداء الجنسي على نحو 30 امرأة وطفل نيجيري”.

وغرقت ليبيا، الدولة الغنية بالنفط، في حالة من الفوضى عقب الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي عام 2011، وبرزت كنقطة عبور رئيسية للمهاجرين الفارين من الحرب والفقر في أفريقيا والشرق الأوسط، إلى أوروبا.

واستغل مهربون هذه الفوضى، حيث يقومون بعمليات تهريب للمهاجرين عبر قوارب مطاطية أو خشبية مهترئة تشق طريقها بالبحر المتوسط نحو أوروبا، في رحلات محفوفة بالمخاطر.

 

 

 

المصدر: الحرة