المرصد السوري لحقوق الإنسان: أي مخطط ترسمه تركيا في شمال سوريا

جبهة تحرير الشام تعزز نفوذها في مناطق الفصائل الموالية لأنقرة. على الرغم من تبعية فصائل الجيش الوطني السوري لتركيا، فإن أنقرة أبدت تلكؤا في دعمها، ما سمح لهيئة تحرير الشام بتعزيز نفوذها في المناطق التركية. وبحسب مراقبين، فإن ما يجري من تغيير في خارطة السيطرة في الشمال السوري، إنما يتم تحت أنظار القوات التركية وبضوء أخضر منها.

24

 

تشهد مناطق سيطرة القوات التركية في شمال سوريا تغيرا في خارطة النفوذ مع دخول هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) إليها إثر اقتتال داخلي بين فصائل محلية موالية لأنقرة، فيما يؤكد محللون أن هيئة تحرير الشام ما كان لها أن تدخل إلى المنطقة لولا موافقة الأتراك، ما يطرح تساؤلات بشأن النوايا التركية.

ويقول مراقبون إن ما يجري من تغيير في خارطة السيطرة في الشمال السوري، إنما يتم تحت أنظار القوات التركية الموجودة في المنطقة، والتي تحركت الثلاثاء وأرسلت آليات عسكرية للمنطقة في مسعى لمساندة حلفائها.

ويرى هؤلاء أن الإرسال المتأخر للآليات العسكرية التركية للمنطقة التي تشهد اشتباكات منذ عشرة أيام، يندرج ضمن رفع العتب أكثر من التصدي لتقدم جبهة تحرير الشام في المنطقة.

 

وخلال الأيام الماضية، لم يحصل أي تدخل أو ضغط من تركيا لوقف القتال ولمنع هيئة تحرير الشام من السيطرة على مناطق الجيش الوطني السوري، على الرغم من أن الأخير مدعوم من قبلها.

ويرى المحلل السياسي صدام الجاسر أن “تركيا من مصلحتها أن تكون هناك جهة واحدة وفاعلة تسيطر على المنطقة، خاصة إذا كانت هذه الجهة تمتلك انضباطية ومركزية بالعمل والخلل الموجود فيها وفي بنيتها أقل من غيرها، وهذا ما يمكّنها من السيطرة عليها أكثر من العديد من الفصائل، والتي في الأصل معظمها يعادي الآخر، وهذا ما وجدته تركيا في هيئة تحرير الشام”.

ويضيف الجاسر أن “هيئة تحرير الشام قادرة على تلبية المصالح التركية في الشمال السوري خلال المرحلة القادمة، بشكل أكبر من الفصائل المتناحرة”، لافتا إلى أن صمت “الحكومة المؤقتة” و”الائتلاف” المعارض حول ما يجري، “يشي برغبة تركية واضحة في ما يحصل”.

ولا تزال الأمور غير واضحة تماما حول الاقتتال في الشمال، فالقتال لم يُحسم بعد وربما تحتاج الأوضاع إلى عدة أيام أخرى لتتضح أكثر، لكن من جانب آخر هناك رغبة تركية في أن تسيطر هيئة تحرير الشام على هذه المنطقة، فالمخططات التركية بحاجة إلى ذراع قوية أمنيا وعسكريا لتنفيذها، وهو ما يتوفر في الهيئة.

وتسارعت مؤخرا رسائل التقارب بين تركيا ونظام الرئيس بشار الأسد في دمشق، بعد أن عبّرت أنقرة عن استعدادها للانفتاح على حكومة دمشق والدخول معها في حوار.

ويرى محللون أن سيطرة هيئة تحرير الشام على المنطقة يسهّل أي عملية مفاوضات مستقبلية مع حكومة دمشق، لأن التفاوض في هذه الحالة سيكون مع كتلة متجانسة ترضخ للمتغيرات الدولية واقعيا، رغم معارضتها لها في العلن، كما حدث في تفاهمات أستانا وسوتشي سابقا.

ويشير هؤلاء إلى أن أهم تبعات هذا الاقتتال هو إضعاف الفيلق الثالث حاليا، ونقل المنطقة لسيطرة هيئة تحرير الشام وفصائل الحمزة وفرقة سليمان شاه، وهذا ما يسهّل أي مساومة مع حكومة دمشق.

ويتقاسم حوالي 30 فصيلا، ضمن ما يعرف بالجيش الوطني السوري الموالي لأنقرة التي تقدم له التجهيزات والسلاح والتمويل، السيطرة على منطقة حدودية في شمال محافظة حلب، تمتد من جرابلس في الريف الشمالي الشرقي إلى عفرين في ريفها الغربي، مرورا بمدن رئيسية مثل الباب وأعزاز. وتنتشر في تلك المنطقة قوات تركية أيضا.

وفي الثامن من أكتوبر، بدأت اشتباكات بين فصيل الجبهة الشامية وفصيل الحمزة المواليين لأنقرة في مدينة الباب، بعد اتهام الجبهة الشامية فصيل الحمزة بقتل ناشط إعلامي، ثم توسّعت إلى مناطق أخرى مع انضمام فصائل أخرى إلى المعارك دعما للجانبين، من دون أن تتدخل القوات التركية لفضها.

ودخلت هيئة تحرير الشام على خط الاقتتال عبر دعم فصائل على حساب أخرى، إلى أن تمكنت من السيطرة على منطقة عفرين كاملة للمرة الأولى.

وبعد أسبوع من الاشتباكات، تم التوصل إلى اتفاق بين الطرفين المتقاتلين ينص على أن تتسلم الهيئة المؤسسات الخدمية والاقتصادية، وتتولى إرساء الأمن في عفرين، وتنشر عناصرها عند المعابر الفاصلة مع مناطق قوات النظام والأكراد.

وكان من المفترض أن يشمل الاتفاق المناطق الأخرى، لكن بعد يومين من هدوء حذر عادت واندلعت مواجهات بين هيئة تحرير الشام من جهة، وفصيلي الجبهة الشامية وجيش الإسلام من جهة ثانية.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بتقدم هيئة تحرير الشام والفصائل المتحالفة معها، وبينها الحمزة وحركة أحرار الشام، ليل الاثنين – الثلاثاء، في محيط مدينة أعزاز التي تعد معقل الجبهة الشامية.

وبعد عشرة أيام لم تتدخل فيها لفض المواجهات، أرسلت تركيا الثلاثاء قوات انتشرت عند خطوط التماس بين الطرفين قرب أعزاز وعفرين، من دون أن تنسحب هيئة تحرير الشام من المنطقة.

وقال مدير المرصد رامي عبدالرحمن الثلاثاء “لم تكن هيئة تحرير الشام لتدخل المنطقة دون موافقة تركيا”.

 

 

 

المصدر: العرب