المرصد السوري لحقوق الإنسان: إيران تعزز وجودها في سورية مستغلة الانشغال الروسي

22

مع انهماك روسيا في حربها مع أوكرانيا، برزت مؤشرات عدة على تنامي الأنشطة والتحركات الإيرانية في عموم المناطق السورية، ولا سيما في شرقي البلاد وجنوبها. وهذه التحركات ترتبط أيضاً بمحاولات إيران ومليشياتها، تفادي الضربات الإسرائيلية والأميركية، عبر إعادة التموضع، أو التغلغل المخفي ضمن القوات الرسمية للنظام السوري.

وتشير مصادر إعلامية متطابقة إلى تزايد تحركات المليشيات الإيرانية في شمال وشرق وجنوبي سورية، على نحو يتصل ربما بمواجهات إيران الإقليمية والدولية. ومن المحتمل أن تكون الأراضي السورية إحدى الساحات الرئيسية لهذه المواجهات، سواء مع إسرائيل، أم مع الولايات المتحدة والغرب، خصوصاً في ضوء جملة من العوامل، منها الانشغال الروسي في أوكرانيا، ودعم إيران لروسيا في هذه الحرب، ما أثار غضباً غربياً، فضلاً عن الاستعصاء الحاصل في مفاوضات الملف النووي الإيراني.

ويلاحَظ أن محافظة دير الزور (شرقي سورية) وريفها الغربي، حيث تتقاسم كل من قوات النظام السوري، و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) النفوذ فيها، باتت مسرحاً لتحركات وتعزيزات وتنقلات عدة في الأشهر الأخيرة، في ما تبدو محاولات من إيران ومليشياتها للانسحاب من المناطق الساخنة، أو تقليص الظهور العلني فيها، مثل المناطق الحدودية مع العراق، باتجاه الأرياف، ومركز المدينة. ويبدو أن هذه المليشيات تأمل تفادي الضربات الجوية، مع تشديد الاحتياطات الأمنية لتقليص الاختراقات والتي تسببت في خسائر فادحة لها.

محافظة دير الزور وريفها الغربي باتت مسرحاً لتحركات وتعزيزات وتنقلات إيرانية عدة في الأشهر الأخيرة

كذلك برزت مخاوف من أن تستخدم إيران مطار الجراح العسكري شرقي محافظة حلب، لنقل الأسلحة إلى منطقة الحدود مع فلسطين المحتلة، وفق ما نقلت صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية، عن مصادر إسرائيلية.

تحرك إيراني باتجاه الشرق السوري

وعلى الرغم من انتشار مليشياتها في مجمل المناطق السورية، إلا أن إيران ركزت خلال السنوات الماضية على بعض المناطق الحيوية بالنسبة إليها، سواء في محيط العاصمة دمشق، خصوصاً منطقة السيدة زينب، والجنوب السوري القريب من الحدود مع فلسطين المحتلة والأردن (بسبب المواجهة مع إسرائيل، وتأمين طريق تهريب المخدرات)، أم في حلب ومحيطها (مناطق التجمعات الشيعية في نبل والزهراء)، إضافة إلى مناطق الشرق بالقرب من الحدود العراقية، لتأمين طريق الإمداد البرّية بين العراق وسورية.

ويرى مراقبون أن الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في جنوب البلاد، هي أحد أهم الأسباب في التحركات الإيرانية باتجاه الشرق السوري. وتشير معلومات إلى وصول خبراء عسكريين موالين لإيران إلى منطقة دير الزور بشكل مستمر.

وتحدث المرصد السوري لحقوق الإنسان، يوم 27 يناير/ كانون الثاني الماضي، عن وصول العشرات من عناصر “حزب الله” اللبناني والمليشيات الإيرانية من دمشق إلى شمال شرقي سورية عبر طائرة شحن ضمّت 125 شخصاً من الخبراء والمدربين، بالتزامن مع وصول مجموعة من عناصر للمليشيات الإيرانية إلى مدينة البوكمال في ريف دير الزور الشرقي، قادمين من ريف حلب وحمص.

ووفق المرصد أيضاً، عمدت تلك المليشيات نهاية الشهر الماضي إلى فتح باب الانتساب لتشكيل فصيل جديد، في مدينة دير الزور، يقوده المدعو فادي العفيس، وهو أحد قياديي “لواء الباقر”. وزار العفيس بعض القرى الواقعة شرق الفرات كالحسينية والصالحية وحطلة، ودعا وجهاء المنطقة إلى إرسال أبنائهم للانتساب لهذا الفصيل مقابل راتب شهري يصل إلى 500 ألف ليرة سورية (حوالي 73 دولاراً أميركياً)، إضافة إلى مغريات أخرى.

وقال الباحث فراس علاوي، المتحدر من دير الزور، إن الوجود المهم لإيران هو أساساً في شرق سورية ومنه تتمدد إلى بقية أنحاء البلاد، باعتبار أن الشرق السوري هو البوابة البرّية للوصول الإيراني إلى سورية، إضافة إلى أن الوجود الإيراني في الشرق، خصوصاً في البوكمال، يجعلها على مقربة من القوات الأميركية هناك.

وأوضح علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن تلك القوات تنتشر في الميادين والبوكمال وصولاً إلى البادية السورية التي تمثل الطريق البرّي للوصول إلى وسط سورية، وحتى إلى الجنوب السوري.

كما أفادت مصادر متطابقة، مثل مجلة “نيوزويك” الأميركية (بتاريخ 10 يناير الماضي نقلاً عن مصادر خاصة) و”المرصد السوري لحقوق الإنسان” (في 17 يناير) وغيرهما، بأن الإيرانيين يعملون على تجهيز بطاريات دفاع جوي إيرانية الصنع ضمن الأراضي السورية، سيتم تنصيبها في 3 مواقع على الأقل جنوب وجنوب غرب العاصمة دمشق، وقرب مطار دمشق الدولي.
التضييق على القوات الأميركية

الغارات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية في جنوب سورية أحد أهم الأسباب في التحركات الإيرانية باتجاه الشرق السوري

من جهته، قال العميد السوري أحمد رحال، المنشق عن قوات النظام السوري، في حديث مع “العربي الجديد”، إنه بعد انشغال الروس بالحرب الأوكرانية، زاد عدد الإيرانيين ومليشياتهم وانتشارهم وتسليحهم في سورية، وحتى على الصعيد الاقتصادي جرى تفعيل الاتفاقيات الموقعة مع النظام عامي 1918 و1919.

وأضاف رحال أنه من الناحية الجغرافية، تتمركز المليشيات المدعومة من إيران في شرق سورية في ثلاث مناطق رئيسية، وهي البوكمال والميادين ودير الزور. وتابع أن التغييرات الأخيرة جاءت بعد تغيير المسؤول العسكري الرئيسي لتلك المليشيات المدعو الحاج عسكر، وتعيين الحاج عباس ويعاونه الحاج حسين مكانه، بسبب ما قيل عن تقصير الأول في تأمين تلك القوات ضد عمليات الاختراق من جانب إسرائيل وقوات التحالف.

وجاء ذلك خصوصاً بعد القصف المدمر لقافلة تخص تلك المليشيات في قرية الهري بعد دخولها من العراق مباشرة (فجر الإثنين الماضي)، بحسب رحال، مشيراً إلى أن الإيرانيين يعيدون تموضعهم باستمرار، تجنباً للقصف الإسرائيلي وقصف التحالف، لكن أكبر تمركز لهم هو في قاعدة “الإمام علي” جنوب الميادين.

ورأى رحال أن المهمة الجديدة للإيرانيين في شرق سورية، والتي تحددت بعد الاجتماع الذي جمع رؤساء روسيا وإيران وتركيا، فلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي ورجب طيب أردوغان (يوليو/ تموز الماضي)، هو تجنيد خلايا في مناطق شرق الفرات بإشراف الحرس الثوري الإيراني، بهدف مهاجمة القواعد الأميركية في المنطقة سواء عبر الطائرات المسيّرة أم عمليات القصف.

ولفت رحال إلى أن تلك القواعد باتت تتعرض باستمرار لعمليات من هذا القبيل، إما لغايات انتقامية بعد كل قصف إسرائيلي أو أميركي على أهداف تخصّ إيران ومليشياتها، أو في إطار استراتيجية بعيدة المدى تهدف إلى تصعيد الضغط على القوات الأميركية لمغادرة المنطقة التي تذخر بالثروات النفطية.

وتشير تقديرات إلى وجود ما يقرب من بين 12 و15 ألف مقاتل من المجموعات العراقية والأفغانية والباكستانية الموالية لإيران في دير الزور وحدها، وتحديداً المنطقة الممتدة بين مدينتي البوكمال الحدودية ودير الزور مروراً بالميادين.

ويرجح البعض وجود دور لروسيا في إبعاد إيران ومليشياتها من مناطق جنوبي سورية، حيث تتعرض هناك لقصف إسرائيلي مستمر يحرج النظام في دمشق بسبب عجزه عن الرد، باتجاه الشرق، لتكون في تصادم مع القوات الأميركية هناك، وبما يصعب من عمليات استهدافها من جانب إسرائيل.

وكانت كل من روسيا وإسرائيل توصلتا عام 2018 إلى تفاهمات تقضي بإبعاد إيران ومليشياتها مسافة 85 كيلومتراً من حدود الأراضي المحتلة مع نشر قوات روسية للإشراف في المنطقة.

تعزيز مواقع في الوسط السوري

ومنذ منتصف العام الماضي، أشارت معلومات مختلفة إلى أن المليشيات الإيرانية عززت وجودها في بعض مناطق جنوبي حماة، وسط سورية. وعمدت هذه المليشيات إلى تحويل اللواء 47 التابع لجيش النظام في جبل معرين بريف حماة الجنوبي إلى قاعدة عسكرية خاصة بفيلق القدس الإيراني. وتعتبر هذه القاعدة هي المسؤولة عن إدارة الوجود الإيراني في مجمل المحافظة ومطار حماة العسكري. وتضم القاعدة أيضاً مركزاً لتدريب القوات الإيرانية، فيما بات اللواء 47 هو لواء دبابات خاضع تماماً للسيطرة الإيرانية، وفق مصدر مطلع في فصائل المعارضة الموجودة بالمنطقة، تحدث لـ”العربي الجديد”.

المليشيات الإيرانية عززت وجودها في بعض مناطق جنوبي حماة، وسط سورية

وشملت التعزيزات الإيرانية أيضاً مستودعات مهين العسكرية شرق حمص التي وصلت إليها في إبريل/ نيسان 2022 تعزيزات كبيرة من الحرس الثوري الإيراني ضمت نحو 70 آلية عسكرية، بعضها مزودة برشاشات متوسطة، إضافة إلى عدد من العربات المصفحة والآليات العسكرية للفرقة الرابعة في قوات النظام الموالية لإيران.

وجاء ذلك بعد انسحاب القوات الروسية بما في ذلك عناصر من مجموعات مرتزقة “فاغنر”، ونحو 200 عنصر من “الفيلق الخامس” الموالي لروسيا.

جنوب سورية… وجود إيراني مخفي

بعد تسوية 2018 في محافظة درعا، والتفاهمات الروسية الإسرائيلية على إبعاد إيران ومليشياتها من الجنوب السوري، عمدت إيران إلى “التغلغل الصامت” في الجنوب السوري، سواء العسكري والأمني، أم الاجتماعي والثقافي.

ومن الناحية العسكرية، تغلغلت إيران في مجمل مفاصل الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة للنظام، إضافة إلى خلق شبكات للتهريب والاغتيال، وفق أيمن أبو محمود، المتحدث باسم موقع “تجمع أحرار حوران” المحلي.

وأضاف أبو محمود، في حديث مع “العربي الجديد”، أن إيران عمدت عبر المجموعات الموالية لها إلى تصفية المناهضين للوجود الإيراني في الجنوب، من خلال شبكة معقدة أنشأتها مثل مكتب الدراسات التابع لمكتب أمن الفرقة الرابعة، والأجهزة الأمنية وخلايا تنظيم “داعش” ومجموعات أخرى تعمل وفق نظام الارتزاق، فضلاً عن التدخل بشكل مباشر في قوات النظام والفروع الأمنية في مسألة التعيينات الأمنية والعسكرية.

وأضاف أبو محمود أن إيران استطاعت فرض الضباط المحسوبين عليها في نشرات التعيينات في الجنوب وذلك لتبدو هذه التعيينات وكأنها جاءت من قبل النظام، فضلاً عن وجود عناصرها الفاعل داخل القطعات العسكرية التابعة للنظام، والفرق العسكرية الموجودة في الجنوب. ووفق قوله، عملت إيران إلى خلق شخصيات ونخب موالية لها في الجنوب لا سيما في محافظة درعا، من خلال إنشاء جمعيات ودعم أخرى ترتبط بها، وأبرزها جمعيات “الزهراء” و”الشهيد” و”العرين”.

وتعتمد إيران على المجموعات المحلية وأجهزة النظام الأمنية في عمليات تصنيع وتهريب المخدرات باتجاه الأردن، ومنه إلى دول الخليج العربي.

ووفق الباحث نوار أوليفر، في تقرير نشره مركز “أتلانتيك” للأبحاث في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فان النفوذ الإيراني لم يعد محصوراً بالوجود العسكري والأمني، إذ إن إيران تركز أيضاً على اختراق المجتمع السوري وتعزيز حضورها في النظامين الاقتصادي والاجتماعي.