المرصد السوري لحقوق الإنسان: “اعتقلوه أثناء العلاج”.. مأساة “رهائن الجيش السوري” الناجين من مركب الموت اللبناني

23

 

“عندهم كم ليرة وكم غرض باعوهون وقرروا يهاجروا من لبنان. وبعد أن استقلوا قاربا للتهريب بأيام قليلة تلقينا اتصالا هاتفيا من بضع كلمات: المركب غرق مع العوائل فيه”.. عبارة مختصرة عن نهاية مأساوية لحياة عائلتين، ورغم أنها حكت قصة اللبنانيين الذين غرقوا قبالة السواحل السورية مؤخرا، إلا أنها انطبقت أيضا على نظرائهم من السوريين، الذين كانوا إلى جانبهم.

وبعد أيام من عمليات بحث وانتشال أعلنت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري يوم الأربعاء أن عدد ضحايا غرق الزورق اللبناني قبالة سواحل طرطوس بلغ حتى الآن 100، بين طفل ورجل وامرأة، وعدد الناجين 20. والجميع من الجنسيات اللبنانية والفلسطينية.

وبينما استلم الجانب اللبناني جثث ضحاياه والناجين الذين بقوا على قيد الحياة بقيت المعلومات المتعلقة بالسوريين “حبيسة” رواية النظام السوري. وفي الوقت الذي أعلن فيه تسليم 45 جثمانا لذويهم، لم يقدم تفاصيل أخرى عن وضع الناجين والمصير الذي هم عليه.

وحسب 3 راويات متقاطعة حصل موقع “الحرة” على اثنتين منها أقدمت سلطات النظام السوري على احتجاز سوريين (لم تعرف أعدادهم بالتحديد) ممن نجوا من غرق المركب، لاعتبارات تتعلق بـ”القانون والجيش السوري”، فيما تسود مخاوف بشأن مصيرهم.

وقال “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، الأربعاء، إنه وثق 12 سوريا على الأقل من بين الناجين، من محافظات إدلب واللاذقية وحلب، غالبيتهم فر من سوريا هربا من التجنيد الإلزامي والاحتياطي، وبعضهم من المعارضين، وكانوا معتقلين لدى النظام السوري.

وأعاد تذكيره بـ”الخطر المحدق ببعض الناجين، على اعتبار أنهم مطلوبون للنظام في سوريا، وكانوا يقيمون ضمن الأراضي اللبنانية”، مشيرا إلى حادثة حصلت في شهر فبراير 2021، حيث تعرض عشرات اللاجئين السوريين لخديعة مهربين لبنانيين انطلقوا في مركب من شاطئ طرابلس.

وفي حين وصل المركب محملا بعشرات المهاجرين السوريين كانوا يعتزمون الهجرة إلى أوروبا، وجدوا أنفسهم في شواطئ بانياس السورية، ووفق المرصد: “جرى اعتقالهم من قبل قوات النظام السوري، ونقلهم عبر حافلات نحو المراكز الأمنية في دمشق، ولا يزال مصير الكثير منهم مجهولا حتى الآن”.

بدوره يشير “أسامة الحسن”، وهو شاب سوري فقد أخته وعائلتها وعائلة شقيق زوجها في المركب الغارق، إلى أن سلطات النظام السوري احتجزت فردا من العائلة، وهو الناجي الوحيد من بين عشرة أفراد.

ويقول الحسن لموقع “الحرة”: “من نجا هو شقيق زوج أختي. عندما وصلت أختهم إلى مشفى الباسل في طرطوس لاستلام الجثث قالوا لها إنه رهينة لدى الجيش السوري”، وأنه “مطلوب لأداء الخدمة الاحتياطية”.

“اعتقلوه في أثناء تلقي العلاج وهو في السجن الآن. قالوا أيضا إنه سيخضع لحكم وهناك دفع مبالغ مالية من 5 ملايين إلى عشرة”، كما يضيف الحسن.

من جانبه تحدث محمود زغموت عضو مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا أنهم “حصلوا على معلومة مؤكدة من محامي أحد الموقوفين من الناجين أنه رأى فلسطينيا من مخيمات دمشق تم اعتقاله في مشفى الباسل، وهو لا يزال في حالة حرجة”.

ويضيف زغموت لموقع “الحرة”: “وفق رواية المحامي منع النظام السوري عائلته للدخول من أجل الاطمئنان على صحته، كما منع وصول أي أحد للأشخاص المحتجزين في مشفى الباسل، سواء الذين يتلقون العلاج أو أولئك الذين نجوا”.

“نتحدث عن حالات اعتقال لكن لم نتمكن من توثيق الأسماء والأعداد”، واعتبر الناشط الحقوقي أنه “يوجد تضارب في أعداد الضحايا الذين تم انتشالهم. الرقم يتراوح بين 80 إلى 100 و 150. هنا الإشكالية”.

“جنى العمر”
وكغيرهم من العوائل السورية التي تقيم في لبنان قرر أقرباء الشاب السوري “أسامة الحسن” خلال الفترة الماضية الهجرة إلى أوروبا. وهي خطوة لم تكن “كيفية” بل كانوا مجبرين عليها، بسبب تردي الأوضاع المادية، وتدهور صحة أخته، المصابة بالسرطان.

تقيم شقيقة الحسن وعائلتها في لبنان منذ سبع سنوات، وبينما كانت تعيش مع أبنائها وزوجها وأقربائه في ظروف صعبة للغاية، أضاف مرضها وصعوبة تلقيها العلاج في العاصمة بيروت “مرّ الحياة أكثر”، كون الأمر يحتاج لمبالغ طائلة.

ويقول الحسن: “عندهم كم ليرة وكم غرض – جنى العمر – باعوهم وسافروا على متن قارب الموت. لم نكن نعرف توقيت الانطلاق بالتحديد، لنتلقى اتصالا هاتفيا فيما بعد يبلغنا بغرقهم”.

وبعدما نشرت وسائل إعلام سورية ومستخدمين عبر مواقع التواصل الاجتماعي تسجيلات مصورة وصور للضحايا توجهت شقيقة زوج أخت الشاب “أسامة” إلى مشفى الباسل بطرطوس، إذ تعرفت على الجثث، ومن ثم أقدمت على دفنها مع بعض الأشخاص المقربين في ريف مدينة سراقب بريف إدلب.

“الظروف الذين دفعتهم للذهاب إلى أوروبا تتعلق بالمرض والأوضاع المعيشية. الشعب اللبناني وضعه صعب فكيف السوري؟ يومية العامل من دولار إلى دولارين”.

وقد فقد عشرة أشخاص من أفراد عائلة “الحسن” أرواحهم إثر غرق القارب، بينما بقي ناج وحيد “محتجز لدى النظام السوري في الوقت الحالي”، حسب قوله، وطفل في عداد المفقودين حتى الآن.

ويتابع الحسن: “لو بلدان العرب فاتحة حدودها كان ما رحنا على الغرب. الدول العربية تريد فيز وإقامات سياحية.. أختى وعائلتها كانت تريد عيشة كريمة. صمدّوا كم ليرة ووضعوها في طريق التهريب والموت!”.

“رهائن القانون والجيش”
ويعتبر هذا الحادث الأكثر دموية حتى الآن، حيث يحاول عدد متزايد من اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين الفرار من لبنان عن طريق البحر إلى أوروبا، بحثا عن الوظائف والاستقرار.
وقد نشرت تقارير متضاربة حول عدد الأشخاص الذين كانوا على متن القارب عندما غرق، حيث قال البعض ما لا يقل عن 120 شخصا وآخرين تحدثوا عن 150. ولم تتضح أيضا التفاصيل حول السفينة، مثل حجمها وسعتها.

ونشطت ظاهرة الهجرة غير الشرعية من شمال لبنان خلال السنوات الأخيرة. وغالبا ما تكون وجهة الزوارق قبرص، الدولة الأوروبية الواقعة قبالة السواحل اللبنانية.

وقد بدأ الأمر مع لاجئين سوريين وفلسطينيين لا يترددون في القيام بهذه الرحلة الخطيرة بحثا عن بدايات جديدة، قبل أن ينضم إليهم لبنانيون على وقع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد منذ قرابة ثلاث سنوات، ووصنفها البنك الدولي من بين “الأسوأ في العالم”.

وأوضح محامي عام طرطوس، القاضي هيثم حرفوش لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية أن “النيابة العامة” أذنت بتسليم جثامين ضحايا المركب لذويهم بعد التعرّف عليهم

وبلغ عدد الجثامين حتى الساعة الثالثة من بعد ظهر الثلاثاء 73 جثمانا، منهم 45 يحملون الجنسية السورية و 23 يحملون الجنسية اللبنانية، وخمسة يحملون الجنسية الفلسطينية.

وتوقع حرفوش أن يتم التعرف على الجثامين المتبقية وعددها 27 من اليوم وحتى السبت القادم، مشيرا إلى أنه “في حال بقيت جثامين لم يتم التعرف عليها من أهلها ولم يتم استلامها فإنه سيتم تكليف مجلس المدينة بدفنها وفق الأصول في المقبرة الجديدة، ويعطى كل قبر رقما محددا يطابق الرقم المعطى حاليا للجثمان وهو محفوظ في البراد”.

وفي وقت لم يكشف فيه حرفوش والمسؤولين الآخرين في النظام السوري مصير ممن نجوا من السوريين، استعرضت إذاعة “المدينة إف إم” “زاوية قانونية” تتعلق بمن يخرج ويدخل إلى البلاد بـ”صورة غير شرعية”.

ونقلت الإذاعة التي تبث من العاصمة دمشق عن المحامي السوري، رامي حامد قوله إنه فيما يتعلق بالشخص السوري الناجي أو المهرّب فإن القانون رقم 2 لعام 2014 ذكر في فقرة معينة أنه “يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبالغرامة من خمسة ملايين إلى عشرة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من خرج أو دخل سوريا بطرق مشروعة، أو ضبط في مناطق الحدود دون سبب مسوغ لوجوده”.

ويضيف حامد: “لدينا اتفاقيات جنيف لحقوق الإنسان تقول إن الأشخاص الذين يغادرون بطريقة غير شرعية يتم حمايتهم أثناء عملية النقل. بمعنى إذا فشلت عملية التهريب والمغادرة بطريقة غير مشروعة فيكون لديهم حيثية خاصة”، مستدركا: “لكن القانون السوري يلاحقهم وفقا للقانون رقم 2 لعام 2014”.

ومع ذلك اعتبر المحامي السوري أنه يجب التمييز بين الشق الإنساني والقانوني للأشخاص الناجين، موضحا حديثه بالقول: “إنسانيا ما حصل هو كارثة وفاجعة بكل المعايير، أما قانونيا فنحن أمام جريمة ارتكبت فيها أدوار على السيادة السورية والقانون السوري”.

 

 

المصدر:  الحرة