المرصد السوري لحقوق الإنسان: الترحيل القسري يحطم عائلات سورية في لبنان.. واحتجاجات على “خطاب الكراهية”

27

انتظرت رغد، الأربعاء الماضي، انتهاء الحصة الدراسية بفارغ الصبر للعودة إلى منزلها في بلدة رشميا في جبل لبنان، لتناول الطعام الذي أعدته والدتها واللعب مع أشقائها، لكن بدلا من ذلك صدمت أنه لم يفتح أحد لها الباب. وقفت تبكي متفاجئة من سلوكهم غير المعتاد، من دون أن تعي أن الأمر خارج عن إرادتهم، وأن حملة التوقيفات التي يقوم بها الجيش اللبناني ضد اللاجئين السوريين شملت أسرتها.

اعتقدت ابنة السبع سنوات أن الأمر لن يطول، وأن وقتا قصيرا يفصلها عن عودة أفراد عائلتها، ليكملوا سوية حياتهم الطبيعية، فقبل أن تودعهم للذهاب إلى المدرسة ألقت نظرة على ثياب العيد التي اشتراها لها والداها، وكلها أمل أن تسرّع عقارب الساعة حركتها ليأتي اليوم المنتظر وترتدي الثياب الجديدة، لكن فجأة صدمت بأن محمد (اسم مستعار)، وهو أحد معارف والدها أتى بدلا منه لأخذها، لتطول بعدها الأيام ويمر العيد من دون عائلة ولباس جديد.

يقول محمد إنه تلقى اتصالا أطلع من خلاله على حال الصغيرة فحضر واصطحبها إلى منزله لتبقى في كنفه إلى حين وضوح مصير عائلتها.

تزايدت المداهمات التي تشنها السلطات اللبنانية ضد السوريين منذ بداية أبريل الجاري، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وشملت الحملات مناطق مختلفة من العاصمة بيروت وبرج حمود وحارة صخر وصولا إلى منطقة وادي خالد والهرمل مرورا بقضائي الشوف وكسروان في جبل لبنان، وفقا للمرصد.

وقد أسفرت الحملة عن اعتقال مئات بتهم مختلفة منها (الشغب والاعتداء على المواطنين اللبنانيين وعدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية تخولهم البقاء في لبنان)، لينقلوا بعدها إلى موقع قريب من الحدود بين البلدين.

واعتقلت السلطات اللبنانية بحسب مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) ، 64 لاجئا سوريا من مناطق مختلفة في لبنان، يومي 10 و11 إبريل الجاري، بينهم مرضى وأطفال، قال المركز أنهم تعرّضوا خلال المداهمات الأمنية لعدة انتهاكات خطيرة، أبرزها الاعتقال التعسفي، والترحيل القسري، وسوء المعاملة تحت ظروف لا إنسانية.

“الموت المحتّم”.. محصور

يسكن محمد في بلدة الغابون المجاورة لرشميا في قضاء عاليه، هو الآن يعيش وعائلته في حالة رعب، كما يقول لموقع “الحرة”، “كلما علمت بأن هناك مداهمة للجيش اللبناني أسارع وزوجتي وأطفالي الخمسة للهرب، من دون أن نعلم ما الذنب الذي ارتكبناه حتى نحاصر من كل الاتجاهات على هذه الأرض، فلا يمكننا العودة إلى بلدنا كون الاعتقال سيكون مصيرنا فنحن من جبل الزاوية في إدلب وهذا بحد ذاته تهمة، أما في لبنان ورغم أني عبرت الحدود أنا وزوجتي بشكل نظامي قبل 12 سنة، وسجلنا أسماءنا في مفوضية شؤون اللاجئين وحصلنا على إقامة، إلا أن تاريخ صلاحيتها انتهت وهو ما تتحجج به السلطات اللبنانية حالياً لإعادتنا إلى الموت المحتّم”.

وعبّر محمد عن استغرابه “اعتقاد اللبنانيين بأن السوريين يرغبون بالبقاء في بلدهم، رغم أنهم كمواطنين يواجهون صعوبات لتأمين لقمة عيشهم في ظل الازمة الاقتصادية والارتفاع الخيالي للأسعار، فكيف بنا كلاجئين، وفوق هذا يدرك المسؤولون اللبنانيون تماماً ما هو مصير معارضي النظام في حال وطأت اقدامهم الحدود من الجهة السورية، كما أنهم على علم بأن السوريين داخل بلدهم مهجّرين، منهم اهلي الذي يسكنون على الحدود”.

تصاعدت في الفترة الأخيرة وتيرة العنصرية ضد اللاجئين السوريين، وارتفعت أصوات المسؤولين المعارضة لوجودهم والمطالبة بترحيلهم.

وعن حملة الترحيل القسري الأخيرة، علّق وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين بالقول “محصورة جداً بنحو سبعين شخصاً، وهم المتورطون بعمليات سرقة منها لأسلاك كهربائية وجرس كنيسة مار أنطونيوس في برمانا، كما ظهر أنهم دخلوا إلى لبنان بطريقة غير شرعية”.

كذلك لفت شرف الدين في حديث لموقع “الحرة” إلى “التضييق على اللاجئين السوريين في عرسال بقرار من محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، وذلك من خلال إغلاق مستوصفات وغيرها”. أما خطة الترحيل التي وضعها الوزير والتي تشمل 15,000 لاجئ شهريا فهي كما يقول “مجمدة بقرار سياسي”.

وكان مسؤول عسكري كشف لوكالة “فرانس برس”، أنه “تمّ ترحيل أكثر من 50 سوريّاً من قبل الجيش اللبناني، في نحو أسبوعين”، وأشارت المصادر للوكالة، إلى أن “مديرية المخابرات في الجيش اللبناني تقوم بتسليم الموقوفين المخالفين إلى فوج الحدود البرّيّة، الذي يتولى وضعهم خارج الحدود اللبنانية”، معلّقاً على هذه الخطوة، بالقول إن “مراكز التوقيف امتلأت”، وقد رفضت الأجهزة الأمنية الأخرى استلام الموقوفين السوريين.

من جانبه لفت المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن المرحلين يسلّمون إلى الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام، قرب تلكلخ على الحدود السورية – اللبنانية، وذلك بحسب ما أكده له أحدهم بعدما تمكّن من العودة إلى لبنان عبر طرق التهريب، مشيرا إلى أن التعذيب الوحشي الذي يتعرضون له “باستخدام العصي والكهرباء فضلاً عن الإهانات النفسية والشتائم، قبل أن يتم بيعهم لمهربين ودفع مبلغ 300 دولار عن كل شخص، وقد بقي كثير في قبضة عناصر الفرقة الرابعة لعدم توفر المبلغ المطلوب منهم”.

“موت من نوع آخر”

إذا كانت رغد حرمت من ارتداء ثياب العيد والفرح برفقة والديها وأشقائها، فإن إسماعيل حرم من طفلتيه سهى ووردة إضافة إلى زوجته فاطمة، فحين داهمت عناصر الجيش اللبناني بلدة رشميا حيث يسكن، كان هو في عمله، ويشرح “عند الساعة العاشرة والنصف من صباح ذلك اليوم انقلبت حياتي رأسا على عقب، فقدت عائلتي ولا أعلم حتى اللحظة أي شيء عنها، حاولت الاتصال بزوجتي لكن هاتفها مغلق، ولا شيء مؤكد سوى أنني أعيش قهرا لا يوصف”.

قبل أيام اشترى إسماعيل ثياب العيد لابنتيه، كان كل أمله أن يرى الابتسامة على وجهيهما حين يرتديانها، لكن يقول والغصة تخنق صوته ” لم أتمكّن من رؤيتهما بها، فأي إنسانية هذه أن ترّحل النساء والأطفال بصورة عشوائية، وأي تهديد أمني يشكلونه على لبنان”. ويضيف في حديث لموقع “الحرة”، ” منذ بدء الحرب السورية هربت من رائحة البارود والدماء، اعتقدت أني سأجد في البلد المضيف راحة ولو جزئية، لكن للأسف ظهر أنني هربت من الموت إلى الموت وإن كان بشكل ورائحة أخرى”.

يشير إسماعيل إلى أن فاطمة ليست والدة ابنتيه (والدتهما تسكن في جنوب لبنان)، وأنه دخل وإياها بصورة نظامية إلى لبنان، وهما مسجلان لدى مفوضية شؤون اللاجئين، لكن ليس لديهما إقامة.

كذلك داهم الجيش اللبناني منزل حسين (اسم مستعار) في قضاء عاليه عند الساعة الخامسة من فجر الأربعاء الماضي، أوقفوا ثلاثة من أبنائه، أحدهم قاصر.

يقول حسين لموقع “الحرة” “كنا نائمين حين حاوطت آليات عسكرية المبنى، ترجل العناصر وطرقوا بابنا، فتحت ليدخلوا مباشرة ويبدأوا بتفتيش الغرف، ومن ثم طلبوا أوراقنا الثبوتية، أوقفوني على الحائط والتقطوا صورة لي كذلك فعلوا مع زوجتي”. ويضيف “أوراقي وإياها قانونية، لكن لم أجدد إقامات أبنائي، فأخذوا البكر البالغ من العمر عشرين سنة وهو والد لثلاثة أطفال أصغرهم يبلغ من العمر شهرين، إضافة إلى ابني البالغ من العمر 19 سنة وشقيقه ذا الـ 16 سنة”.

ابن ريف حلب قدم إلى لبنان عام 2013، لينجوا وعائلته من الحرب والدمار، لكن كما يقول “ما عشناه قبل أيام لا يقل رعباً وقهراً، فدموع زوجتي لم تجف منذ ذلك الحين، ترفض الطعام والشراب قبل معرفة مصير فلذات أكبادها، وانا مكل اليدين عاجز عن فعل أي شيء”.

ورغم أن عددا كبيرا من بين الذين جرى ترحيلهم هم من النساء والأطفال والقاصرين، نفى وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال هيكتور حجار “ما يُحكى عن الانتقال من المرحلة الطوعية لإعادة النازحين السوريين إلى مرحلة الترحيل”، مشيرا إلى أن ما يجري “ليس له علاقة بشكلٍ مباشر بالنازحين إنما بالمواطنين السوريين الذين دخلوا خلسة إلى لبنان عن طريق المعابر غير الشرعية، ويشكلون خطرا على أمن الدولة”.

حجار أشار في حديث صحفي “ما يحصل من سرقة للكابلات الكهربائية ولأغطية مجاري الصرف الصحي، والأبواب الحديدية للكنائس والجوامع وحتى المقابر”، بحسب قوله. واعتبر “من يدافع عن هؤلاء المجرمين فهو مجرم، فمن مصلحة جميع اللبنانيين والنازحين أن يرفعوا الصوت ويتبرأوا من هؤلاء الأشخاص الذين يشوّهون صورة السوريين ويفسدون العلاقة بين البلدين”.

“أجندات خبيثة”

ادان مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR) بشدة “عمليات الترحيل القسري الجماعية الأخيرة، والتي تم تنفيذها بشكل تعسفي، في انتهاك للوضع القانوني والسياسي للاجئين في سوريا وتجاهل صارخ للقانون الدولي لحقوق الإنسان”.

ويواصل المركز توثيق حالات اللاجئين المرحلين وإبلاغ مكاتب مفوضية اللاجئين في لبنان بها، “من دون أن تنجح مساعيها بإيقاف عمليات الترحيل القسري الممنهجة”.

وكانت المفوضية صرّحت لوكالة فرانس برس، أنها “تراقب” الوضع، مضيفة أنّها “تواصل الدعوة إلى احترام مبادئ القانون الدولي وضمان حماية اللاجئين في لبنان من الإعادة القسرية”.

كما حث مركز “وصول” الحكومة اللبنانية على احترام حقوق جميع الأفراد، بمن فيهم طالبو  “اللجوء والحماية من العنف والاضطهاد، على النحو المنصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والقانون الدولي”. لافتاً في بيان إلى ضرورة امتثال السلطات اللبنانية للالتزامات التي تتحملها بموجب القوانين والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

وأشار إلى المادة 31 من قانون الأجانب اللبناني التي تنص على أنه “إذا تقرر إخراج اللاجئ السياسي فلا يجوز ترحيله إلى أرض دولة يُخشى فيها على حياته أو حريته”، كما أضاء على المادة 8 من مقدّمة الدستور اللبناني التي تؤكد على أن “الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون، ولا يمكن توقيف أحد أو حبسه إلا وفقاً لأحكام القانون، ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون”.

ترافقت حملة المداهمات التي قام بها الجيش اللبناني، مع حملة تحريض ضد اللاجئين السوريين، منها ما نشره أحد المواقع الإلكترونية اللبنانية تحت عنوان “فضيحة أبطالها نازحون سوريون في المتن: ذبح كلاب شاردة وبيع الكيلو بـ 50 ألفا”، وأن “هلعا أصاب أهالي منطقة دير شمرا والمياسة” ليظهر أن لا صحة لهذا الخبر الذي تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي بشكل واسع.

وعبّرت مجموعة من الناشطين والإعلاميين السوريين، (منهم أحمد القصير وفراس علاوي)، عن رفضها لأي اعتداء أو انتهاك أو إساءة معاملة أو تحريض ضد اللاجئين السوريين، والذي يندرج تحت بند التحريض على العنف وخطاب الكراهية، وكذلك رفضها بشكل قاطع عمليات الاعتقال والترحيل القسري العشوائية الأخيرة التي تقوم بها السلطات اللبنانية، والتي تعتبر انتهاكاً للعهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها لبنان.

واعتبرت المجموعة في بيان أن “الحملة الأخيرة المنظمة والممنهجة من تحريض وعنف وعنصرية وخطابات كراهية بحق اللاجئين السوريين، من قبل بعض المجموعات والأحزاب والتيارات السياسية والمدنية، والتي تعمل على تأليب الرأي العام والتجييش ضد اللاجئين إنما تخدم أجندات خبيثة، وتعمل على خلق حالة من الشرخ والعداوة بين أبناء الشعبين الشقيقين علاوة على تعميق الشرخ بين مكونات المجتمع اللبناني مما يشكل تهديداً خطيراً للسلم الأهلي في لبنان”.

 

 

 

المصدر: Beirut Observer