المرصد السوري لحقوق الإنسان: النظام السوري يعذب أهالي المعتقلين في “جسر الرئيس” بالانتظار والسماسرة

17

عشرات السوريين يفترشون الأرض في منطقة جسر الرئيس في العاصمة السورية دمشق لليوم الثالث على التوالي، بانتظار وصول حافلات قادمة من “سجن صيدنايا” سيئ السمعة، بعد “العفو” الرئاسي.

ويصرّ بعض الأهالي على التجمّع على الرغم من الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات للحد من عدد المنتظرين، حيث تعتبر المنطقة مركز انطلاق للعديد من مناطق ريف دمشق، ومنهم من لم يعد يطيق الانتظار تحت الجسر، فصعد إلى فوق الجسر حتى يستطيع رؤية الحافلات من مسافة أبعد.

وفيما تمرّ ساعات الانتظار طويلة على الأهالي، يتفنن النظام في مضاعفة هذه العذابات لممارسة ضغوط عليهم لمغادرة المكان.

نساء في انتظار المُغيبين

ويلاحظ أن أغلبية المنتظرين من النساء ينتظرن المجهول، يفترشن الأرصفة بعد ساعات الانتظار الطويل، ويتبادلن أطراف الحديث، ويسألن بعضهن عمن ينتظرن، فتلك تنتظر أبناءها، وهذه تنتظر والدها أو شقيقها. أما سنوات الاختفاء القسري فهي تختلف، فمن بين المعتقلين مغيب من 10 سنوات، ومنهم من اختفى منذ 8 سنوات، دون أن يعلم ذووه أي شيء عن مصيره.

النساء وعموم المنتظرين على جسر الرئيس يقتلون الوقت ومعه المخاوف بالحديث عن الحزن الذي عايشوه عند الاعتقال، وعن الآمال في انتظار الإفراج.

وكان رئيس النظام بشار الأسد أصدر، السبت الماضي، مرسوماً قضى بـ”منح عفو عام عن الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين”، عدا تلك التي أفضت إلى موت إنسان.

ويُعد المرسوم، وفق ناشطين، الأكثر شمولاً في ما يتعلق بجرائم “الإرهاب”، كونه لا يتضمن استثناءات كما جرت العادة في المراسيم السابقة.

فوضى وغياب تام للشفافية

وفي مشهد الانتظار اليوم، يلاحظ تراجع أعداد المنتظرين، إثر ضغوط من جانب أجهزة الأمن التابعة للنظام، وسط فوضى وغياب تام للشفافية، فيما اعتبر متابعون أنها عملية متعمّدة من جانب النظام لتضييع الأعداد الحقيقية للمفرج عنهم، والذين قالت مصادر متعددة إنهم لا يتجاوزون 250 شخصاً.

وفي مقابل عيون الأهالي الشاخصة للمجهول، تنتشر أجهزة النظام الأمنية في منطقة جسر الرئيس الذي يصل بين منطقتي البرامكة وأبورمانة، ومارست ضغوطات على ذوي المعتقلين لمغادرة المكان، الذي شهد تجمع الآلاف منهم خلال الأيام الثلاثة الماضية.

ويسيّر النظام دوريات تابعة لمختلف الأفرع الأمنية في جميع أحياء العاصمة، لفض أي تجمع لذوي المعتقلين، وذلك بهدف التخفيف من عدد المنتظرين، الذي قد يكشف العدد الكبير للمعتقلين.

المفرج عنهم أقل من 252 شخصاً

وبحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، فإن أعداد المعتقلين الذين يخرجون من السجون بموجب مرسوم العفو الصادر عن رئيس النظام تراجعت بشكل لافت خلال الـ12 ساعة الأخيرة.

وقدّر المرصد عدد المفرج عنهم حتى الآن بأقل من 252 شخصاً، مشيرا إلى أنه رقم ضئيل جداً، حيث من المفترض أن يُفرج عن عشرات آلاف المعتقلين بموجب هذا المرسوم.

ويتعمد النظام عدم إصدار أية معلومات موثقة بشأن عدد المفرج عنهم، أو عدد المشمولين بالعفو، بهدف عدم الإقرار بالأعداد الحقيقية للمعتقلين.

أعداد المعتقلين في سجون النظام

وتشير إحصائيات “المرصد السوري لحقوق الإنسان” إلى أن عدد المعتقلين المتبقين في سجون النظام ممن جرى اعتقالهم منذ بداية الثورة السورية عام 2011 بلغ 152713 بينهم 41312 امرأة، إضافة إلى أكثر من 105 آلاف معتقل قضوا تحت التعذيب.

فيما تقدم “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” أرقاماً مشابهة، وتقول إن عدد المعتقلين في سجون النظام زاد عن 151 ألف معتقل، في حين هناك أكثر من مئة ألف مختفين قسرياً، أي لا يعرف مصيرهم ما إذا كانوا معتقلين أم متوفين.

وتقول مصادر موالية للنظام إن عمليات الإفراج عن المعتقلين سوف تتواصل حتى يونيو/حزيران المقبل، ومن المفترض أن تشمل الآلاف تباعاً.

تهديدات مبطنة

وكانت منطقة جسر الرئيس وسط دمشق قد شهدت، منذ الأول من أمس الثلاثاء، تراجعاً بأعداد المتجمعين من ذوي المعتقلين، بعد ضغوط من جانب أجهزة الأمن التابعة للنظام، في حين قرر العشرات البقاء في المكان شرط عدم التجمع في مكان واحد، حسب التعليمات.

وذكر أحد الأشخاص ممن تجمعوا في المكان، لـ”العربي الجديد”، أن دوريات من الأمن الجنائي والشرطة العسكرية، وعناصر أمن، طلبوا من الأهالي إنهاء التجمع والعودة إلى بيوتهم مع إطلاق تهديدات مبطنة لكل من يبقى في المكان.

سماسرة لابتزاز الأهالي

وعلى وتر التضييق على الأهالي، نشرت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي معلومات تتحدث عن انتشار السماسرة وسط تجمعات أهالي المعتقلين، بينهم محامون، حاولوا استغلال الموقف وتجمع الأهالي في انتظار معتقليهم، من أجل ابتزازهم مقابل المال، بحجة معرفة تاريخ إخلاء السبيل أو التسريع به.

وحذر ناشطون من أن السماسرة يستفيدون من المعلومات التي ينشرها الأهالي عن أبنائهم المعتقلين، مثل أسمائهم وأعمارهم ووضعهم العائلي، ليتواصلوا مع أهالي المعتقلين ويبلغوهم بالمعلومات المنشورة على أساس أنهم حصلوا عليها من مصادرهم في السجن، وأن المعتقل الذي يخصهم يمكن أن يشمله العفو إذا تم دفع مبلغ معين بأقصى سرعة، حيث يسارع الأهالي المتلهفون لإطلاق سراح أبنائهم إلى تدبير المبلغ، لكن دون أن يحصلوا على نتيجة، ويقعوا ضحية عمليات نصب.

لا مكان محدداً لإطلاق المعتقلين

إلى ذلك، شهدت مدينة صيدنايا بريف دمشق، التي يقع فيها سجن صيدنايا، تجمعات شعبية مماثلة. ونقل موقع “صوت العاصمة” عن أحد المفرج عنهم قوله إن سلطات النظام تركتهم عند باب سجن صيدنايا ليكملوا طريقهم مشياً نحو الساحة الرئيسية في مدينة صيدنايا.

ولفت إلى أنه بعد هذه الأنباء تجمع المئات من سكان المناطق المجاورة في ساحة صيدنايا للبحث عن أبنائهم.

وأوضح معتقل آخر أن سائق إحدى حافلات المبيت العسكرية نقل المعتقلين من أمام سجن عدرا إلى منطقة جسر الرئيس في دمشق، كونها نقطة انطلاق للمواصلات إلى مختلف المناطق، مؤكداً أنها مبادرة من سائق الحافلة وليست تعليمات من إدارة السجن.

ومن جهتها، دعت وزارة الداخلية التابعة للنظام المتجمهرين للعودة إلى منازلهم، مؤكدة عدم وجود أي مكان مخصص لنقل المعتقلين إليه. وأشارت إلى أن عمليات الإفراج “تجري بشكل فردي بعد إتمام الإجراءات القانونية”.

كما دعت وزارة العدل التابعة للنظام أهالي المعتقلين إلى “عدم الانجرار لما يتم تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي أو المصادر الإعلامية غير الرسمية حول تحديد أماكن التجمع والانتظار أو نشر أسماء وقوائم غير دقيقة”.

ولم يعرف حتى الآن الأشخاص الذين شملهم مرسوم العفو، إذ صدر المرسوم مع تعليمات تنفيذية غير واضحة وقابلة للتأويل، ما يفسر التأويلات متناقضة من محامين يتابعون قضايا المعتقلين، سواء لناحية شموله للناشطين السياسيين الذين من الممكن أن يتم احتسابهم كمعتقلي رأي، أو يتم تجريمهم كمساهمين بشكل غير مباشر بالقتل، أو لناحية تجريم من تم تلفيق تهم لهم بالقتل دون أدلة، وبموجب اعترافات تحت التعذيب.

فالمحامي عارف الشعال، الذي يتابع قضايا المعتقلين من دمشق، رأى عبر صفحته على “فيسبوك”، أن “العفو الأخير لم يشمل كافة المعارضين المطلوبين في الخارج، لأنه لم يتطرق للجرائم الواقعة على أمن الدولة في قانون العقوبات العام، كما لم يشمل معتقلي الرأي، ولا المعارضين المتهمين بقضايا غير مدرجة كجرائم إرهاب”.

فيما قال المحامي عيسى إبراهيم، وهو محام معارض يقيم خارج سورية، إنه “لا يوجد أي دليل مستقل حول جدية مرسوم العفو المفترض الصادر، وعدد المفرج عنهم بموجبه حتى تاريخه”.

وأوضح أنه “يُفترض إلحاق المرسوم بعد إصداره بلوائح أسماء المُفرج عنهم والجرائم المسندة لهم وتاريخ توقيفهم والادعاء بحقهم، ورقم الدعوى والحكم القضائي، ومدة الحكم المفترض منه لكل منهم”.

 

 

 

 

المصدر: العربي الجديد