المرصد السوري لحقوق الإنسان: النظام السوري يصدر عفوا عن المعتقلين يهدف إلى تحويل الرأي العام عن مجزرة حي التضامن

14

من غير المستبعد أن يكون توقيت العفو مرتبطا بمحاولة النظام السوري فتح خطوط اتصال مع واشنطن مجددا فيما يتعلق بالرهينة الأمريكي تايس.

نجح النظام السوري بتشتيت أنظار ملايين السوريين عن مجزرة حي التضامن الدمشقي والتي نفذها المحقق في الفرع 227 «فرع المنطقة» التابع لشعبة المخابرات العسكرية، المساعد أمجد يوسف وقائد ميليشيا الدفاع الوطني في الحي، نجيب الحلبي في 16 نيسان (أبريل) 2013 حيث أعدما 41 مدنيا بالرصاص بطريقة بشعة للغاية، ووثقا المجزرة بكاميرا هاتف خليوي، نشرتها صحيفة «الغارديان» مؤخرا، وتحقيق الباحثان، السورية أنصار شحود والتركي المتخصص بدراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة أمستردام، أور أوميت أونغر.

وأصدر رئيس النظام، بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم 7 لعام 2022 القاضي بمنح عفو عام عن «الجرائم الإرهابية المرتكبة من السوريين» قبل تاريخ 30 نيسان (ابريل) الفائت.

ونص المرسوم على منح عفو عما وصفه بـ«الجرائم الإرهابية» عدا عن التي أفضت إلى موت إنسان والمنصوص عليها في قانون مكافحة الإرهاب رقم 19 لعام 2012 وقانون العقوبات لعام 1949 وتعديلاته، بدون ان يؤثر على دعوى الحق الشخصي.

أولى مظاهر حرف الرأي العام السوري عن مجزرة التضامن تجلى بالسماح لمئات من أسر المعتقلين بالتجمع تحت جسر الرئيس في قلب العاصمة دمشق وفي أكثر المناطق حيوية، ولم يكتف النظام بترك الأهالي يتجمعون، بل بث الإعلام الموالي تقارير مع ذوي المعتقلين الحالمين بسماع خبر يعيد أبنائهم من الاختفاء القسري قبل عشرة أعوام.

مرسوم العفو خلق حالة من الفوضى في صفوف المؤيدين للثورة السورية، مبررة لأسباب كثيرة، حيث انتشرت قوائم قديمة للمعتقلين على أنها قوائم للمفرج عنهم، وساعد النظام بذلك بشكل مقصود بسبب عدم نشر قوائم من قبل محكمة الإرهاب بوصفها الجهة صاحبة الاختصاص.

يعتبر سجن صيدنايا سيء الصيت أكبر المعتقلات السورية وفيه يقبع عشرات الآلاف من المعتقلين وعليه تتركز أعين السوريين في البحث عن أبنائهم من المعتقلين الأوائل، خصوصا الذين قطعت أخبارهم، فيؤمل الأهالي أنفسهم بوجود معتقلهم فيه.

ومع انتشار الشائعات حول أعداد المفرج عنهم، قالت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أنها وثقت الإفراج عن 103 من السجن المذكور يوم الخميس.

وأطلقت الرابطة حملة استجابة للرد على استفسارات الأهالي وتقديم الدعم النفسي والمساعدة في عملية البحث وتقديم المشورة والنصح والتوجيهات أو السؤال عن المعتقل أو المختفي قسراً ولتجنيبهم عمليات الابتزاز والخداع خلال الظروف الحالية، «يمكنكم الاتصال بنا في أي وقت على مدار الـ 24 ساعة» وأشارت في بيان تلقت «القدس العربي» نسخة منه «شهد وسط العاصمة دمشق وبلدة ومعرّة صيدنايا مظهر احتشاد آلاف العائلات يومياً في انتظار سيارات عسكرية قد تحمل المغيّبين لسنوات في سجون النظام السوري لترمي بهم على قارعة الطريق هناك، من دون أن يكون لدى بعضهم القوة الجسدية أو القدرة العملية على الوصول إلى بيوت ربما دمرتها براميل النظام المتفجرة أو عائلات قضى كلها أو بعضها أو أنها هربت من القتل أو أجبرت على النزوح ولم يبق منها أحدٌ لينتظر غائباً في سجون النظام».

وأشارت الرابطة إلى «أن استكمال بيانات المفرج عنهم جميعاً وتوثيقها يحتاج وقتاً أطول وإجراءات متأنية نظراً لحساسية هذه المعلومات وضرورة توخي الدقّة البالغة فيها قبل نشرها حرصاً على مشاعر وسلامة العائلات».

وفي السياق، أكد العضو المؤسس والمشارك في الرابطة والمعتقل السابق، دياب سرية في اتصال مع «القدس العربي» تفاوت تواريخ الاعتقال للمفرج عنهم من سجن صيدنايا، ونوه إلى ان «عدد المعتقلين القدامى المفرج عنهم قرابة 15» ولفت إلى أن «غالبية المفرج عنهم من السجون المدنية في السويداء وعدرا.

والتحديثات الأخيرة، التي تشير إلى ارتفاع عدد المفرج عنهم من سجن صيدنايا مخيبة لآمالنا ولم تتجاوز 120 معتقلا حتى اللحظة (ليل الجمعة)».

ووصف الحملة التي أطلقتها الرابطة «حملة توعية لتجنيب أهالي المعتقلين عمليات النصب واللجوء إلى شبكات السماسرة والمرتبطين أمنيا».

وفي سياق متصل، اعتبر المحامي والناشط الفلسطيني ايمن أبو هاشم صيغة العفو أنها «التفافية من أجل التغطية على عشرات الآلاف من المعتقلين الذين فبرك النظام لهم الاتهامات وأصدرت أحكام عليهم بدون وجه حق.

حيث يسعى النظام إلى تثبيت روايته بان المعتقلين ارتكبوا جرائم إرهابية واليوم يتم العفو عنهم».

في آلية التنفيذ، انتقد أبو هاشم ما جرى وأوضح ان العفو يعطي محكمة الإرهاب «سلطة تقديرية واسعة من أجل إخفاء هوية الضحايا بمعنى ان كثيرا من القضايا التي تم الفصل بها، مثل قيام متهمين بمهاجمة مؤسسات حكومية نرى ان تلك الأحكام لم تحدد أسماء الضحايا وهذا ما يؤكد فبركة الاتهامات».

وعدم ذكر «ضحايا» النظام في تلك الهجمات من التابعين للمؤسسات الحكومية يترك سيف القرار بيد محكمة الإرهاب ويمكن المحكمة من الالتفاف على القانون نفسه وتفريغه من محتواه حتى لو افترضنا أن مرسوم العفو نفسه يرغب بتشميل أعداد كبيرة من المعتقلين.

ويرى أبو هاشم أن الهدف الأساسي هو ترك الأمور بحيث يتم إيهام الرأي العام انه صدر عفو يشمل آلاف أو مئات آلاف السوريين، ولكن في حقيقة الأمر لم يشمل سوى فئة محدودة وهي الفئة التي لم ترتكب أي جرائم إرهابية وانما الصقت بها تلك الجرائم.

أهداف سياسية يهدف النظام السوري لإرسال عدة رسائل سياسية للخارج والداخل بإصدار العفو، فهو يأتي بعد أيام من انفضاح مجزرة التضامن ولذلك يحاول إلهاء السوريين بقضية أخرى.

خصوصا وأن المجزرة أثارت الرأي العام الدولي وحشرت النظام في الزاوية مجددا، ولن يستطيع النظام تبرئة نفسه كون المجزرة موثقة بالصوت والصورة وبكاميرا القتلة أنفسهم.

كما أن النظام يكرر محاولات إظهار نفسه على انه يحاول معالجة ملف المعتقلين كملف أساسي من ملفات الحالة السورية والإيحاء بأنه يستجيب للمطالبات الدولية المتعلقة بملف المعتقلين، ويأتي بعد إحاطة بيدرسون الأخيرة في مجلس الأمن الدولي والتي تحدث فيها عن المعتقلين، ومن غير المستبعد أن يكون توقيت العفو مرتبطا بمحاولة النظام فتح خطوط اتصال مع واشنطن مجددا فيما يتعلق بالرهينة الأمريكي تايس.

ولفت المحامي محمد صبرا إلى أن العفو ليس الأول، والإفراج عن معتقلين منذ 2012 يدل على أن كل قوانين العفو السابقة ومنها هذا القانون «ليست جدية وليست حقيقية» وأضاف لـ«القدس العربي» أن العفو «مجرد وسيلة من الوسائل التي يتبعها النظام في إدارة أدواته السياسية سواء الداخلية أو الخارجية».

فوضى القوائم وخفف فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، من التعويل على العفو مشيرا إلى ان المفرج عنهم حتى يوم الجمعة وتمكنت الشبكة من توثيق أسماءهم هم 195 بينهم 24 سيدة، وشدد على ألاعيب النظام حيث أن أقل من ثلث المفرج عنهم هم من المحكومين والذي يفترض ان يشملهم نص العفو، وتوثق الشبكة التي يرأسها عبد الغني 132 ألف معتقل.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن دفعة جديدة من المعتقلين تضم نحو 128 شخصا جلهم من أبناء مناطق دمشق وريفها والقنيطرة، جرى الإفراج عنهم من مبنى محافظة ريف دمشق في منطقة المرجة، من ضمنهم أشخاص جرى اعتقالهم خلال الأشهر الفائتة بقضايا جنائية وبعضهم الآخر ممن كان معتقلا لدى أفرع النظام الأمنية بقضايا إرهاب، وأحصى المرصد نحو 426 مفرجا عنه معتبرا أنه «رقم ضئيل جداً، حيث من المفترض أن يُفرج عن آلاف، بل عشرات الآلاف من المعتقلين».

في المقابل، أكدت رئيسة محكمة الإرهاب القاضي زاهرة بشماني عدم صحة وجود قوائم تتضمن أسماء المفرج عنهم وفق مرسوم العفو.

واتهمت من وصفتهم ضعاف النفوس بنشر قوائم مفبركة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأوضحت في اتصال مع قناة السورية رصدته «القدس العربي» أنه تم في الأيام الماضية إطلاق سراح المئات ممن شملهم المرسوم بعد البحث والتدقيق بكل الملفات سواء المنظورة بحق الموقوفين أو التي تم إصدار أحكامها القضائية التي تكتسب درجة القطعية مشيرة إلى أنه يتم حالياً بالتعاون مع كامل الكادر القضائي والعاملين بالمحكمة متابعة الملفات المتبقية للنظر بمطابقتها لشروط المرسوم.

وعن سبب عدم وجود قائمة رسمية للمفرج عنهم، أشارت رئيسة محكمة الإرهاب إلى أنه «لا يحق لأي محكمة إصدار قوائم بأسماء المشمولين بالمرسوم لأن ذلك مخالف للقانون أصلاً».

 

 

المصدر: القدس العربي