المرصد السوري لحقوق الإنسان: جمع الكمأ من البادية السورية عمل محفوف بالمخاطر

19

 

في أكبر أسواق مدينة حماة السورية، ترتفع أصوات باعة ينادون على “الذهب الأصفر”، في إشارة الى الكمأ التي تشكل مصدر رزق لسوريين يخاطرون بأرواحهم لجمعها من الصحراء غير آبهين بخطر الألغام المتناثرة أو بنيران تنظيم داعش.

في سوق الحاضر، يعرض محمّد صلحة (31 عاماً) أكياساً من الكمأ لبيعها، بعدما جال مدة أسبوع في مناطق صحراوية قريبة من قريته العلية في ريف حماة الشرقي.

ويقول بينما يزيل التراب عن الثمار لوكالة فرانس برس “إنها لقمة مغمّسة بالدماء. نجازف بأرواحنا وأجسادنا لنحصل عليها لكننا لم نعد نكترث لأننا نريد إطعام أبنائنا”.

ويضيف “أخرج يومياً من منزلي، ولا أعرفُ ما إذا كنت سأعود إلى زوجتي وابنتي”.

وتُقطف الكمأ الصحراوية، المعروفة بجودة أنواعها في سوريا، عموماً بين شباط، ونيسان، وغالباً ما يواجه المدنيون خلال موسم جمعها خطراً يتمثّل بألغام زرعها تنظيم داعش أو نيران عناصره المتوارين في مناطق صحراوية واسعة والذين ينفذون هجمات دموية مباغتة.

منذ شهر شباط، أحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 130 شخصاً في البادية السورية خلال جمعهم الكمأ، غالبيتهم بنيران التنظيم.

وتباع الكمأ بسعر مرتفع، ما يفسّر إقبال المواطنين في المناطق الريفية على جمعها لبيعها في ظل ظروف اقتصادية صعبة مع حرب مستمرة منذ 12 عاماً.

في سوق حماة، يرواح سعر الكيلوغرام الواحد بين خمسة دولارات و25 دولاراً، وفق جودة الثمار وحجمها.

ويوضح صلحة “نجني أرباحاً كبيرة خلال شهري موسم الكمأ، لكننا أيضاً نضع أرواحنا على كفوفنا”.

ويتابع “نطلق عليها الذهب الأصفر لأن ثمنها مرتفع مثل الذهب، ويصعب الحصول عليها”.

في السوق حيث يفترش عشرات الباعة الأرض، تتصدر صناديق الكمأ ما عداها من خضار وفواكه. بين الفينة والأخرى، يصرخ أحدهم “مزاد، مزاد”، فيتجمع حوله تجار يريدون شراء كميات كبيرة، ليبدأ المزاد على خمسين كيلوغراماً يحظى بها من يقترح السعر الأعلى.

يفتتح عمر البوش مزاده بسعر 32 ألف ليرة (4,5 دولارات) للكيلوغرام الواحد، ليختتمه بعد أقل من ربع ساعة بسعر 61 ألف ليرة (9 دولارات).

ويقول البوش (52 عاماً): “ثمة عائلات تفضّل شراء الكمأ على اللحمة” موضحاً أن “سعرها يختلف بحسب جودتها، ولدينا نوعيات تناسب ذوي الدخل المتوسط”.

وبحسب تجار، فإن الكمأ الأغلى ثمناً هي الكمأ السوداء التي تشتهر بها مناطق البادية في ريفي حلب وحماة. وبسبب امتداد البادية السورية المترامية الأطراف، تنتج سوريا أنواعاً مختلفة من الكمأ.

وبادر عدد من التجار، وفق ما يشرح جمال الدين دكاك (51 عاماً) وهو تاجر جملة من دمشق، إلى شراء النوعيات الجيدة من المحاصيل وتصديرها بشكل فردي الى العراق ولبنان. كذلك، جرى تصدير كميات الى الخليج عن طريق التهريب عبر الأردن.

وتشهد أسعار الكمأ ارتفاعاً هذا العام بسبب خطورة جمعها.

ويشرح يوسف سفاف (43 عاماً) وقد جلس خلف بسطة عرض عليها عشرات ثمار الكمأ “هناك ألغام وقطّاع طرق وأراض واسعة ينتشر فيها الدواعش (..) تضحّي الناس بحياتها من أجل بعض المال كي تعين نفسها”.

ويشتري سفاف بضاعته من بدو يرتادون المدينة صباح كل يوم، وفي حوزتهم كميات مختلفة من الكمأ. ويشرح بانفعال “هناك على ملابس بعض البدو بقع من الدماء، ثمة من خسر أفراداً من عائلته خلال جمع الكمأ، واستمرّ في ذلك (..) لأن لا خيار لديهم، يريدون العيش، وأنا أعذرهم”.

ورغم التحذيرات الأمنية من الجهات المختصة، يزدهر جمع الكمأ.

ونقلت صحيفة الوطن السورية مطلع الشهر الحالي عن مصدر عسكري مناشدته المواطنين “عدم التوجه إلى البادية لجمع الكمأ كونها مناطق لم تعلن آمنة بعد، وتشهد عمليات تطهير من خلايا تنظيم داعش”.

وأشار إلى وجود “العديد من القطاعات مزروعة بالألغام والعبوات الناسفة”.

قبل ثلاث سنوات، فقد جهاد العبدالله (30 عاماً) إحدى قدميه بانفجار لغم بينما كان يقود شاحنته أثناء جمعه الكمأ في قرية السعن في ريف حماة الشرقي. وبات منذ ذاك الحين يستعين بعكّازين معدنيين من أجل التنقل.

لكنه يواصل رغم ذلك أحياناً جمع الكمأ وإن كان يخصص الجزء الأكبر من وقته في مثل هذا العام لبيع المحصول الذي يجمعه أشقاؤه من الصحراء.

ويقول لوكالة فرانس برس بينما يفترش الأرض قرب بسطة يعرض عليها الكمأ في السوق “لم يعد لديّ ما أخسره بعدما فقدت قدمي، وأنا مستمر في عملي لتأمين قوت يومي”.

وتعدّ الأجسام المتفجرة وضمنها الألغام من الملفات الشائكة المرتبطة بالحرب السورية التي توشك على إنهاء عامها الثاني عشر. ولا يبدو خطر التصدي لها سهلاً في بلد يشهد نزاعاً معقداً أودى بنحو نصف مليون شخص، واتبعت خلاله أطراف عدّة استراتيجية زرع الألغام في مختلف المناطق.

وتشكّل الألغام المتروكة في أراض زراعية وبين المناطق السكنية خطراً دائماً على المزارعين والمارة ورعاة الماشية.

ويعيش نحو 10,2 ملايين سوري في مناطق مزروعة بالألغام، ما أسفر عن مقتل 15 ألف شخص تقريباً بين 2015 و2022، وفقًا للأمم المتحدة.

بينما ينتظر بيع غلّته للعودة الى منزله، يشبّه العبدالله جمع الكمأ بـ”لعب ورق الشدة”، قائلاً: “تربح مرة وتخسر مرة، إنها مقامرة وأنا رضيت بها”.

 

المصدر:  رووداو