المرصد السوري لحقوق الإنسان: سوريا.. عمليات تصفية تستهدف “القادة الأوائل” للحراك المسلح بدرعا

22

 

ما تزال حوادث الاغتيال التي ينفذها “مسلحون مجهولون” مستمرة في محافظة درعا السورية جنوبي البلاد، فيما يشير نشطاء حقوقيون وإعلاميون إلى أنها باتت تتخذ “منحى جديدا”، مستهدفة “القادة الأوائل” للحراك المسلح، الذي تبع السلمي، قبل أكثر من عشر سنوات.

منتصف ليلة الخميس – الجمعة وبينما كان القيادي السابق في المعارضة، “خلدون بديوي الزعبي” عائدا من “جلسة” جمعته مع رئيس فرع “الأمن العسكري” التابع للنظام السوري، لؤي العلي استهدفه مسلحون “مجهولون” على طريق عام مع عدد من عناصره، ما أسفر عن مقتله على الفور.

ويعتبر الزعبي من أبرز القادة السابقين في “الجيش الحر” سابقا بالجنوب السوري، وكان قاد خلال الأيام الماضية المفاوضات مع النظام السوري، والمتعلقة بمدينة طفس في الريف الغربي، وذلك بعدما شنت قوات الأخير حملة أمنية وعسكرية ضدها، بذريعة البحث عن “مطلوبين”.

وجاءت حادثة اغتياله مع 3 من عناصر مرافقته، بعد عشرة أيام من حادثة مماثلة، أسفرت عن مقتل الشيخ “فادي العاسمي”، وهو اسم لطالما تردد أيضا منذ بدايات “الحراك المسلح في درعا”.

وكان العاسمي من قادة “الحراك الثوري” في مدينة داعل، ومن ضمن وفد درعا الذي التقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد بداية الثورة السورية، ثم شارك في العمل العسكري ضمن “فصيل جيش المعتز” (أحد أبرز فصائل الجبهة الجنوبية سابقا).

وبعد اتفاق “التسوية” في عام 2018 اعتقله النظام السوري أربعة أشهر، ليتجه بعد الإفراج إلى المشاركة في جلسات التفاوض مع الأخير والجانب الروسي، وذلك ضمن سلسلة “الاتفاقيات” التي شهدتها مناطق متفرقة في الجنوب السوري.

وتكشف حادثتا الزعبي والعاسمي أن “قادة الحراك المسلح الأوائل في الجنوب السوري” باتوا هدفا لعمليات الاغتيال، والتي يسجل قسم كبير منها “ضد مجهول”، بينما تتوجه أصابع الاتهام في أخرى إلى أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري.

“نيران الحرب لم تفارقهم”

ولمحافظة درعا في الجنوب السوري “حالة استثنائية” تميزها عن باقي المناطق التي شهدت توقيع “اتفاقيات تسوية”، برعاية الجانب الروسي.

وعلى عكس المناطق المحيطة بالعاصمة السورية دمشق، وصولا إلى ريف محافظة حمص وسط البلاد اتخذ الكثير من قادة المعارضة فيها قرارا بالبقاء في المناطق التي كانوا يسيطرون عليها، رافضين الخروج إلى مناطق الشمال السوري.

وبذلك بات هؤلاء القادة ضمن مناطق تخضع بالاسم لسيطرة النظام السوري، وعلى الرغم من عزوفهم عن تنفيذ العمليات العسكرية كما كانت في أوجها قبل 2018، إلا أن “نيران الحرب” لم تفارقهم، ليتحولوا إلى أهداف لمسلحين “مجهولين”.

يقول عمر الحريري، وهو ناشط وعضو مكتب حقوقي يهتم بتوثيق أعداد الضحايا والقتلى في درعا، منذ سنوات طويلة إن “الاغتيالات لم تتوقف منذ عام 2018 في المحافظة، “لكن يبدو أنها تحولت الآن لاستهداف أشخاص مقصودين”، ولاسيما بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها مدينة طفس.

و”في الغالب يعمل النظام السوري على تحييد تيار محدد من المؤثرين في ساحة البلدة المذكورة”، كون طفس مدينة “استثنائية” قياسا بباقي مناطق درعا، موضحا: “يوجد فيها مسلحين من المعارضة، وقادة مؤثرين. هؤلاء بقوا بعد اتفاق التسوية”.

وعقب صلاة الجمعة شيع العشرات من أبناء طفس “خلدون الزعبي”، وكان جثمانه ملفوفا بـ”علم الثورة السورية”، وهو ما اتبع أيضا بتشييع “فادي العاسمي”، قبل عشرة أيام.

وهذا المشهد يعتبر “مفارقة” تضاف إلى حالة درعا “الاستثنائية”، والتي تصنف بالصورة العامة، ضمن مناطق سيطرة النظام السوري، وحليفته روسيا.

يضيف الحريري لموقع “الحرة”: “فكرة النظام السوري باتت واضحة. هو يريد إزاحة الأسماء المؤثرة ذات التاريخ القديم في الحراك المسلح في الجنوب السوري”.

سيناريو اغتيال “الزعبي” كان قد حصل إلى حد قريب جدا قبل عامين، عندما استهدف مسلحون القيادي السابق في المعارضة “أدهم الكراد”، بينما كان عائدا أيضا من اجتماع جمعه مع مسؤولين أمنيين في النظام السوري، بالعاصمة دمشق.

ويعد الكراد من أبرز الشخصيات العسكرية التي كانت في صفوف “الجيش الحر”، أثناء سيطرة الفصائل على الجنوب السوري، قبل سيطرة النظام وروسيا عليها، بموجب اتفاق “التسوية”.

وبعد هذا الاتفاق كان قد استمر في انتقاده لسياسة النظام السوري وروسيا في درعا، محملا إياهم مسؤولية الانفلات الأمني والاغتيالات، وعدم تنفيذهم بنود الاتفاق، من إطلاق سراح المعتقلين وعدم ملاحقة القياديين الذين وافقوا على “التسوية”.

“اتهام ولا تعليق”

ونادر ما تخرج تعليقات من جانب النظام السوري بشأن حالة الفلتان الأمني التي تعيشها درعا، والمتمثلة بعمليات اغتيال ينفذها مسلحون شرقا وغربا وجنوبا وشمالا.

وتواصل موقع “الحرة” مع عمر رحمون الناطق باسم “لجان المصالحة في سوريا”، لكنه لم يقدم أي تعليقات، كونه “غير مطلع على تفاصيل ما يجري في الجنوب السوري”، وذلك في رده على سؤال يتعلق بحادثة اغتيال “الزعبي”، والاتهامات الموجهة لرئيس فرع “الأمن العسكري”، لؤي العلي.

ويشير الناشط الحقوقي الحريري إلى أن “توقيت اغتيال الزعبي ومكان تنفيذ العملية لا يترك أي مجال للشك بأن قوات النظام السوري هي من تقف وراءها”.

ويقول: “بالاستناد إلى التوقيت والمكان تشير كل الأصابع إلى النظام السوري في عملية التصفية”.

وذلك ما يؤكده الناشط الإعلامي، أيمن أبو محمود، موضحا أن “اغتيال الزعبي ومرافقيه بعد اجتماع أمني مع العميد لؤي العلي رئيس فرع الأمن العسكري بمدينة درعا”.

وكان “العلي” قد دعاهم في وقت سابق للتفاوض بشأن المنطقة الغربية من درعا، كما دعاهم من أجل “التحقق من استكمال تنفيذ البنود التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين، والتي أنهت التصعيد العسكري في مدينة طفس قبل أيام”.

ويضيف الناشط وهو ناطق باسم فريق “تجمع أحرار حوران”: “الزعبي والوفد المرافق كان يستقل ثلاث سيارات، إذ تعرضت لإطلاق قذيفة RPG تلاها إطلاق نار واشتباك استمر قرابة نصف ساعة، للتأكد من مقتلهم جميعا”.

ويشير الناشط في حديث لموقع “الحرة” إلى أن “المنطقة التي تم بها الاستهداف تخضع بشكل كامل لسيطرة قوات النظام. في منطقة المفطرة الواقعة بين بلدة اليادودة وحي الضاحية في مدخل مدينة درعا”.

“في الفترة الأخيرة وربما سنشهد في القادمة تركيزا على تصفية الشخصيات المؤثرة في درعا، وذلك أكثر من أي وقت مضى”.

ويعتبر الناشط الإعلامي أن “اغتيال الشخصيات المؤثرة سيؤدي إلى الدخول بنفق مظلم بالنسبة لأفراد هذه المجموعات، التي يديرها القياديون”.

“حاضنة وتأثير”

في غضون ذلك تحدث “المرصد السوري لحقوق الإنسان” أن القيادي “الزعبي” عمل بعد اتفاق “التسوية” ضمن فصيل محلي في طفس، ويضم أبرز المطلوبين للنظام السوري، و”الرافضين للوجود الإيراني وحزب الله اللبناني في درعا”.

ويتهم القيادي، وفق تقرير المرصد، الجمعة، بقتل أحد الضباط الإيرانيين في هجوم سابق على منطقة الري في المحافظة.

ووفقاً لـ”المرصد السوري”، فقد وثق منذ بداية مطلع شهر يناير الماضي 369 استهدافا في محافظة درعا، جميعها جرت بطرق وأساليب مختلفة.

وأسفرت هذه الاستهدافات عن مقتل: 146 من المدنيين بينهم 4 سيدات و5 أطفال، و 127 من العسكريين تابعين للنظام والمتعاونين مع الأجهزة الأمنية وعناصر “التسويات”.

إضافة إلى 20 من المقاتلين السابقين ممن أجروا “تسويات” ولم ينضموا لأي جهة عسكرية بعدها، و2 عناصر سابقين بتنظيم “داعش”، و7 مجهولي الهوية و4 عناصر من الفيلق الخامس والمسلحين الموالين لروسيا.

ويرى الناشط الحقوقي، عمر الحريري أنه وبمقتل “الزعبي” الذي ينحدر من مدينة طفس، “لن يسد مكانه أي شخص آخر في مشهد المنطقة ككل”.

“الزعبي وقبله  العاسمي هما من ثوار 2011 بمعنى الكلمة. قادوا الفصائل العسكرية منذ اليوم الأول للحراك المسلح، وقدموا الكثير. خلدون له 5 إخوة شهداء وهو السادس اليوم”.

ويضيف الحريري: “خلال العامين الماضيين بنوا ثقة وحاضنة وتأثير، وهم من القلة التي لم تغير موقفها بعد سيطرة النظام السوري على المنطقة بموجب اتفاقيات التسوية”، مؤكدا “لا أظن أن الزعبي وافق أن يلتقي قبل اغتياله مع رئيس الأمن العسكري، إلا في مسعى منه لتحييد هجوم كان من واضحا أنه سيحصل في طفس”.

 

المصدر: الحرة