المرصد السوري لحقوق الإنسان: فقر ومخدرات.. أحوال بائسة للمرتزقة السوريين في ليبيا

14

سلطت مجلة “ناشونال إنترست” الضوء على الفساد المستشري وسط المرتزقة السوريين الذين جندتهم تركيا في الصراعات الخارجية.

وأشار تقرير للمجلة الأميركية إلى أن هناك مستويات عالية من الكسب غير المشروع في عملية التجنيد، بالإضافة إلى إرسال فتيان تقل أعمارهم عن 18 عاما لساحات القتال.

في أبريل 2019، شن المشير، خليفة حفتر، هجوما مفاجئا على حكومة الوفاق الوطني في العاصمة طرابلس. وردا على التهديد الذي شكله هجوم حفتر، طلبت حكومة الوفاق الوطني المعترف فيها من الأمم المتحدة دعما عسكريا تركيا.

وفي الفترة القصيرة الممتدة ما بين الأشهر الأخيرة من عام 2019 والأولى من 2020 وثقت منظمات حقوقية ووسائل إعلام خروج المئات من السوريين للقتال في ليبيا.

وانقسم هؤلاء ما بين مقاتلي “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا وبين المقاتلين وعناصر الميليشيات المحسوبين على نظام الأسد وروسيا، كـ”الفيلق الخامس” مثلا.

وهناك شريحة خرجت للقتال كـ”مرتزقة” من مدنيين لم يسبق وأن شاركوا في القتال. حيث اضطروا مؤخرا لحمل السلاح، بعد تقديم المغريات المادية لهم تحت غطاء “الشركات الأمنية”.

وسردت المجلة الأميركية قصة مقاتل سوري، يدعى أحمد، سبق له القتال مع أحد الميلشيات التي توجهت إلى طرابلس المحاصرة.

وكانت الميليشيا واحدة من 8 جماعات مسلحة مدعومة من تركيا تم إرسالها إلى ليبيا للقتال بجانب حكومة الوفاق الوطني قبل أن تتوسط الأمم المتحدة لاحقا لوقف إطلاق النار.

وعند وصوله إلى ليبيا ورؤيته لخط المواجهة في جنوب طرابلس، طلب أحمد العودة إلى دياره. لكن قائده رد: “القدوم إلى ليبيا كان اختيارك، لكن العودة ليست كذلك”.

وجنبا إلى جنب مع زملائه المجندين، انتقل أحمد على مضض إلى فيلا فارغة بالقرب من خط المواجهة، فيما تصرف أول دفعة من راتبه في غضون ثلاثة أشهر عند عودته إلى سوريا.

بعد شهرين، عاد أحمد إلى بلاده مصابا بتمزق في الحوض وتلقى ربع المبلغ المستحق البالغ 10 آلاف دولار. وقال أحمد: “إذا لم يعجبك لك، يمكنك تقديم شكوى”، مضيفا: “عندما اشتكيت، قالوا هذا ما لدينا من أجلك”.

وبحسب المرصد السوري، تقوم الفصائل التركية بإغراء هؤلاء المرتزقة برواتب شهر لا تقل عن 1000 دولار، ولكن بعد وصولهم إلى ليبيا يقوم قادة الفصائل بإعطائهم رواتب لا تتجاوز 3000 ليرة تركية أي بما لا يتجاوز (330 دولارا)، إضافة إلى 100 دولار.

في أذربيجان أيضا

في عام 2016، استخدمت تركيا هذه الميليشيا في عملياتها العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد قبل أن يتم التعاقد معها للقتال في ليبيا.

قال أبو سعيد، وهو مجند في إحدى الميليشيات المدعومة من تركيا، إنه لم يتفاجأ لسماع مشاكل أحمد بشأن راتبه.

وأكد أن “القادة حتى يومنا هذا يصادرون الرواتب”. لكن عندما كان القتال في ليبيا في ذروته، واجه سعيد مشاكله الخاصة.

وقال أبو سعيد: “كان علينا إرسال أكبر عدد ممكن من المقاتلين الذين يمكننا تجنيدهم. طلب الأتراك 2000 رجل. وكتيبتنا قوامها 500 جندي فقط. لذلك، بدأنا في إرسال أطفال ليس لديهم أي خبرة عسكرية”.

ورغم تجمد الصراع في ليبيا بعد الاتفاق الذي قادته الأمم المتحدة عام 2020، بدأت جبهة أخرى تشتعل لحليف تركي رئيسي.

في 27 سبتمبر 2020، شنت أذربيجان هجمات جوية وبرية على إقليم ناغورنو قره باغ، مما أشعل فتيل الصراع بين القوات الأذربيجانية والأرمنية وقوات قره باغ المحلية.

وتقول “ناشونال إنترست” إن الفساد كان مستشريا في برنامج المرتزقة التركي في أذربيجان أيضا.

وفقا لأبو سعيد، فإن الأتراك “أولوا اهتماما أكبر، وأصروا على إرسال مقاتلين متمرسين” على اعتبار أن الصراع الجديد يتماشى مع الأيدولوجية التركية بعكس ليبيا الذي كان الدعم بناء على “المصالح الجيوسياسية”.

الشاب السوري حسن البالغ من العمر 25 عاما اتجه للقتال مع القوات الأذربيجانية لمدة 55 يوما. وقال: “قيل لي إن راتبي سيكون 2500 دولار شهريا وأنني سأكون حارس حدود”.

ومن المفارقات أنه على الرغم من مطالب المخابرات التركية بالخبرة في عملية أذربيجان الجديدة بعكس ما حدث في ليبيا، فإن السوريين الذين تم إرسالهم إلى قره باغ كانوا مجرد وقود للمدافع.

وأدرك حسن أنه يعاني من نقص في التجهيزات بعد أن حصل فقط على بندقية من نوع “AK-47”. وبعد أن أصيب برصاص قناص، عاد حسن إلى بلاده، حيث حصل على 1500 دولار فقط.

وأغلب المرتزقة السوريون الذين تجندهم تركيا هم من الشباب الذين ليس لديهم دخل ولا يحظون بفرص للتوظيف.

رأى الأشخاص الذين قابلتهم مجلة “ناشونال إنترست” أن الرحلات إلى ليبيا أو أذربيجان فرصة للكسب على مدى بضعة أشهر وبناء رأس مال صغير، وبدء عمل تجاري صغير في الوطن.

ووعد العديد من السوريين الذين سجلوا للقتال في ليبيا وأذربيجان بأن أفراد أسرهم سيحصلون على الجنسية التركية حال وفاتهم، بحسب الملجة.

ولم يمضِ وقت طويل قبل أن يستفيد القادة السوريون من مخططات الجنسية هذه أيضا. وفقا للمقاتلين، بدأ القادة في تقديم الجنسية التركية لمن يدفع أعلى سعر بدلا من منح الجنسية لأسرة المقاتل المتوفى. ومع نمو عملية الاحتيال، اضطرت المخابرات التركية إلى إغلاق البرنامج بالكامل.

وبينما غادر المقاتلون السوريون أذربيجان الآن، إلا أنهم ما زالوا متمركزين في ليبيا، حيث غالبا ما يشعرون بالملل ويتعرضون للاستغلال.

“حبة مريرة”

وبات الكثير من المقاتلين السوريين في ليبيا بداخل القواعد مدركين أن عزلتهم جاءت نتاج كراهية الليبيين لهم، حيث ينتشر تعاطي المخدرات بينهم. يقول محمد وهو مقاتل لا يزال موجود في طرابلس: “لدينا الكثير من وقت الفراغ”.

ويعرف قائد إحدى الميلشيات بأنه مهرب رئيسي للميثامفيتامين الكريستالي. وفقا للمقاتلين، وغالبا ما كان يوزع المخدرات مقابل اقتطاع من رواتب مرؤوسيه، وكثير من المقاتلين الفقراء مدينون له.

ولطالما كانت الميليشيات الليبية تقاوم المرتزقة من سوريا، ولذلك يبقى أولئك المرتزقة في عزلة تقريبا مع تجمد الصراع.

وبحسب جليل حرشاوي، الخبير في الشؤون الليبية، فإن “تدخل تركيا مع المرتزقة السوريين كان بمثابة حبة مريرة تبتلعها حكومة الوفاق الوطني”.

واحتاجت حكومة الوفاق الوطني إلى الذخيرة والمعدات واللوجستيات والدفاع الجوي لكن لم يكن هناك نقص في القوى العاملة، ولم يطلبوا قط جنودا مشاة.

وترفض الجماعات المسلحة مثل قوة الردع الخاصة، السماح بوجود سوري في وسط المدينة.  وسئم المرتزقة من وضعهم حاليا ويعبرون بشكل متزايد عن عدم رضاهم على حسابات بموقع تلغرام.

وعلق مقاتل من مجموعة السلطان مراد مؤخرا: “خلال الأشهر الأربعة الماضية لم نتلق رواتب، محلات البقالة في القاعدة فارغة. القادة لا يدفعون رواتب ولا يرسلون الناس إلى ديارهم”.

وتم القبض على بعض المقاتلين لتقديمهم شكاوى. وطلب آخرون أموالا من عائلاتهم للبقاء على قيد الحياة.

ومع ذلك، يرغب المزيد من الشباب في التسجيل في البرنامج، وهذا دليل على الظروف الاقتصادية اليائسة في شمال غرب سوريا وحقيقة أن المجندين المحتملين يعتقدون أنه لن يكون هناك قتال في ليبيا.

وقال المجند أبو سعيد: “أتلقى عددًا لا نهائيًا من المكالمات من أشخاص يطلبون مني إرسالها إلى ليبيا. البعض يعرض علي أول راتبين”.

وفي تصريحات سابقة، قال باحث في المركز السوري للعدالة والمساءلة، ومقره واشنطن، أن عدد المقاتلين السوريين في ليبيا يبلغ 7500 مقاتل تقريبا حتى مارس 2021.

 

 

 

 

المصدر: الحرة