المرصد السوري لحقوق الإنسان: “قسد” تعلق العمليات المشتركة مع التّحالف الدولي… الدلالات والمآلات

23

 

دهمت التطورات المتسارعة التي يشهدها الملف السوري “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) التي اعتقدت للوهلة الأولى أن بإمكانها مواجهة التهديدات التركية المتواصلة بعمل عسكري ضدها، من خلال اللجوء إلى الأساليب نفسها التي كانت تستخدمها لمواجهة التهديدات السابقة.
غير أن التفاعلات السياسية والعسكرية التي أحدثها التهديد التركي هذه المرة، كانت أعقد بكثير مما كان يجري سابقاً، ولا سيما في ظل بروز مقاربات سياسية جديدة من شأنها أن تؤدي إلى إحداث تغييرات جذرية في خريطة التحالفات في المنطقة. وقد يكون ذلك هو ما دفع “قسد”، أخيراً، إلى اتباع سياسة “إحراق أوراقها” بسرعة غير متوقعة لعل بعض هذه الأوراق يسعفها في وقف النزيف الذي أصاب قياداتها وكوادرها بفعل الطائرات المسيرة التركية.
وعلّقت “قسد” عملياتها المشتركة مع قوات التحالف الدولي احتجاجاً على سكوت الأخيرة عن التصعيد التركي الأخير الذي تمثل في تكثيف استخدام الطائرات المسيرة لاصطياد قادة وكوادر القوات الكردية، وذلك في خطوة يعتقد أنها جاءت نتيجة تفاهمات بين أنقرة وطهران وموسكو لتقديم بديل ميداني لإقناع القوات التركية بالتخلي عن تنفيذ تهديدها بشن عمل عسكري واسع في المناطق التي تسيطر عليها قسد.
وبحسب ما أفاد موقع “باسنيوز” الكردي، مساء يوم الجمعة 12 آب (أغسطس)، فإن ميليشيا “قسد” قامت بتعليق عملياتها العسكرية مع قوات التحالف الدولي ضد “داعش”، وذلك احتجاجاً على التصعيد من قبل تركيا ضد قادة الميليشيا في شمال شرق سوريا.
وأضاف الموقع أن العشرات من مقاتلي الميليشيا وقيادييها، قتلوا وأصيب عدد منهم بجروح خلال الأسبوعين الماضيين، جراء استهدافهم من قبل المسيرات التركية.
وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن ” قسد” علقت العمليات المشتركة مع قوات التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” منذ 6 أيام.
وأشار في بيان إلى أن “تعليق العمليات المشتركة جاء احتجاجاً على استهداف الطائرات المسيرة التركية لمناطق قسد واستهداف قيادات عسكرية ومناطق مدنية”.
وشهدت مناطق شمال وشرق سوريا تصعيداً بالضربات الجوية، منذ مطلع شهر آب الجاري، وتحديداً منذ اليوم الثالث، أسفرت عن مقتل 12 شخصاً، هم طفلان اثنان ورجل، و9 من العسكريين، بالإضافة لإصابة 6 على الأقل بجراح متفاوتة، ما يرجح ارتفاع حصيلة القتلى.
ونفذت مسيرات تركية 51 استهدافاً على مناطق نفوذ “قسد” لشمال وشمال شرق سوريا، منذ مطلع عام 2022، تسببت بمقتل 5 مدنيين، بينهم طفلان، و43 قتيلاً من العسكريين بينهم طفلان و13 امرأة، بالإضافة لإصابة أكثر من 83 شخصاً بجراح متفاوتة، بحسب المرصد السوري المعارض.
وكانت “قسد” قد حاولت مواجهة التهديدات التركية التي بدأت في شهر أيار (مايو) الماضي، من خلال إعادة توجيه بوصلتها نحو العاصمة السورية دمشق. وظنت قيادة القوات الكردية أن رفع مستوى التنسيق العسكري مع قوات الجيش السوري سوف يردع القوات التركية عن التفكير بالقيام بأي مغامرة عسكرية غير محسوبة، ولا سيما أن انتشار قوات الجيش السوري على خطوط التماس بين الطرفين، وهو ما أعلنه الجنرال مظلوم عبدي القائد العام لقوات “قسد” في مؤتمر صحافي في وقت سابق، من شأنه أن يهدد باندلاع مواجهة إقليمية غير مرغوب بها من أي جهة فاعلة في الملف السوري.
لكن ورقة التنسيق مع دمشق سرعان ما احترقت على وقع تصريحات تركية متتالية حملت إيحاءات مباشرة تشير إلى تبنّي أنقرة لمقاربة سياسية وعسكرية جديدة تجاه الملف السوري. وبينما أكدت أنقرة استعدادها لتقديم “الدعم” للنظام السوري في محاربة التنظيمات الإرهابية، معتبرة القضاء على هذه التنظيمات حقاً طبيعياً له، أثار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو لغطاً كبيراً وتسبب باندلاع احتجاجات واسعة ضد سياسة بلاده، عندما أعلن عن رغبة أنقرة في إجراء مصالحة بين المعارضة والنظام السوريين.
ولا شك في أن رسائل أنقرة، بغض النظر عن مدى دقتها، قد أثارت مخاوف قيادة “قسد” التي لمست أنها ستجد نفسها محشورة في الزاوية في حال حصول أي تقارب فعلي بين دمشق وأنقرة. وما عزز من هذه المخاوف أن “قسد” المنقسمة على نفسها بين جناحين يميل أحدهما إلى “حزب العمال الكردستاني” الذي تتهمه أنقرة بالإرهاب، ويميل الثاني إلى فك الارتباط مع الأخير لتلبية شروط الجهات الفاعلة في الملف السوري وفي مقدمها الولايات المتحدة، لم تعد تملك ما يمكن أن تغري به دمشق لتفضيل التنسيق معها على الانزلاق نحو أنقرة سوى تقديم تنازلات سياسية يمكن أن تصيب مشروعها بمقتل، ولعل ذلك هو ما دفعها إلى تجميد هذه الورقة مقابل إخراج ورقة الضغط على التحالف الدولي.
ويدل إجراءُ “تعليق العمليات المشتركة” على مدى الخسارة التي تتكبدها “قوات سوريا الديموقراطية” جراء ملاحقة الطائرات المسيرة التركية لقادتها وكوادرها. ولكن الأقسى بالنسبة إليها هو أن الغارات التركية بدأت في رسم علامة استفهام كبيرة حول مصير الاستقرار والأمن في المناطق التي تسيطر عليها، وهو ما قد يتسبب بفقدانها جزءاً من حاضنتها الشعبية داخلياً وجزءاً آخر من الدعم الإقليمي والدولي، أو على الأقل يتعرض الدعم الدولي الذي يصل إليها للعرقلة وانعدام الجدوى.
كما يشير هذا الإجراء إلى مدى الفجوة التي باتت تفصل بين مواقف “قسد” من جهة ومواقف الولايات المتحدة من جهة ثانية، وربما أصبحت تهدد بترك تأثيرات مباشرة على علاقة التنسيق والتحالف العسكري القائمة بينهما في سياق الحرب ضد “داعش”.
وفيما تتوخى “قسد” من اتخاذ إجراء تعليق العمليات مع التحالف الدولي ممارسة ضغط على الولايات المتحدة لدفعها إلى بذل جهود أقوى لوقف التهديدات التركية ضدها، فإنها تخاطر في الوقت ذاته بدفع واشنطن إلى تعزيز علاقاتها مع المجالس العسكرية في مناطق “قسد”، والعمل على إعطائها صلاحيات أوسع، ولعل هذا ما أرادت القوات الأميركية إيصاله من خلال قيامها بعقد اجتماع مع “مجلس دير الزور العسكري” من دون حضور ممثلين عن قيادة “قسد”، بحسب ما ذكرت مواقع سورية محلية.
وفي المحصلة، فإن هذه الضغوط المتبادلة قد تضع “قسد” بين احتمالين، إما إعادة تفعيل ورقة دمشق عبر الموافقة على تقديم تنازلات سياسية لها، أو المضي قدماً في الخط الذي تنتهجه الولايات المتحدة والذي يتطلب من “قسد” للتخلص من التهديدات التركية أن تتخذ قراراً نهائياً بفك الارتباط مع “حزب العمال الكردستاني”.

 

المصدر: النهار العربي