المرصد السوري لحقوق الإنسان: “لقمة مغمسة بالدماء”.. الكمأة مصدر رزق لسوريين يبحثون عنها بين الألغام وبعضهم فقد حياته بسببه

22

 

يخاطر سوريون بأرواحهم من أجل جمع الكمأة أو ما يطلق عليه البعض “الذهب الأصفر” من الصحراء، غير آبهين بخطر الألغام المتناثرة أو نيران تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي تنتشر عناصر له في المنطقة، وبات يشكل جمع الكمأة مصدر رزق لكثير من السوريين، الذين يعانون من آثار التدهور الكبير في الاقتصاد.

تُعرف الكمأة بأنها فطر بري موسمي ينمو بالصحراء، وعادةً ما يتراوح وزن الكمأة بين 30 و300 غرام، ويعتبر من ألذ وأثمن أنواع الفطريات الصحراوية، وتنبت الكمأة بشكل عام في المناطق الصحراوية بسوريا والعراق والمملكة العربية السعودية والدول الخليجية الأخرى، إضافة إلى المغرب.

في سوق “الحاضر” بمدينة حماة، يعرض محمّد صلحة (31 عاماً)، أكياساً من الكمأة لبيعها، بعدما جال مدة أسبوع بمناطق صحراوية قريبة من قريته العلية في ريف حماة الشرقي.

يقول محمد بينما يزيل التراب عن الثمار، “إنها لقمة مغمّسة بالدماء. نجازف بأرواحنا وأجسادنا لنحصل عليها لكننا لم نعد نكترث، لأننا نريد إطعام أبنائنا”، وأضاف في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية: “أخرج يومياً من منزلي، ولا أعرفُ ما إذا كنت سأعود إلى زوجتي وابنتي”.

تُقطف الكمأة الصحراوية، المعروفة بجودة أنواعها في سوريا، عموماً بين فبراير/شباط، وأبريل/نيسان، وغالباً ما يواجه المدنيون خلال موسم جمعها خطراً يتمثّل بألغام زرعها تنظيم الدولة، أو نيران عناصره المتوارين في مناطق صحراوية والذين ينفذون هجمات دموية مباغتة.

بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فمنذ شهر فبراير/شباط 2023، أحصى مقتل أكثر من 130 شخصاً في البادية السورية خلال جمعهم الكمأة، غالبيتهم بنيران التنظيم.

تُباع الكمأة بسعر مرتفع، ما يفسّر إقبال المواطنين في المناطق الريفية على جمعها لبيعها، في ظل ظروف اقتصادية صعبة مع حرب مستمرة منذ 12 عاماً.

مثلاً في سوق حماة، يتراوح سعر الكيلوغرام الواحد بين خمسة دولارات و25 دولاراً، وفق جودة الثمار وحجمها، ويقول صلحة: “نجني أرباحاً كبيرة خلال شهري موسم الكمأة، لكننا أيضاً نضع أرواحنا على كفوفنا”، مضيفاً: “نطلق عليها الذهب الأصفر، لأن ثمنها مرتفع مثل الذهب، ويصعب الحصول عليها”.

بيع الكمأة في مزاد

وفي السوق حيث يفترش عشرات الباعة الأرض، وتتصدر صناديق الكمأة ما عداها من خضار وفواكه، وبين الفينة والأخرى، يصرخ أحدهم “مزاد، مزاد”، فيتجمع حوله تجار يريدون شراء كميات كبيرة، ليبدأ المزاد على خمسين كيلوغراماً يحظى بها من يقترح السعر الأعلى، وفقاً للوكالة الفرنسية.

يفتتح عمر البوش مزاده بسعر 32 ألف ليرة (4.5 دولار) للكيلوغرام الواحد، ليختتمه بعد أقل من ربع ساعة بسعر 61 ألف ليرة (9 دولارات).

قال “البوش” للوكالة الفرنسية إن “ثمة عائلات تفضّل شراء الكمأة على اللحمة”، موضحاً أن “سعرها يختلف بحسب جودتها، ولدينا نوعيات تناسب ذوي الدخل المتوسط”.

بحسب تجار، فإن الكمأة الأغلى ثمناً هي الكمأة السوداء التي تشتهر بها مناطق البادية في ريفي حلب وحماة، وبسبب امتداد البادية السورية المترامية الأطراف، تنتج سوريا أنواعاً مختلفة من الكمأة.

من جانبه، قال جمال الدين دكاك (51 عاماً)، وهو تاجر جملة من دمشق، إن عدداً من التجار بادروا إلى شراء النوعيات الجيدة من المحاصيل وتصديرها بشكل فردي إلى العراق ولبنان، وكذلك، جرى تصدير كميات الى الخليج عن طريق التهريب عبر الأردن.

لا خيار أمام المضطرين إلى الكمأة

على الرغم من جميع المخاطر يستمر عمل جمع الكمأة، وقال يوسف سفاف (43 عاماً)، وقد جلس خلف بسطة عرض عليها عشرات ثمار الكمأة: “هناك ألغام وقطّاع طرق وأراض واسعة ينتشر فيها الدواعش (..) تضحّي الناس بحياتها من أجل بعض المال كي تعين نفسها”.

يشتري سفاف بضاعته من بدو يرتادون المدينة صباح كل يوم، وفي حوزتهم كميات مختلفة من الكمأة، وقال بانفعال: “هناك على ملابس بعض البدو بقع من الدماء، ثمة من خسر أفراداً من عائلته خلال جمع الكمأة، واستمرّ في ذلك (..) لأنه لا خيار لديهم، يريدون العيش، وأنا أعذرهم”.

قبل ثلاث سنوات، فقد جهاد العبدالله (30 عاماً)، إحدى قدميه بانفجار لغم بينما كان يقود شاحنته أثناء جمعه الكمأة في قرية السعن بريف حماة الشرقي، وبات منذ ذاك الحين يستعين بعكّازين معدنيين من أجل التنقل.

لكنه يواصل رغم ذلك أحياناً جمع الكمأة وإن كان يخصص الجزء الأكبر من وقته في مثل هذا العام لبيع المحصول الذي يجمعه أشقاؤه من الصحراء.

قال جهاد في تصريح للوكالة الفرنسية: “لم يعد لديّ ما أخسره بعدما فقدت قدمي، وأنا مستمر في عملي لتأمين قوت يومي، وأسلّم أمري لله”.

تُعدّ الأجسام المتفجرة وضمنها الألغام، من الملفات الشائكة المرتبطة بالحرب السورية التي توشك على إنهاء عامها الثاني عشر، وليس من السهل مواجهة أزمة الألغام، لا سيما أن البلاد شهدت نزاعاً اتبعت خلاله أطراف عدّة استراتيجية زرع الألغام في مختلف المناطق.

لذا تشكّل الألغام المتروكة في أراضٍ زراعية وبين المناطق السكنية خطراً دائماً على المزارعين والمارة ورعاة الماشية، ويعيش نحو 10.2 مليون سوري في مناطق مزروعة بالألغام، ما أسفر عن مقتل 15 ألف شخص تقريباً بين 2015 و2022، وفقاً للأمم المتحدة.

وبينما ينتظر بيع غلّته للعودة إلى منزله، يشبّه العبدالله جمع الكمأة بـ”لعب ورق الشدة”، ويقول: “تربح مرة وتخسر مرة. إنها مقامرة وأنا رضيت بها”.

 

 

المصدر:  عربي بوست