المرصد السوري لحقوق الإنسان: “نوروز مخضب بالدم”.. حداد وصرخات في عفرين بعد مقتل 4 أكراد “بدم بارد”

26

 

يحل “عيد النورز” على سكان مدينة عفرين السورية هذا العام مخضبا بالدم، بعدما أقدم مسلحون من فصيل “جيش الشرقية” التابع لـ”الجيش الوطني السوري” على قتل 4 مدنيين أكراد “بدم بارد” وإصابة آخرين، بينما كانوا يوقدون “شعلة السلام” أمام منزلهم الكائن في ناحية جنديرس، حسبما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، وشهود عيان تحدثوا لموقع “الحرة”.

وتعتبر جنديرس أحد أبرز النواحي التابعة لعفرين، الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني” المدعوم تركيا، وفي وقت لم تلبث هذه المنطقة أن تخرج من كارثة الزلزال المدمّر ويلملم المنكوبين فيها ما بقي لهم من أحباب وممتلكات جاءت حادثة مقتل الشبان الأكراد بطريقة بشعة، لتزيد مرارة الحياة والمآسي على نحو أكبر.

وتشير الروايات المتقاطعة وما تحدث عنه نشطاء من عفرين لموقع “الحرة” إلى أن حادثة مقتل الشبان بدأت عندما أشعلوا المشاعل احتفالا بـ”النوروز” أمام باب منزلهم في جنديرس، ليقدم على إثر ذلك عنصرين من “جيش الشرقية” على إطلاق النار عليهم بشكل مباشر، وفي أعقاب “مشادة كلامية” اندلعت بسبب النيران المشتعلة.  ولا يعرف ما إذا كانت حادثة القتل المباشر بدوافع “عنصرية”، وهو ما أشار إليه نشطاء وحقوقيون أكراد في الساعات الماضية، فيما اعتبر آخرون أن الجريمة الحاصلة لا ترتبط بفئة دون غيرها، نظرا لسلسلة الانتهاكات التي شهدتها عفرين، منذ شهر مارس 2018.

ومنذ منتصف ليلة الثلاثاء وتعيش جنديرس على الخصوص حالة من الغضب والحداد على مقتل الشبان، وسرعان ما تطورت إلى احتجاجات شعبية عمّت منطقة عفرين مع ساعات الصباح، في وقت اتجه فيه ذوي الضحايا إلى تشييع قتلاهم، والذين تتراوح  أعمارهم بين 18 و43 عاما، وينتمون لعائلة واحدة.  ووثقت سلسلة تسجيلات مصورة نشرها نشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماع خروج المئات من عفرين وجنديرس بمظاهرات شعبية غاضبة رددوا فيها شعارت من قبيل: “عفرين تناديكم وتقول لكم: كفى”، “عفرين حرة حرة والفصائل تطلع برا”، “آزادي آزادي”، “الموت ولا المذلة”.

كما وثقت تسجيلات أخرى مطالب المتظاهرين بــ”حماية دولية”، و”دخول قوات بشمركة روج آفا” إلى المنطقة، وطلب الحماية من قيادة إقليم كردستان العراق، وخروج جميع الفصائل المسلحة من المدن والقرى والبلدات.

  “أبشع من الزلزال”

وحتى الآن ما يزال الجناة متوارين عن الأنظار، بينما أصدرت وزارة الدفاع التابعة لـ”الحكومة السورية المؤقتة” وهي التي يتبع لها تشكيل “الجيش الوطني السوري” بيانا قالت فيه إن حادثة القتل بدأت “بمشاجرة نشبت بين أفراد العائلة ورجل مدني وآخر عسكري”.  وتعهدت الوزارة بأن “الشرطة العسكرية” التابعة لها “ستلاحق الضالعين في إطلاق الرصاص على المدنيين الأكراد”.

بدوره أصدرت “الائتلاف السوري المعارض” بيانا استنكر فيه ما وصفها بـ”الجريمة النكراء”، وقال إن المدنيين الأربعة “قتلوا على يد عناصر مسلحة”، وأنه أصدر “توجيهات للتحقيق ومتابعة تفاصيل الجريمة على أعلى المستويات للقبض على المجرمين ومحاكمتهم”.  لكن هذه المواقف لاقت استنكارا من نشطاء وسياسيين أكراد، واعتبروا أن عدم تحديد الجهة التي قتلت المدنيين الأكراد بعينها ينم عن “تهرب من المسؤولية”، وأن ما حصل يأتي نتاج سلسلة من الانتهاكات التي شهدتها المنطقة، خلال السنوات الماضية.

ويقول أحمد حسن وهو عضو الأمانة العامة لـ”المجلس الوطني الكردي” لموقع “الحرة” إن جريمة مقتل الشبان الأكراد حدثت “في ليلة النوروز وأثناء الشعلة المتقدة، منذ آلاف السنين، وهي من طقوس الشعب الكردي”.  ويضيف حسن: “الجريمة نكراء في هذه الليلة، وكانت أبشع من الزلزال الذي حدث في جنديرس وقرى عفرين. الزلزال كان كارثة طبيعية والجريمة التي حصلت كانت بفعل الإنسان وبأيدي من يدعون أنهم جيشا وطنيا”.  وتابع المسؤول في المجلس الكردي: “نطالب بالقصاص العادل لهؤلاء المجرمين وإخراج الفصائل المسلحة من كافة مناطق عفرين وحماية دولية للشعب الذي استكان منذ سنوات للظلم والقهر والاستهتار”، حسب تعبيره.  بدوره يرى عضو “المجلس الوطني الكردي” السياسي، فؤاد عليكو أن “دوافع قتل الشبان هو الحقد”، وأن “المجموعة التي أقدمت على الجريمة لم تكن تعرف العائلة. ما حصل حقد على الكردي وليس على العائلة”.

وما تطالب بعد القوى الكردية والمواطنين في عفرين، حسب ما يقول عليكو لموقع “الحرة” هو “إخراج الفصائل من عفرين وتسليم إدارتها بشكل فعلي إلى أهلها وإعطاء مجال واسع للبلديات والشرطة المدنية في المنطقة”.  ويضيف: “لا مبرر بعد اليوم لوجود هذه الفصائل العسكرية وهم يحملون مثل هذا الحقد على الشعب الكردي”، كما يتطلب من تركيا وفق عليكو “القيام بواجبها كونها الدولة الوحيدة القادرة على الضغط على هذه الفصائل وإجبارهم على تحديد أماكنهم خارج المنطقة الكردية”.

  “خيانة للثورة”

وكانت فصائل “الجيش الوطني السوري” قد سيطرت مع الجيش التركي على عفرين ضمن عملية “غصن الزيتون” في مارس 2018، والتي استهدفت “وحدات حماية الشعب” أحد أركان “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).  وأدت العملية العسكرية إلى نزوح أكثر من 137 ألف شخص، وفقا لتقديرات الأمم المتحدة، في حين وثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في ذلك الوقت سرقة ونهب ممتلكات المدنيين في عفرين من قبل الفصائل المسيطرة.  وعادة ما تنفي فصائل “الجيش الوطني السوري” ارتكابها هذه الانتهاكات والجرائم، فيما تنسب البعض منها إلى “حوادث فردية” يرتكبها أفراد وليس مجموعات وفصائل بأكملها، وهو ما يرفضه حقوقيون.

وأصدرت عدة منظمات حقوقية بيانا طالبت فيه بوقف “انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة في عفرين وعموم سوريا ومحاسبة مرتكبيها، وضمان عودة جميع الأهالي إلى مناطق سُكناهم الأصلية ووقف عمليات التغيير الديمغرافي”.  وتشمل الانتهاكات الموثقة في عفرين، حسب ما جاء في البيان: “القتل في هجمات غير مشروعة، والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وسوء المعاملة والتعذيب والنهب ومصادرة الممتلكات، إضافة إلى عرقلة عودة السكان الأصليين، ولا سيما الكُرد، وممارسات التغيير الديمغرافي”.

ويوضح المحامي السوري فهد الموسى المقيم في ريف حلب أن “وجود تيار من المنافقين لبعض الفصائل الفاسدة والعناصر جعل الانتهاكات تتكرر على جميع المدنيين دون تمييز بين عرب وكرد”.  ويقول لموقع “الحرة” إن جريمة جنديرس “ليست ذات أبعاد عنصرية بل ترتبط بفساد منظم، بسبب غياب المحاسبة الحقيقية للقادة حتى يضبطوا عناصرهم”.  “جريمة عيد النيروز هي خيانة عظمى للثورة السورية، لأن خيوطها تشير إلى تمرير مخططات استخباراتية لعدد من الدول في المنطقة. هذه الجرائم ورائها عقل مدبر”، حسب تعبير الموسى، مضيفا: “يجب محاسبة كل المتورطين ومحاكمتهم في محاكم عادلة، ويجب أن يسلموا إلى محكمة الجنايات الدولية”.

من جهته يؤكد السياسي فؤاد عليكو على “مطالب بالقبض على الجناة وتسليمهم إلى القضاء، مع وجود محكمة عادلة وشفافة ويجب أن يطلع عليها جميع المواطنين”.  ويقول إن “المحاسبة يجب أن تكون نموذجا للآخرين. من أقدموا على الجريمة ليسوا وحدهم بل هم محسوبين على تشكيلات الثورة وعلى الائتلاف”، مضيفا أن “الأخير أدان الحادثة لكنه اعتبرها حالة فردية. هذا الأمر ليس مقبولا”.  كما يتابع عليكو أن “ما حصل ليس حالة فردية بل حالة تقوم بها بعض الفصائل بدم بارد وبتصرفات مجرمة”، وأن “الحالة في عفرين لا تتطلب وجود الفصائل، ولذلك يجب أن يخرجوا من المنطقة كاملة”.

 

 

 

المصدر:   الحرة