المرصد السوري لحقوق الإنسان: هل تتحول “عين عيسى” إلى بوابة التقارب بين “قسد” ودمشق؟

التفاهمات تحدث برعاية روسية وعزيمة لردع أي عملية هجومية تركية في الشمال الشرقي للبلاد

24

لم تغب بلدة عين عيسى، شمال شرقي سوريا، عن ناظري أنقرة منذ عمليتها العسكرية المسماة “نبع السلام” في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019، حين توغل جيشها مقتطعاً أراض سورية عدتها إسطنبول منطقة آمنة، في مسعى إلى وقف مد قوات حماية الشعب الكردية ووقف تعاظم نفوذها، مع الحد من تهديداتها لحدودها الجنوبية، لا سيما بعد ما تلقت “قسد” دعماً متنامياً من قبل قوات التحالف الدولي في حربها ضد “تنظيم الدولة”.

السيادة على الأرض

الشهية التركية للانقضاض على تلك البلدة الريفية شمال مدينة الرقة والتي تبعد ما يزيد على 50 كيلومتراً، وتعد ناحية تتبع لمنطقة تل أبيض مغرية بما فيه الكفاية لدرجة أكملت العملية المزمع إطلاقها بقوام 35 ألف جندي، مع مساندة من قوات المعارضة السورية التي يطلق عليها “الجيش الوطني” المدعوم تركياً.

خط البداية للهجوم التركي كما هو متوقع يبدأ من تلك البلدة، ليس لكون عين عيسى تحمل بُعداً معنوياً كأحد أبرز معاقل قوات سوريا الديمقراطية الخارجة عن سيطرة السلطة بدمشق، بل تتركز أهميتها كما يرى مراقبون في أنها تربط مناطق تسيطر عليها الإدارة الذاتية على ضفاف الفرات.

وفي حال أطبقت أنقرة عليها ستعمل على تقطيع أوصال المدن والبلدات وتفقد الاتصال فيما بينها وتعزلها، علاوة عن كونها بوابة، ظلت إلى اليوم مثار مناوشات حربية على تخوم البلدة، أو بالاتجاه نحو عملية خاطفة في تل رفعت أو منبج في ريف حلب.

من جهة ثانية، يرى خبراء في الميدان أن السيطرة على مدينة منبج في ريف حلب الشرقي سيقطع الطريق الكردي السالك بشكل نهائي بين شرق الفرات وغربه، ويقضي على أي حلم انفصالي للأكراد عن الوطن الأم.

في المقابل، تفصح التطورات الأخيرة والمتسارعة على ساحة الشمال الشرقي للبلاد إلى أن بارود المعركة على أهبة الاشتعال، بينما يجزم مراقبون بنجاح تفاهمات غير معلنة بشكل رسمي بين دمشق و”قسد” وأنها باتت أمراً واقعاً برعاية روسية.

وتشي المعلومات الواردة عن مبادرة للوثيقة الوطنية تشرف عليها شخصيات من المكون الكردي، هدفها تجنيب ما تبقى من أراض تقبع تحت سيطرة الإدارة الذاتية، وتسليمها للجيش النظامي اتقاء لأي عمل جديد.

التفاهم والتباين

من جهة ثانية، أطلت شخصيات سياسية للجناح السياسي في “قسد” لتعرب عن ضرورة الحوار مع السلطات السورية، وسط تكتم وسرية عن نتائج المفاوضات بين الأطراف المنخرطة بالتفاهم.

ولم يخف رئيس مجلس سوريا الديمقراطية (مسد)، رياض درار الاستعداد للحوار من دون قيود، إذ تشير الأنباء عن وصول تعزيزات للقوات النظامية إلى بلدة عين عيسى، وتنبئ المعلومات أن القوات الكردية عليها الانسحاب خارج حدود البلدة.

وذكر نشطاء من المرصد السوري لحقوق الإنسان وصول التعزيزات إلى مناطق ريف منبج الشمالي على كامل خط الساجور من العريمة إلى معبر “عون الدادات” الذي يصل مناطق “قسد” بمناطق القوات النظامية، مع نشر قوات على طريق “ال إم 4” في قسمه المار من شرق مدينة منبج، في وقت أبدت القوى السياسية الكردية توافقاً على ضرورة التفاهم والحوار مع السلطات السورية في نهاية المطاف، وهو الموقف الذي عبر عنه قيادي بارز في حزب الاتحاد الديمقراطي آلدار خليل.

تكرار سيناريو عفرين

وفي حين يؤكد المتحدث الرسمي باسم المصالحة الوطنية السورية عمر رحمون في حديث إلى “اندبندنت عربية”، وجود جلسات حوار بين الأصدقاء الروس وسوريا وبين “قسد”، وهذا ما أفضى إلى إرسال وحدات من الجيش إلى منبج وعين عيسى.

وأردف، “لكن في تقديري أن قسد حتى اللحظة تناور، ولا تلتزم بما تم الاتفاق عليه، هناك حضور بمدينة منبج ويعرقلون تحرك الجيش ولا يفسحون له المجال ليقوم بواجبه، وفي تقديري أيضاً لا تزال قسد تلعب الدور نفسه الذي لعبته بعفرين”.

ويعتقد أن “قسد” مكشوفة عند التركي، ففي حال لم تسلم هذه المناطق لدمشق ستخرج منها رسمياً من دون أن يتوانى الجيش التركي بدهمها واحتلالها، “دخول الجيش السوري من دون خروج قسد لن يمنع الاحتلال، وعفرين خير مثال”.

وتتموضع مدينة عفرين الجبلية ذات غالبية من المكون الكردي في أقصى الزاوية الشمالية الغربية، وبمساحة 3850 كيلومتراً مربعاً، وهو ما يعادل اثنين بالمئة من إجمالي مساحة سوريا تقريباً، حيث سقطت المدينة بيد الأتراك قبل سنوات بعملية نبع السلام.

جاهزية أنقرة واتصالات دولية

في هذه الأثناء، تنظر أنقرة بعين الريبة والحذر من أي تقارب بين “قسد” ودمشق، وهذا إن حدث وجرى تسليم المناطق سيفوت على تركيا إنجاز مهمتها العسكرية، بخاصة أنها تأتي بدعم روسي، إذ أرسلت قاعدة حميميم 150 جندياً لها توزعوا في مناطق شمال شرقي سوريا.

 وبالتوازي مع هبوط مقاتلات سوخوي الروسية للمرة الأولى في مطار القامشلي، سبقه تحذير من الرئيس الأميركي جون بايدن للرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش اجتماع قمة العشرين في روما، من مغبة الإقدام على عمل يوتر العلاقات بين البلدين”.

وفي جانب متصل، تسعى موسكو إلى نزع فتيل المعركة كما واشنطن، ولعل مؤتمر سوتشي الأخير بين بوتين وأردوغان لم يصل إلى اتفاق مقنع، حيث تتجهز لعملية عسكرية هي الأخرى نحو إدلب، شمال غربي سوريا.

وعن مستقبل التفاهمات أو ما رشح عنها، يرى عضو المصالحة الوطنية والناطق باسمها رحمون، أن الجلسات متتالية لحوار وتفاهم بين الروس والسلطة و”قسد”، والشيء المعروف لديه هو إرسال مزيد من الوحدات العسكرية الى تلك المناطق من دون تغيير حقيقي في خريطة السيطرة، وهذا وحده غير كاف لمنع تقدم جيش الاحتلال التركي.

وهكذا تقود الترجيحات إلى عدم الإعلان عن أي بند من الاتفاق يأتي في سياق نجاح تام للمفاوضات السياسية التي سعت إليها روسيا بكل ثقلها، بعد زيارات متبادلة لوفود من الإدارة الذاتية وشخصيات روسية، في حين سيعلن عن بنود مكتوبة فور الوصول إلى اتفاق واضح المعالم.

 

 

 

المصدر: اندبندنت عربية