المصالح العربية وسياسات ترامب

21

كيف سيتعامل العالم العربي مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب؟ إن نظرة تحليلية لتوجهات ترامب سواء في الشرق الأوسط أو في العالم تؤكد أن على العرب، إذا أرادوا الانتقال إلى مرحلة أكثر إيجابية في علاقاتهم الدولية، أن يعيدوا حساباتهم في شأن ما يمكن تسميته بعث الفاعلية في السياسة العربية تجاه الآخر.

وأثبتت مواقف سابقة أن العلاقات الأميركية العربية دخلت في منعطفات خطيرة وكانت في السنوات الأخيرة في أسوأ أحوالها، على رغم أن باراك أوباما بدأ عهده بمحاولة التقرب إلى العرب ثم سرعان ما ظهرت نظرته الاستعلائية ووضحت مواقفه العدائية تجاه دول عربية عدة، الأمر الذي انعكس بالسلب على المصالح العربية، وهو ما يعنينا في هذا المجال. وهذا يجعلنا نتساءل عن مدى إمكان استغلال الحالة الترامبية (إذا جاز التعبير) لتطوير مفهوم المصلحة العربية ووضعه في الاتجاه الصحيح لتحسين العلاقات بين العالم العربي والولايات المتحدة، مع مراعاة ثوابت السياسة الأميركية بغض النظر عن خلفية من يسكن البيت الأبيض. وأهم هذه الثوابت العلاقة الراسخة بين أميركا وإسرائيل القائمة على ضمان أمن الدولة العبرية، فمهما اختلفت وجهات النظر بين الجانبين في شأن قضايا فرعية تظل المصلحة المشتركة بينهما قائمة في القضايا الأساسية. ومن تلك الثوابت أن الولايات المتحدة لم تعد تتورط في شكل مباشر في المنازعات والصراعات الإقليمية بعد فشل الإدارات الأميركية المتعاقبة في الصومال وأفغانستان والعراق، حيث أصبح العمل على توطين هذه الصراعات بين أطرافها الشغل الشاغل للديبلوماسية الأميركية. وثالث هذه الثوابت إعلاء الشأن الأميركي الداخلي ليحتل قائمة الأولويات لدى أي رئيس أميركي وتكريس السياسة الخارجية لتحقيق الاستقرار الداخلي.

وليس متوقعاً من الرئيس ترامب أن يخرج عن هذه الثوابت. لكن الجديد أن دونالد ترامب يتميز بقدرة فائقة على ترك الأبواب المواربة مع الآخرين على رغم ما يبدو عليه من تمسك بآرائه وتشدده في الأمور المتعلقة بالسياسة الداخلية، غير أنه أكثر مرونة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. وعلى مستوى العلاقات العربية – الأميركية نلاحظ أنه يقوم بإصلاح ما أفسدته إدارة أوباما بفتح مجال الحوار مع دول عدة، بينها مصر والسعودية التي بدأ بها جولاته الخارجية. ومن ثم نصل إلى بيت القصيد وهو كيفية تفعيل المصالح العربية المشتركة في مواجهة المصالح الأميركية؟

نقول: مصالح لا تتناقض ولكن تتكامل في شكل يحافظ على العلاقات بين الطرفين لجهة عدم الدخول في أي منعطفات خطرة محتملة في المستقبل.

وحتى يتم الأمر على النحو المرجو عربياً، لا بد أن نتفق على ضرورة توحيد المصالح العربية، خصوصاً أن هناك مستويين من التعامل الأميركي مع العرب، التعامل القُطري، أي مع كل دولة منفردة، والتعامل الجماعي، أي مع الدول العربية باعتبارها كياناً واحداً، وهو مستوى له علاقة بصورة العرب في الذهنية الأميركية. وكلما كانت هناك سياسة عربية موحدة كان مستويا التعامل متقاربين. وأرى أن جامعة الدول العربية لها دور مهم في تفعيل المصالح العربية المشتركة من حيث وضع استراتيجية ذات طابع عام (جماعي) في معالجة المواقف الأميركية المتوقعة تجاه العالم العربي.

وهذا ينقلنا إلى الإشارة إلى دور جماعات الضغط العربية في الولايات المتحدة، خصوصاً بالنسبة إلى تصحيح الصورة التي حاولت رسمها إدارة أوباما للعرب والمسلمين. فقد كانت صورة مشوهة تأثر بها إلى حد كبير الرئيس ترامب، فكان من أول قراراته منع دخول رعايا سبع دول، بينها ست دول عربية، إلى الأراضي الأميركية، وإن كنتُ أعتقد أن هذا القرار يمكن تجاوزه إلى درجة الرجوع عنه مع الوقت، ليس لأن هناك معارضة داخلية له بما يهدد بنشوب أزمة دستورية، ولكن أيضاً إذا تمّ تعاون في الترويج للصورة السليمة للمواطن العربي المسلم.

إبراهيم الصياد

المصدر: الحياة