المعارضة والناشطة النسوية السورية سعاد خبية: يؤسفنا أن يتم استغلال النساء كديكور من قبل المعارضة السورية.. وفي اللادولة تغيب الحقوق وتقهر النساء وتعنّف

56

لاتزال السياسيات السوريات يشتكين من ضعف حضور النساء في مراكز القرار والقيادة، وقد عبرن مرارا عن امتعاضهن من مواصلة استغلال النساء كديكور فقط للتمويه ولتسويق صورة إلى العالم تنافي الواقع.
وتطالب النسويات بإشراكهن الفعلي وإفساح المجال أمام كفاءاتهن لا تعيينهن على أساس المحاباة والقرابة أوالشكل واللون.
وترى المعارضة السياسية والناشطة النسوية السورية سعاد خبية، في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ المعارضة تعمّدت إقصاء النساء عن مختلف التجمعات واللقاءات، حيث ظل الحضور صوريا ..وأوضحت أن الواقع مخالف لما يُروّج حيث تعاني النساء التهميش واللامبالاة والعنف بشتى أنواعه.

س- مسيرة نضال للمرأة السورية قوبلت خطاها بالتهميش والإقصاء.. من سلب دورها وكيف يمكن استرجاعه اليوم لجعلها عنصرا فاعلا ومؤثرا؟

ج- يتحّمل النظام السوري كحاكم ومتحكم بالدولة ومؤسساتها وأدواتها وأسلحتها وقوانينها وبحركة وسياق الفاعلية المجتمعية والثقافية والسياسية والأمنية، المسؤولية الكاملة عن سلب المرأة السورية دورها كفاعل وحامل إنساني وثوري في حركة التغيير والاندفاع التي تحركت منذ 2011، كما يتحمل كامل المسؤولية عن أي جريمة طالت النساء حتى لو ارتكبها آخرون ضمن المشهد السوري لأنه هو من صنع المسرح وتحكم بعناصر الكادر، حيث تمت مواجهة النساء الثائرات أو المتمردات بالاعتقال والملاحقة والإهانة والتخويف والتهديد بانتهاك الذات الإنسانية وإهانتهن واغتصابهن وتهديد عائلتهن.. جرائم كثيرة طالت المرأة إضافة إلى الاعتقال والاخفاء القسري كالتشريد والتهجير والتجويع والحصار حيث تحملت تبعات كل ذلك وحيدة، وهذا لا ينفي أنّ هناك فواعل آخرين يتحملون قدرا كبيرا من المسؤولية وهم أصحاب الايديولوجيا والسلاح ..
في بداية الثورة السورية انطلقت المرأة السورية متجاوزة تابوهات وقيودا اجتماعية وقانونية وسياسية كثيرة وعميقة حتى كأنها تعيد خلق ذاتها وبعثها بعقلية وإرادة وأفكار جديدة، ولكن منذ انزياح الثورة نحو التسلح والعسكرة والأسلمة تغير المشهد حيث أجبرت على الانكفاء من جديد ، ليزداد الحيف والحصار مع غياب الدولة والقانون واتساع دائرة الفوضى وحكم سلطات الأمر الواقع.

س-كناشطة حقوقية، من المؤكد أنك تتابعين وضع المرأة في سورية اليوم حيث يتسم بالمأساوي في ظل الصراع وغياب الدولة وتوزع المليشيات الأجنبية وسطوة التنظيمات المتطرفة.. كيف يمكن تغيير واقعها والنهوض به لتشجيعها على تجاوز وضعها المتردي؟

ج-بالتأكيد لا يمكن بحالة الفوضى وانعدام مؤسسات الدولة وحالة عدم الاستقرار وغياب المرجعية القانونية أن تتحقق قفزات لتجاوز هذا الوضع الصعب للنساء، حيث نحن بحاجة إلى دولة وحل سياسي وإعادة دراسة القوانين السورية التمييزية المتعلقة بالمرأة لإحداث تغييرات على مستوى الدستور وجندرته وإعادة النظر بالقوانين كقانون الأحوال الشخصية وقانون القتل بدافع الشرف ولو أنه تم تعديل جزء منه لكن ظل هناك تشجيع على قتل النساء.. نحن بحجاة إلى سن قوانين لتجريم العنف ضد النساء وحمايتهن في أسرهن أيضا ويبدأ ذلك من الأعلى، من القانون والدولة ثم ننتقل إلى خلق حالة مجتمعية وثقافية تدعم النساء وتطوّر واقعهن لإحداث واقع جديد، ولا ننسى أن القوانين والإعلام يساهمان في خلق ثقافة مجتمعية فضلا عن دور الكتّاب والشخصيات الفكرية ومنظمات المجتمع المدني ، لكن الدور الأول يسند للدولة والقانون والدستور، لكننا اليوم نعيش حالة من الفوضى التي تشكل خطرا على واقع النساء.. يمكن العمل من خلال نافذة المنظمات ومايتاح من دروات تدريبية وورشات عمل ومشاركة حقيقية ولا ننسى أن هناك أموالا طائلة ضخّت من أجل تمكين النساء لكن الوضع بقي على حاله دون أن نلمس أي تغيير بل هناك تراجع ليظل حضورها السياسي منعدما وسطحيا وبقي وجودها بالساحة الفكرية والثقافية محدودا، كما لا ننسى الوضع الاقتصادي والأمني والقانوني، كلها أمور ضاغطة تدفع باتجاه تعميق الأزمة والواقع المأساوي الذي يمكن مواجهته بسن خطط استراتيجية مدروسة يتم العمل عليها عبر مراحل.

س-لماذا ظل إشراك النساء في العمل السياسي دون المطلوب وصوريا فقط؟

ج-ضمن مؤسسات المعارضة الرسمية والأحزاب والتجمعات وحتى النظام، لاحظت هذ الضعف في الوجود وأُرجعه إلى تلك العقلية الذكورية التي تتحكم في العمل السياسي حيث إن معظم الشخصيات لاتزال تنظر للمرأة كونها عنصرا تزيينيا، لكن لا يوجد ايمان حقيقي بقدرتها على العمل ولا توجد قناعة بأن هناك علاقة ندّية بين الرجال والنساء في العمل السياسي تقوم على فكرة المساواة وتكافؤ الفرص والعدالة وليس على فكرة التنافس غير الشريف، حيث يتظاهرون بأن هناك مساحة لمشاركة المرأة لكن دون إسناد فعلي ودون تقديم الأدوات الكافية والإمكانيات بل العكس تماما، حيث توجد قناعة ضمنية مفادها أنّ سيدة أو سيدتين فقط تكونان بالواجهة حتى تُبرز تلك الجهات للمجتمع الدولي أنها تحترم المرأة وتسعى إلى تفعيل دورها وإفساح المجال أمامها لتتبوأ مراكز في صنع القرار..
أتذكر تجربة خضتها شخصيا مؤخرا بعد أن تم انتخابي كرئيسة تنفيذية في أحد المشاريع السياسية غير الرسمية وما عايشته، حيث شُن ضدي هجوم ماحق من قبل بعض الشخصيات التي تتشدق بالديمقراطية وهمّش دوري وتم الانقلاب عليّ بطريقة غير مقبولة وإبعادي عن هذا المنصب..
في الحقل السياسي يرون أن النساء يجب أن يكنّ تابعات، في الصف الثاني، في ظل حالة نفاق سياسي حيث أن الظاهر عكس المخفي.. والوضع أسوأ ضمن مؤسسات المعارضة.. إذن هناك إهانة حقيقية للنساء وجب العمل على محاربتها والتصدي للفكر الاقصائي التمييزي العنصري..

س-تعملين على تحفيز النساء وتأهيلهن والوعي بذواتهن لكسر القيود التي فرضها المجتمع الذكوري.. كيف يمكن دعم السوريات في خضم الحرب والظروف القاسية التي يعشنها لتحقيق ما يسعين إليه حتى منذ ما قبل الثورة؟

ج-الوعي هو القادر فعلا على خلق حالة جديدة وإعادة ترتيب عناصر الصورة، وهو الذي يُمكّن النساء من الحصول بأنفسهن على أدوراهن، حيث لا يمكن جلب أشخاص آخرين للدفاع عن حقوق النساء أوالحديث باسمهن وهن مغيبات.. الوعي بنظري ليس فقط بالتعليم، خاصة أن الاحصائيات الأخيرة تحدثت عن تراجع التعليم بالنسبة للنساء بفعل الحرب والصراع .. نعمل على توعية النساء بحقوقهن لكسر كل القيود التي تعيدهن إلى الوراء وتفرض وصايا عليهن وكأنهن أدوات ضعيفة يتم استغلالها لأغراض ما.. نسعى إلى تمكين النساء اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا وهن قادرات على ذلك، فقط وجب أن تتوفر الإمكانيات والدعم الحقيقي الذي يرتقي بالوعي كأبرز نقطة للانطلاق في الانتقال إلى ضفة أخرى تكون فيها المرأة حاضرة بقوة ومؤثرة وفاعلة.

س-تحدثتِ كثيرا عن قدرة النساء على خلق جيل متوازن سليم يؤمن بالحريات والمساواة التامة بين الجنسين، كيف ذلك سيما وأننا نعيش ضمن مجتمعات يغلب علبها الطابع الذكوري السلطوي الذي يرى في النساء ماكينة ولادة وعمل منزلي بل مجتمع تربى على عدم صون كرامة النساءـ والاستنقاص من دورهن في النهوض بالمجتمع؟

ج-أنا مؤمنة بالدور العميق للنساء ضمن إطار العائلة حتى يكون لهن مساهمتهن الإيجابية في خلق جيل متمتع بهامش وعي عالٍ وهامش فكري، لكن هذا الأمر يتوفر ضمن شروط تبدأ من أن تكون المرأة هي نفسها التي تعمل وتشرف على رفع وعيها وتطوير ذاتها وتسليحها بحقوق وقوانين تدعمها وتحميها وبالتالي حين تكون محمية قانونيا واجتماعيا ودستوريا وسياسيا ستكون قادرة على تربية جيل يؤمن ويحفظ هذه المسائل ويدافع عنها، حيث إن المرأة المعنفة المسلوبة الإرادة والحقوق لا يمكن أن تربي جيلا إلا ويكون خاضعا لما تعيشه هي حيث فاقد الشيء لا يعطيه، فبقدر عطائنا للنساء وتمكينهن سنجد نتائج نريدها وتخدم مجتمعاتنا ، أما التربية فهي شراكة بين الجنسين بطريقة متساوية ، بالتالي حركة المجتمع هي حركة متشابهة ومتكاملة وينهض بذلك التماسك ونشر قيم الوعي بشكل عام، لكن مجتمع الحرب يفرز حالة مخالفة وهي التي نعيشها بسورية.. نحن نعمل على إنهاء الحرب وخلق حالة من السلم الأهلي وتحصيل الحقوق والعدالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية لإعادة التوازن للمجتمع ككل لخلق مجتمع جديد بإنسان واعٍ مسؤول وسوي.

س-عُرفتِ بجرأتك وأنت التي أطلقت حملة مساندة لأهالي الغوطة الشرقية عام2018من قلب دمشق مقر النظام دون خوف.. في واقع تلك الأوضاع والمآسي ودموع الثكالى واليتامى كنت تستمدين القوة.. كيف واجهت ذلك؟

ج- نعم شاركت بحملات إعلامية وحملات مناصرة عديدة في مواجهة إجرام النظام السوري منذ بداية الثورة السورية وكنت أحد الفاعلين الرئيسيين من موقعي كمديرة لتنسيقية الثورة في الغوطة في فضح جرائمه داخل الغوطة. كما رفضت وواجهت إجرام أمراء وتجار الحرب ممن حملوا السلاح وحرفوا مسار الثورة وشوهوها بتأطيرها والزج بها ضمن ايديولوجيات سواء أكانت كانت دينية أو قومية أو إثنية، وكنت أراها دائما ثورة شعب من أجل دولة تحترم حقوق الانسان وتكرس لنظام عادل ديمقراطي ..تعرضت كغيري للاعتقال والملاحقة والتهديد.. صمدت بفعل إيماني بقوة الحق ورفضي للظلم والعنف من أي طرف دون محاباة.. كان دافعي الوحيد أنني أجسد انتمائي إلى الناس في طموحاتهم، وإلى الحياة في بهجتها الطبيعية، وإلى سورية في حريتها وانعتاقها..

س- هل نجحت المعارضة السورية في أداء غرضها الذي تشكلت من أجله وما ملاحظاتك على سنوات من العمل والنضال لفرض الحل على أساس القرارات الدولية؟

ج- نجحت الثورة الشعبية في بداية انطلاقتها في تقديم نفسها للعالم بشكل جميل وحقيقي ولائق حين كانت خارج دوائر المال والأجندات والمصالح وكان يقودها شباب وشابات لديهم حلم بجعل غدهم أجمل، وحين كانت تدافع عن الحياة، ولكن للأسف لم تجد من يمثلها بشكل حقيقي وقد تسلط على قيادتها من لم يكونوا يمثلون تطلعاتها حيث ركبها أصحاب الأجندات والمصالح ومن يفتقر إلى الخبرة والرؤية المستقبلية.. لقد تعددت الرسائل التي خرجت باسم الثورة وتناقضت حتى ضاع العالم في فهم ماهيتها ومن تكون.. بشكل عام لم تنجح المعارضة السورية في شيء بل كانت وبالا حقيقيا على الثورة وقد حيدت الشباب واستنزفتهم ، ولم تحقق أي تقدم في أيّ من الملفات الهامة إن كان بشأن الحل السياسي أو ملف المعتقلين أو سواهما .. لم تقدم مشروعا وطنيا بل كانت دائما تتصرف برد الفعل .

س- هل تتوقعين انفراج الوضع بسورية بحسب التغيرات الجيو سياسية الحاصلة؟

ج- الحل في سورية يبدأ وينتهي من السوريين أنفسهم من خلال إعادة النظر في طبيعة المسألة وتحديد العدو فيها وإعادة النظر في أدوات الصراع .. نحن لسنا شعبا مسلّحا بل شعب قام بثورة لاعُنفية ، ونمتلك من خلال هذا الموقع الكثير من الأوراق الرابحة وأدوات ووسائل النضال التي لم تستخدم بعد، ولايستطيع أحد التحكم بنا في سبيل الحصول عليها عندما نعود إلى العمل والضغط بشكل جمعي لاعُنفي على المجتمع الدولي ونقدم أنفسنا بصورة مختلفة عما قدمتنا به المعارضة السياسية والعسكرية.. حينها نعيد احترام العالم لنا واحترامنا لأنفسنا وتضحيات شعبنا الكبيرة ..نعم دائما هناك إمكانية للانفراج ومساحة للأمل والخلاص.