المعارض البارز ميشيل كيلو: مأساة الشعب أقدم من قانون قيصر والنظام السوري اعتاد على سياسة تجويع المواطنين.. وكل الأطراف في سورية أخذت حصتها باستثناء النظام والمعارضة

56

لن يعلن نهاية الحرب في سورية سوى أحد القوى الدولية الكبرى النافذة وهي أمريكا أو روسيا، بعد صراع دام سنوات على” حصصهما”، في هذا البلد المدمّر، كلا الطرفين يسعيان لاستعراض كل قوتهما وسيطرتهما على منطقة الشرق الأوسط، عبر سورية.

 

ويقول المتابع للشأن السوري أن الحرب السورية ستنتهي في غضون شهور إذ اتفق الطرفين، فمتى تنتهي الحرب، بل متى تتفق مصالح روسيا وأمريكا في دمشق؟

نكتب فوحدها الكتابة من حمت الحضارات من غبار النسيان، فالمنتصر هو من يكتب التاريخ، وحوارنا اليوم مع الكاتب والمؤرخ السوري البارز، المعارض ميشيل كيلو، حيث سيتحدث في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن القرارات الدولية التي لم تطبق ودور المعارضة ومسار اللجنة الدستورية وعن سورية كما يراها.

 

س- أستاذ ميشيل.. قلت في إحدى مقالاتك سابقا إن وجود بشار الأسد يتعارض مع وجود الشعب.. ماذا قصدت بذلك، وهل لازلت متمسّكا بهذا برغم كل هذه التغيرات على أرض الواقع وتمسك بعض القوى الدولية النافذة ببقاء الأسد؟

ج- فكرة التعارض الذي يبلغ حد التنافي بين النظام والشعب في سورية هي فكرة جوهرية لفهم ما يجري في البلد، وهي فكرة قديمة نتبناها منذ فترة طويلة لأن النظام يحتكر بالمطلق الحقل السياسي ولأنه أخرج الشعب من الشأن العام بالمطلق أيضا، وهذا في الحقيقة ما جعل النظام يستخدم السياسة باعتبارها آليات عنف، وليس الغرض منها هو إخراج العنف من المجال العام بل إدخال المجال العام إلى العنف وإدخال العنف إلى المجال العام، وامتلاء المجال العام بالعنف وحده باعتباره السياسة الوحيدة التي يمارسها هذا النظام تجاه الشعب، كما ثبت خلال هذه الثورة عندما خرج الناس يطالبون بالإصلاح ويذكّرون النظام بأن وعد الحرية هو أحد شعاراته التي قال بها منذ 1947″ :وحدة حرية اشتراكية “، وحين ذكّروه رد عليهم بالرصاص أي بالطريقة التي تؤدي إلى إخراجهم من هذا الحيز الذي دخلوا إليه والذي يتصل بالشأن العام، وقد دمر سورية كما نرى جميعنا وأثبت فعلياً أن لديه سياسة واحدة هي سياسة التنافي ..عندما يكون موجوداً يجب أن يغيب الشعب، وإذا حضر الشعب كان من الحتم أن يغيب هذا النظام .. أما أنني يمكن أن أراجع هذا الموقف، فلا ولن أراجعه لأنه ثبت بالدليل الملموس أنه موقف صحيح، والمعركة في بلادنا على كل حال لا تزال مستمرة وهي تستمدّ شرعيتها من أن أقلية تمسك بالسلطة مسلحة ومعبأة ومنظمة لا تستطيع أن تحكم أغلبية إلى الأبد إذا كانت هذه الأغلبية ترفضها وكانت بدورها تعي أن عليها أن تتقدم نحو توحيد نفسها وخلق مجال خاص بها بعيداً عن السلطة، وهذا يجب أن يكون ممكناً بالنسبة لنا نحن الذين نقدم للشعب أفكاراً نريد لها أن تسهم في تحرره.. النظام سيخسر لأنه لا توجد على وجه الأرض ولن توجد أقلية تحكم إلى الأبد .. الأغلبية ترفضها والنظام نظام أقلّوي بكل المعاني السياسية والإقتصادية والثقافية والإجتماعية وحتى المذهبية إذا شئنا، وفي النهاية هو سيذهب، والمعركة لم تنتهِ نحن لازلنا في المعركة..

س-من أين يبدأ الحلّ السلمي السياسي في سورية برأيك أستاذ ميشيل؟ هل يمرّ عبر رحيل الأسد أم عبر تطبيق القرار الأممي 2254؟

ج- الحّل يمرّ عبر تطبيق ‏القرارات الدولية حيث أصدر مجلس الأمن ‏في 30 حزيران 2012 ‏بموافقة الدول الخمس الكبيرة بما فيها روسيا، ‏‏بياناً يقول إن ‏الحل السياسي يبدأ في سورية ‏بتشكيل هيئة حاكمة ‏انتقالية ‏كاملة الصلاحيات التنفيذية ‏بتراضي الطرفين ‏تأخذ سورية ‏عبر مجموعة من ‏الآليات المدروسة ‏نحو انتقال ديمقراطي ‏تم تحديده بالاسم ‏كهدف للحل السياسي ‏ويحظى بضمانات الدول الخمس.. ‏نحن نطالب بتطبيق القرارات الدولية، انطلاقا من بيان جنيف ثم القرار التفسيري لبيان جنيف الذي حدد ‏آليات الحل

وهو ما يتمثّل في القرار 2254 الذي نطالب بتطبيقه وقد أعلن النظام قبوله ثمّ عطّله، وتحدث عن فرض وقف إطلاق النار لستة أشهر ولم تلتزم به مختلف الأطراف.

-النظام ضد الحل السياسي الذي يطبق القرارات الدولية لأن الأخيرة تتحدث بصريح العبارة عن هدف الإنتقال الذي هو الديمقراطية، نحن نريد حلاً يطبق قرارات دولية ونقف بجانب الشرعية في هذا العالم المجرم الذي تخلّى عن الشرعية والقانون والنظام الدولي وعن كل القيم والأسس التي قام عليها النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية وهو ينكل بنا الآن كما نرى جميعنا حتى يفرض علينا الأسد.

 

س-ماهي الدول التي تعرقل هذه التسوية السياسية للأزمة في سورية؟

ج-هناك دول لعبت دورا إيجابيا وعلى رأسها روسيا وإيران لإيجاد الحلّ السياسي، ودول تراهن على أخذ حصة تمكنها من أن تلعب دورا إقليميا عبر سورية، على رأسها دول الخليج وتركيا وإسرائيل، والدول الأخرى التي لاتقوم بأي شيء لتطبيق القرارات الدولية على رأسها أمريكا والدول الأوروبية.. فنحن في سورية قمنا بثورة في لحظة انعطاف المجتمع الدولي من نظام دولي قائم على العولمة والمشتركات والقوانين وعلى إيجاد سبل وحلول مشتركة،إلى نظام يمثله اليوم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومثّله بالأمس الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونرجو أن لايمثله الرئيس الجديد جوزيف بايدن، ويقوم على فكرة أن الدبلوماسية عاجزة على تحقيق أهداف السياسات الكبرى وأنه يجب فعلا على الدول الكبرى أن تستخدم القوة كوسيلة من وسائل الدبلوماسية وهو ما جرى في سورية وما نفذته الولايات المتحدة الأمريكية على امتداد عقود.. نحن قمنا بثورة تنتمي إلى عالم الانتقال الديمقراطي والحريات في عالم يرفض القانون والحريات حتى في بلدانهم الأساسية وخير دليل ما يقوم به ترامب اليوم في بلاده.

 

س- “هل يعوّل السوريون على الرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن في إيجاد حل سياسي بديلاً عن الحل العسكري؟ وهل ستتغير إدارة الأزمة في ظل تشكل إدارة جديدة؟

ج- الحقيقة أن بايدن قال مرارا إنه لن يكون الدور الثالث لحكم الرئيس الأسبق باراك أوباما، وفي تقديري الولايات المتحدة الأمريكية واصلت تنفيذ سياسة الفوضى الخلاقة التي بلورتها وتحدثت عنها كونداليزا رايس في فترة حكم بوش الابن عام 2003 وأعلنتها صراحة عام 2005، حين قالت إنها ستفكك النظام الإقليمي وستقع في منطقتنا أحداث تبعث على الهول، اليوم نجح مشروعها التخريبي في تفكيك دول المنطقة انطلاقا من العراق وصولا إلى سورية ومختلف دول المنطقة، فمصر غارقة في أزمتها وكل العالم العربي دخل في مرحلة تحطيم وتكسّر مستمر بجهود أمريكية – إيرانية، دون أن ننسى دور إسرائيل، وبجهود حكّامه المستبدين والمجرمين أيضا، والذروة بلغت فعليا بعملية التدمير التي بلغت حدتها في سورية، فإذا كان بايدن مقتنعا بأن عملية التفكيك قد انتهت وعليه إعادة بناء الدول المدمرة، فأعتقد أن أمريكا ستذهب نحو الحل، أما إذا كان التفكيك سيذهب نحو الخليج المتحامي بإسرائيل أو مناطق عربية أخرى فأتصور أن العملية ستستمر ولن يكون هناك حلّ سياسي سلمي سريع، ومن يراقب الوضع في سورية يلاحظ أن الأطراف المنخرطة في الصراع تمتّع كل منها بحصته وأن موضوع الحلّ لم يعد مسألة ملحة لأن من كان يعتقد أن المتحاصصين سيحصلون على نصيبهم من الحل يرى الآن أنهم أخذوا ما يريدون وانتهت مهامهم وأهدافهم الكبرى.

س- هل من الممكن أن تلعب أوروبا دوراً فاعلاً في الفترة القادمة؟

ج-إذا قام تفاهم أوروبي – أمريكي فسيكون هناك استعادة للعلاقات الأوروبية الأمريكية على قاعدة القيادة الأمريكية للعالم التي تحدث عنها جوزيف بايدن، لكني أعتقد أن أوروبا مستقيلة من الصراعات الدولية وتريد أن تبقى بعيدة عنها ربما لأنها لا تملك إرادة وجيشا موحّدا وسياسة ولا قيادة موحدة أو اقتصادا قويا ولا ترغب في الزج بنفسها في صراعات لا يمكن أن تتحكم فيها فيما بعد وطرفاها واشنطن وموسكو.

 

س-هل ستكون هناك مساومات وترتيبات مع الأطراف الفاعلة في القضية السورية برأيك ؟

ج- بدون أي شك ستكون هناك تدخّلات بين الأطراف المنخرطة في الصراع السوري، فكل طرف أخذ حصته، روسيا وإيران وأمريكا، والمتابع للشأن السوري يفهم أن المعارضة والنظام طرفان مهددان ولم يأخذا أي حصة، وخصوصا المعارضة في حال استمرت على واقعها الراهن وإذ أخذت شيئا فسيكون عبر تركيا كما النظام عبر روسيا وهذا سيناريو مستبعد.

 

س- مراقبون يرون أن أمريكا قادرة على مساومة إيران لغض الطرف عن سورية مقابل البرنامج النووي.. هل تتفق مع هذه الرؤية ؟

ج- يمكن القول إن أمريكا لديها مداخل كثيرة على إيران غير النووي، الخليج وبحر الخليج وباكستان والعراق ومختلف الدول، أما بسورية فلديها المدخل الإسرائيلي المهم، وواشنطن لن تحصر سياساتها بالنووي والأخير أداة أمريكية لوضع حد للتقدم التقني الإيراني والتقدم في الأسلحة الإيرانية، وفي الوقت نفسه تعرض النظام الإيراني لضغوط كبيرة إلى درجة يمكن أن تؤدي إلى انفكاك كل الجمهور الإيراني عن قيادته ولا أحد يعرف ما سيترتب على ذلك.. أعتقد أن السياسة الأمريكية بسورية لا تتجه نحو الاعتراف بالإيرانيين خاصة وأن الإيرانيين ينظرون إلى المسألة السورية من منظور أمني وطائفي ومذهبي، والأمريكان عبروا منذ فترة أوباما عن رفضهم للمدّ الشيعي وأنهم لن يسمحوا لإيران بالتربع في سورية باعتبارها طرفا شيعيا ولن يسمحوا بذلك-وفق ما أكده ترامب- باعتبار إيران قوة أمنية وعسكرية وإقليمية مهيمنة وقوة قادرة على دمج المنطقة كما تفعل اليوم ومنذ 40عاما، وسورية قد تكون نقطة ضعف لإيران خاصة إذا صار حل سياسي وأعطي الشعب السوري بعض حقوقه لأن الأخير سيخرج إيران بكل بساطة باعتبار رفض السوريين للوجود الإيراني ونفوذه، فلا أتصور وجود مساومة أمريكية – إيرانية لتظل طهران بسورية، علما أن طهران تمتلك أسلحة تستطيع أن تصل إلى مساحات واسعة، أي أسلحة باليستية وصواريخ ومن يمتلك هذه الصواريخ يمتلك قنابل نووية أو ينوي صناعتها.

أتصور أن المطلب الأمريكي واضح.. لا لصناعة أسلحة نووية ولا لصواريخ يمكن أن تنقل هذه الأسلحة إلى أماكن بعيدة، ولا لتمدد إيراني أمني وعسكري، وبالتالي إمبراطور في المنطقة، لكن لا ننسى أن هناك دورا تجاريا وسياحيا وسياسيا ومذهبيا لإيران على دول المنطقة دون أن تكون دولة مهيمنة، وهذا هو جوهر المساومة الذي تقدمه واشنطن لإيران “وليس تخلوا عن النووي نعطيكم سورية”، وموقف أمريكا واضح مفاده لا سلاح نووي ولو أدى ذلك إلى تدمير إيران عن بكرة أبيها، وأعتقد أنه خط أحمر لن تستطيع إيران تجاوزه.

 

س- بماذا تفسرون غياب الجامعة العربية عن القيام بدور محوري لإنهاء الصراع في سورية؟

ج- الجامعة العربية قامت بمبادرة عام 2012 كان جزء منها أن يتخلى بشار الأسد عن السلطة لنائبه فاروق، وأن يسحب الجيش العربي السوري من المدن ويقبل بعملية الإصلاح وبتغيير النظام السياسي وتطبيق البنود الستّة التي كانت معروفة، لكن هذه الجامعة ليس لديها دور فاعل لأنها لا تملك أدوات الفعل، لا جيش ولا قوات ولا قدرة اقتصادية كبرى، ونعلم جميعنا أن الدول العربية منقسمة بخصوص وضع سورية كما هي منقسمة على كل الأوضاع في العالم العربي وبالتالي الجامعة هي كيان معطل لأن تصويت أي دولة بالجامعة ضد أي قرار كاف لدحض قراراتها وعدم تطبيقها .

اليوم في صلب الجامعة هناك دول تدافع عن النظام السوري، وبهذا المعنى لم تستطيع الجامعة أن تفعل شيئا، فهي لم تنجح في استباق أي حدث عربيا بمنع حدوثه ومنع الفوضى التي قد تنجر عنه، هي مؤسسة معطلة، فحين تأسست عام 1945 قيل إن هدفها حتى هو ألاّ تكون هناك وحدة عربية بين الدول وحتى تلعب دورها بإحباط جهود العرب نحو الوحدة، وذلك الكلام لم يكن خطأ، إنها عبارة عن جسم يعوم فوق الخلافات العربية ليس له أي تأثير ولا دور لكبح مختلف الصراعات.

 

س- تنظر المعارضة السورية إلى المؤشرات التي تنبئ باحتمال حدوث تقارب سياسي بين تركيا والسعودية بإيجابية، وتبدي أوساط فيها ارتياحاً واسعاً لتوالي ظهور هذه المؤشرات التي من شأنها إزالة الخلافات بين أنقرة والرياض.. برأيك هل يمكن لأي التقاء في المصالح التركية السعودية أن يعود بالنفع على القضية السورية، لأن المملكة تشكل ثقلاً عربياً، وتركيا تعد من أبرز داعمي المعارضة السورية؟

ج- لاشك في أن تحسّن العلاقات بين السعودية لما لها من وزن بالخليج، وتركيا، يمكن أن يسهم بإضافة عنصر جديد إلى العناصر التي يمكن أن تقدم شيئا من الانفراج للشعب السوري، على الأقل شيئا من الدعم والحماية والمساعدة، لكن القضايا المختلف عليها بين الرياض وأنقرة قضايا ليس بسيطة حيث لن تقبل السعودية بحال من الأحوال بأن يكون هناك نظام في سورية يخضع لتأثير جماعة “الإخوان المسلمين” أو التيارات الإسلامية ورهان تركيا أنها ستلعب دورا في سورية يؤدي إلى شراكة بين”الإخوان” والنظام، هذا ما تعارضه السعودية.. فهل ستتفق السعودية وتركيا على حل وسط في هذا المسألة بحيث تستبدل تركيا النفوذ الداخلي من خلال “الإخوان” بنفوذها من خلال كونها دولة جارة ولديها حضور في دمشق واقتصاد قوي ولديها علاقات تاريخية مع الشعب السوري؟.. بكل الأحوال أي انفراج بالواقع العربي يمكن أن يلعب دورا لمصلحة الشعب السوري المظلوم.

 

س-أستاذ ميشيل، هل حلّ الخلاف بين تركيا وقسد، من شأنه أن يؤدي في النهاية إلى تحالف المعارضة السورية مع تركيا، ما من شأنه تشكيل تكتل قوى بمقابل النظام السوري؟

ج- المصالحة مع قوات سوريا الديمقراطية من الممكن أن تؤسس لشيء مهم وهو سيناريو مطروح وأعتقد أن هناك وجهين يجعلان من الصعب الوصول إلى تفاهم بين الطرفين، الأول أن من يمثل الشعب السوري اليوم هو الإئتلاف المعارض بشكل خاص، لا يؤمن بأن نمط الدولة السورية القادم سيتعيّن عبر حوار وطني سوري يشارك فيه الكرد، بالمقابل يعتقد الكرد أنهم أمسكوا بورقة مهمة تعطيهم حقوقا أكبر من دورهم الحقيقي وهي ورقة 30 بالمائة من مساحة سورية وأن تحالفهم وعلاقاتهم الدولية يمكن أن تشكل عنصرا ضاغطا، يحميهم من جهة ويتيح لهم الوصول إلى أهدافهم دون تفاهم مع بقية السوريين في حال رفضوا التفاهم، وأقول إن الإئتلاف لم يقم بالجهد الكافي للتفاهم معهم، وأمام هذا الإستعصاء من الجانبين أعتقد أنه من الصعب أن يقوم تحالف بينهما ويُحتمل أن تقنع روسيا تركيا بأن عودة شرق الفرات إلى النظام ستعيد الوضع الكردي إلى ما كان عليه قبل الثورة وبالتالي سيضمن النظام في دمشق أن الكرد لا يشكلون تهديدا للأمن القومي التركي .. هذا الاحتمال مستبعد كثيرا.

 

س- ماحقيقة تسييس القضايا الإنسانية في سورية لتحقيق مآرب سياسية على حساب معاناة السوريين؟

ج- التسييس يأخذ أشكالا مختلفة، من جهة يستغل النظام المأساة الإنسانية ليقول إنها ترتبت عن الإرهاب، وإن ليس له من همّ غير حماية الشعب السوري من الإرهاب.. كلنا نتذكر أنه في بداية الثورة قال النظام إن هناك مندسين وإنه يعمل على حماية السوري من هؤلاء، واليوم ونتيجة المعركة مع هؤلاء “المندسين”لم يبقَ في سورية شعب، إما قتلى أو مهجرون أو لاجئون أو مساجين أو مختفون، بينما تمتلئ سورية بهؤلاء من أسماهم النظام “مندسين”، علما أن الإرهابيين الموجودين اليوم خارج مناطق النظام كانت مهمتهم فعليا القضاء على ثورة الحرية والكرامة، وثانيا نقول إن هناك تجارة بالقضية الإنسانية في بعض الدول التي تتلاعب بقضية اللاجئين وتبتز العالم وتأخذ باسمهم مساعدات مالية عالمية لا يصل منها شيء إلى هؤلاء كما يحدث في لبنان، حيث لا يصل ما يجب أن يصلهم برغم أنها نقود بلدهم من الودائع الموضوعة في المصارف اللبنانية والتي تقدرها أمريكا بـ 60 إلى 70مليار دولار، وإذا ذهبنا جنوبا إلى الأردن فإن الوضع أفضل لكنه أيضا لا يصل اليوم ما يجب، وفي تركيا أيضا الوضع مختلف حيث إن غالبية السوريين يسكنون في بيوت، فقط 10بالمائة يعيشون في مخيمات، وحصلت تركيا إلى الآن على 50 مليار يورو من أوروبا والأمم المتحدة والولايات المتحدة، لا أعرف ما وصل منها إلى اللاجئين، لكني أعتقد أنه لم يصلهم سوى القليل القليل.

 

س- فرضت الولايات المتحدة حزمة من العقوبات الجديدة على أفراد وكيانات سورية، منها شركات عاملة في قطاع النفط، وذلك في إطار قانون “قيصر” الأميركي، لاتهامهم بدعم إنتاج النفط السوري لحساب النظام .. ألا ترى أن هذه العقوبات قد أضرت ومسّت قوت السوريين أكثر من إلحاقها الضرر بالنظام ؟

ج- مأساة الشعب أقدم من قانون قيصر، المأساة ترجع إلى النظام حيث إن مستوى معيشة السوري منذ قبل الثورة صعبة وانحدر خلال الخمس سنوات قبل 2011 بنسبة 28 بالمائة بالقياس مع معيشته عام 2000، ونعلم جميعنا أن النظام بنى سياسته منذ البداية على معاقبة الشعب الثائر فاعتقل أبناءه واقتحم بيوته ودمّرها وصادر مصادر معيشته ودمر وسائل إنتاجه.. إنها المأساة الفعلية، وهذا موثق بشهادات وبمئات الحالات.. مصيبة الشعب السوري لا علاقة لها بقيصر وإنّ كان النظام يعمل حتى يلقي كل العبء على القانون وتطبيقه، هذا القانون لا يمنع استيراد المواد الغذائية والأدوية وكل ما من شأنه أن يسهم في تقديم خدمات للسوريين، إذ يعاقب فقط النظام والمتعاونين معه ولا يعاقب الشعب ولا المنتج ولا الفلاح، وقد اعترف النظام منذ فترة بأن قيصر لم يجوّع الشعب بل أموال السوريين المحجوزة بلبنان هي السبب.

التجويع، هي سياسة ممنهجة ونحن لن ننسى الحصار الذي كان مفروضا على 3 ملايين سوري في المناطق المحاصرة وتخيير السوري بين الركوع أو الجوع فركعت هذه المناطق للجوع ..الناس تغذت من أوراق الشجر.

 

س- هل تلمسون وعيا جماعيا وهل هناك مؤشرات لترك لغة السلاح والمعارضة المتصلبة من أجل مخرج تاريخي للأزمة في سورية؟

ج- لغة السلاح فرضت على السوريين فرضا منذ أول يوم انتفض فيه الشعب السوري عبر ثورة سلمية، وعندما نزل السوري للشارع لم يطالب بإسقاط النظام بل طالب بالإصلاح والحرية التي وعد بها حزب البعث السوريين منذ عام 1947 بعد أن حوّل بلادهم إلى معسكر اعتقال بعد 1963، فواجههم بالسلاح والقتال والخطف .. منذ البداية كان للنظام خيار عسكري أمني.

بكل الأحوال عندها استخدم الشعب السوري السلاح لكي يصد عنه الأذى خاصة عندما تخلص من “الجيش الحر”.. فحين لجأ السوري إلى السلاح، بعد فترة قصيرة ذهب في الاتجاه الخطأ للأسف، كان يجب اللجوء إلى المقاومة أي إخضاع البندقية لسياسة واضحة وبرنامج سياسي واضح وليس للعسكرة التي تزيح السياسة والسياسيين جانبا وتضع البندقية في أيدي أشخاص ليس لديهم وعي سياسي حقيقي ولايفقهون معنى الثورة وتكتيكات الثورات حتى تنجح وتنتصر فحدثت الفوضى التي وصل إليها البلد.

 

س- ماذا إن تواصل تعطيل أعمال اللجنة الدستورية وعدم التوصل إلى إنهاء صياغة الدستور الجديد قبل الانتخابات التي ينوي النظام إجراؤها في يونيو المقبل؟ هل ستشارك المعارضة بدستور 2012 الذي لا تعترف به أصلا؟

ج-اللجنة الدستورية لن تنتج شيئا، وبشار الأسد يعدّ لإعادة انتخابه في انتخابات يونيو المقبل، ولافروف عندما زار سورية منذ فترة- وكان الراحل وليد المعلم لايزال على قيد الحياة – قال إن انتخابات سورية مسألة سيادية ولا علاقة للأمم المتحدة أو المفاوضات بها.

تقديري للواقع بسورية أنه لا وجود لحل مستعجل لأن كل طرف أخذ حصته والدول أضحت غير راغبة في الذهاب إلى حل لأنه يفجر خلافات عريضة بينها.. الآن يمسك كل طرف بالمنطقة التي يريدها طبعا.. وإذ كان اليوم لافروف يقول إن الإنتخابات الرئاسية مسألة سيادية لا علاقة لها بالمفاوضات واللجنة الدستورية لديها وقت مفتوح للتشاور، فلماذا يذهبون إلى اللجنة بجنيف؟ لا أدري لماذا لا يفاوضون بدائل تجعل مسألة الدستور مرتبطة بالهيئة الحاكمة الانتقالية التي يقول بيان جنيف والقرار 2218 و2254 إن من سيؤسس الدستور هي هذه اللجنة الحاكمة التي قفز الإئتلاف عليها وذهب إلى سلال مستوياتها تبدو اليوم فارغة.