المعارض السوري نمرود سليمان: نريد نظاما “بدون نجمة أو لحية”.. والدول النافذة لا تريد حلا بل تهدف إلى إطالة أمد الحرب والدمار

225

لم تتأخر الأحداث التي شهدتها سورية عقب الثورة التي اندلعت في مارس/آذار 2011 لتظهر تجلياتها في الواقع السوري، وسرعان ما اتخذت الثورة منعطفا تاريخيا ألقى بظلاله على البلد بأكمله. المعارض السوري نمرود سليمان يتحدث في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن الخراب والدول المتورطة فيه التي تسعى إلى إطالة أمد الحرب لأسباب سياسية زادت الشرخ فيه.

ويرى المعارض البارز أنه تم تدويل القضية السورية منذ 2012 وأن الإرادات الوطنية في الحلّ سقطت، بمعنى أن “طرفي الصراع قد سُلبت إرادتهما، إذ أصبحت القضية مرتهنة إلى إرادات دولية: أمريكا في الشمال الشرقي وروسيا في الساحل، وتركيا في الشمال الغربي وإيران في الوسط.. هذه الدول صاحبة النفوذ ليست جاهزة لإيجاد توافقات لأن القضية ليست من أولوياتها، ليبقى الشعب السوري تبعا لذلك، هو وحده من يدفع الثمن غاليا من وجوده ومعاناته المتصاعدة حدتها يوما بعد يوم”.

ولفت سليمان إلى أن “أمريكا لديها أولويات أهم من سورية كالانتخابات، شأنها شأن تركيا الغارقة في المشاكل الاقتصادية، وكذلك إيران التي تعاني مأزقا اقتصاديا إضافة إلى العقوبات والشرنقة الضيقة على أعناق النظام. وتأسيسا على ذلك، لا أحد جاهز للحل -هذا إذا افترضنا وجود حد أدنى من حسن النوايا أصلا- وسنبقى نحن السوريين ندفع الثمن. لذلك، لا مستقبل لما يسمى الثورة أو الانتفاضة بعد عملية التدويل”.

وتحدث المعارض السوري المخضرم عن الاتفاقيات الدولية، وفي مقدمتها جنيف، لتحقيق الحل السياسي السلمي في سورية وإنهاء الصراع القائم منذ 10 سنوات، حيث بدأت الجولات بجنيف لتتوقف بعد التدخل الروسي عام 2015 الذي غيّر موازين القوى على الأرض، ما أنتج واقعا سياسيا جديدا، دفع بالروس إلى إنتاج ما يسمى بمحادثات أستانة التي تشبه “الابنة الشرعية” للرؤية السياسية الروسية، حيث استطاعت موسكو أن تضم في أستانة كلا من إيران وتركيا، وأصبح الحل بيدهم.

وأضاف أن الحل الدولي انتقل من مسار جنيف إلى الشأن الثلاثي الايراني-التركي-الروسي، وهو ما انعكس سلبا على القضية، علما أن المحصلة النهائية لأستانة أنتجت أكثر مما أنتجته جنيف، وأيضا سوتشي، لتظل أدوات التنفيذ روسية تركية حصرا بحيث لا تستطيع أي دولة دعوة المعارضة السورية إلى الذهاب إلى لجنة التفاوض غير تركيا، على حد قوله.

وأشار نمرود سليمان إلى أن أستانة وجنيف وسوتشي هي أيضا نتاج للحالة العسكرية في سورية، مضيفا: “وبما أن الحل دولي وهذه الدول لديها خلافات كبيرة جدا، لذلك لا تستطيع أن تقوم بشيء، خاصة أن أمريكا لم يكن تدخلها كبيرا في سورية، لكنها قادرة على تعطيل أي اتفاق لا يرضيها، بمعنى لا أستانة ولا سوتشي ولا غيرهما ناضج وقادر على إنهاء النزاع وإيجاد الحلول”.

وأضاف: “نحن الآن بانتظار أواخر شهر أغسطس/آب، حيث من المنتظر أن تجتمع فيه اللجنة الدستورية للبحث في الحل، وفي غياب توافق بين الدول صاحبة النفوذ، أتوقع عدم الوصول إلى أي نتيجة، ويبدو أن الأمريكان يريدون ترحيل كل المسائل العالقة في العالم إلى ما بعد الانتخابات ومن بينها القضية السورية”.

ويرى نمرود سليمان أن الواقع العربي بشأن عام -وسورية بشكل خاص- لا توجد فيه بيئة سياسية قادرة على إنتاج معارضة سياسية ناجعة وسليمة، حيث هناك نوعان من المعارضة، أولهما معارضة تخرج من رحم الوطن نتيجة الوضع السياسي وأخرى تُزرع في رحم الوطن من قبل الدول صاحبة النفوذ، مضيفا: “للأسف مع عملية التدويل التي مهدت لها جامعة الدول العربية أصبحت الدول الكبرى العالمية أو الاقليمية تسعى إلى السيطرة تبعا لواقع نفوذها، لذلك زرعت المعارضة التي تريدها في رحم التربة السورية وعلى السوريين التمييز بين المعارضتين سابقتي الذكر”.

واعتبر سليمان أن أغلب المعارضات الموجودة في الساحة “مزروعة وليست بنت التربة السورية، والدليل على ذلك، تلك المواقف التي تسجّلها”، متسائلا: “هل يوجد سوري يفكّر حقّا بسورية ويوافق على إرسال نحو 15 ألف مواطن للقتال في ليبيا أو في أي أرض عربية آخرى؟ هذه إرادة دولية وإرادة تركية”.

ويقر السياسي السوري بأنه لا توجد معارضة سورية بمشروع سياسي سوري يحقق الأهداف التي قام من اجلها السوريين، مذكرا بـ”التضحيات التي قدمها السوريون، وهي تضحيات لم يقدمها أي شعب آخر في العالم لا في التاريخ القديم ولا الحديث، حيث استمرت الحرب أكثر من الحربين العالميتين، وبرغم ذلك لم ينتج عن كل هذه المآسي معارضة تمثل ما يدور في عقول شعب انتفض وضحّى”. وأوضح أن “سبب الدمار الحاصل في سورية، هو عدم وجود معارضة واقعية سورية”.

ووصف المعارض السوري الخراب الذي عاشته سورية بـ”الكارثي” الذي زاده وباء كورونا يأسا وبؤسا، وسياسة الحصار الممتدة ألما ومعاناة، مشيرا إلى غياب أي بادرة إعمار “لأن الدول صاحبة النفوذ لم تتفق إلى حد اللحظة على تقسيم الكعكة السورية، وتدّعي تلك الدول أن إعادة الإعمار لن تكون إلا بعد الحل السياسي باعتبار يقينها أنها لن تتفق قبل ضمان كل طرف مطامعه”.

وأشار نمرود إلى الأوضاع الإنسانية السيئة في سورية، حيث يعاني الشعب نقصا في كامل المواد الأساسية، إضافة إلى الغلاء الفاحش خاصة مع ارتفاع سعر الدولار وهبوط قيمة الليرة السورية هبوطا حادا، ما أدى إلى زيادة نسب الجرائم وقتامة الوضع، معربا عن أسفه الشديد “لعدم ظهور أي بوادر انفراج في الأزمة السياسية المستمرة والمتداخلة مع بقية الأوضاع في المنطقة العربية، حيث إنه “لا يمكن الاتفاق على حل في سوريا دون الاتفاق على حل في ليبيا ولبنان والعراق وغيرها، بمعنى أن المنطقة كلها بالنسبة للأمريكي والروسي والتركي والإيراني هي نقطة واحدة تتأثر ببعضها”.

وكشف نمرود حقيقة المساعي التركية والإيرانية تحت لافتات دينية لتثبيت مكاسب جيوسياسية، ما يزيد الشرخ السوري، فضلا عن المصالح الاقتصادية، ما يسدل على المشهد العربي حالة سوداوية، مؤكدا أن “الحل بسورية يلعب الدور المفتاحي لأنه النقطة المركزية في ما آلت إليه الأوضاع بصفة عامة”.

وتحدث سليمان عن السياسة الخارجية الأمريكية التي تُشل حين تدخل عامها الانتخابي، حيث “لا أحد قادر على التصرف خارج الإرادة الأمريكية وكذلك تركيا وإيران وروسيا وهي الأطراف المتورطة في أكثر من منطقة، لذلك هذا المشهد لا يوحي بأي أفق للحل”. وبخصوص قانون قيصر، قال السياسي السوري إن “من يدفع الثمن من الحصارات السياسية والاقتصادية ومثل هذه القوانين، ليس الأنظمة بل الشعوب، فالنظام لن يجوع بل سيستغل القانون كحجة لتبرير الغلاء والأزمة الاقتصادية الخانقة والجوع الذي يضرب السوري”، مشيرا إلى أن قانون قيصر “قد تحول إلى شماعة يعلق عليها النظام سلبياته، في حين أن الخاسر الأكبر هو الشعب”.

وبشأن النظام السياسي الأنسب لسورية، استشهد سليمان بقول الكاتب السوري محمد الماغوط، إن “الأمة العربية مبتلية باثنين: أبو النجمة بمعنى النظام العسكري الذي يقلع الأظافر، وأبو اللحية الذي يقطع الأعناق”، وأضاف: “أنا لا أريد لا أبو النجمة ولا أبو اللحية.. أنا أرغب في نظام بدون نجمة وبدون لحية، لا يفكر إلا في قضية الشعب السوري”.