المفكّر السوري منذر اسبر: الائتلاف فشل في قيادة نفسه متحولا إلى موظفين لدى الجهات الخارجية الداعمة له ماليا وسياسيا.. العقوبات الاقتصادية لم تؤثّر على الطبقة الحاكمة بل جوّعت الشعب

67

يقول معارضون سوريون إنّ الأزمة السورية ستجد طريقها إلى الحّل عبر القرارات الدولية التي تمّ إقرارها وذلك لن يتحقّق إلا بوجود جسم سياسي معارض قوي ومؤثّر يلتف حول موقف موحّد يواجه مختلف المتغيرات السياسية الحاصلة، إلا انه رغم كل محاولات الإصلاح فقد ظّل هذا الجسم المعارض ‘مريضا’ غير واع بمطالب الثورة الحقيقية التي خرجت من رحم المعاناة والفقر والظلم، مطالب لم تستوعبها معارضة تلف العالم بحثا عن مصالح سياسية ضيّقة.

ويرى د. منذر ابومروان اسبر المفكّر والاكاديمي السوري المعارض في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ مشكلة الائتلاف السوري كونه نصّب نفسه الممثّل الوحيد والشرعي للشعب السورية في التفاوض، مرجعا صعبة إصلاح هذا الجسم إلى فشله في قيادة التفاوضية وفي التمثيلية الديمقراطية لمكونات هيئة التفاوض وفي فقدان استقلالية قراره السياسي وفي فقدان التشخيص السياسي الواقعي والارتهان للخارج.

س ـ هل وصلت مؤسسة الائتلاف الوطني المعارضة إلى نهايتها ؟

ج -كل أمر يرتبط بتاريخه والتحولات التي حدثت فيه . فالائتلاف هو بوجه ما استمرار للمجلس الوطني السوري الذي تشكّل في الخارج باسم الثورة السورية بعد تسعة أشهر من قيامها عام 2011، وعلى أثر الانسداد الذي حدثت فيه ومن أجل توسيعه تشكل الائتلاف عام 2012بدعوة من هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك ، هذا يعني إن الائتلاف قد تمحور منذ البداية مع بعض الدول الأجنبية في الوقت الذي كان يدعو فيه إلى عسكرة الثورة وتطييفها والاعتماد على القوى الخارجية على شاكلة النظام السوري، بمعني آخر فان الائتلاف عمل على محاربة النظام بنفس أسلحته وكان هذا هو الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه.

-وهنا لابد من القول إن هذا الخطأ الاستراتيجي ازدوج منذ البداية بخطأ آخر وهو انشقاقه عن المعارضة الوطنية الديمقراطية في الداخل ممثلة بوجه أساسي بهيئة التنسيق الوطنية عوضا عن التلاحم معها في وجه الديكتاتورية ومن أجل التغيير الوطني الديمقراطي السيادي وتوسيع هذا التلاحم ليشمل جميع القوى السياسية المعارضة وفعاليات المجتمع المدني السوري وقادة الرأي والقوى الشعبية في كافة مناطق البلاد .

-وبعد موافقة الائتلاف عام 2015 على الحل السلمي التفاوضي طبقا للقرار 2254 الدولي وتشكل هيئة مفاوضات مقرها الرياض فان رئيس هذه الهيئة السيد رياض حجاب المنشق عن النظام مؤخرا، عمل مع صقوره على تعطيل المفاوضات في جنيف مثلما فعل النظام وعلى عكس ماكانت تطالب به بعض المكونات التفاوضية الأخرى ، والضغوط التي كانت تمارسها بعض وفود الدول الأجنبية في جنيف بالذات .

-إن إشكالية الائتلاف هي انه ظل بعد حجاب يعمل بعقلية الممثل الوحيد للشعب السوري في التفاوضية ومحاولة استلحاق باقي مكونات هيئة التفاوض به في فترة د. نصر الحريري وبالتالي السيطرة الكاملة عليها وانزلاق بعد الأطراف إلى قبول هذه السيطرة بحيث إن مطالب دمقرطة هيئة التفاوض عينها بما يحقق تمثيلية وازنة بين أطرافها وانفتاحها على قوى سورية أخرى جاء متأخرا وبحيث وصلت التفاوضية إلى حد التعطيب لها من قبل الائتلاف نفسه طوال سنتين ونيّف وحتى اليوم، إن عدم إمكانية إصلاح الائتلاف تعود إلى فشله في قيادة التفاوضية وفي التمثيلية الديمقراطية لمكونات هيئة التفاوض وفي فقدان استقلالية قراره السياسي وفي فقدان التشخيص السياسي الواقعي الداخلي للبلاد والتشخيص الاستراتيجي لكافة القوى الخارجية النافذة في بحثها عن مصالحها الخاصة احتلالا أو نفوذا.

-ولقد ارتبط ذلك كله بأوضاعه الداخلية في احتدام الصراعات على السلطة فيه وفي اتساع رقعة تفشي الفساد المالي داخله وفي فقدان تمثيلية الشعب السوري والانسحابات لقوى شاركت في تأسيسه وفقدان المحاسبة لقياداته .

-هذا ما بينته بوضوح ندوة قطر الأخيرة التي دعا إليها رياض حجاب والتي فشلت في تحقيق وحدة المعارضة وإصلاح أوضاعها والنتيجة استمرار الائتلاف على حاله وصولا إلى انتهاك القانون داخله بالفصل التعسفي لأعضاء ومجموعات شاركته في مساره . بكلمة لقد فشل في قيادة التفاوضية كما فشل في قيادة نفسه متحولا إلى موظفين لدى الجهات الخارجية الداعمة له ماليا وسياسيا . لهذا لايمكن إصلاحه سياسيا وتنظيميا وديمقراطيا وسياديا .

س ـ مع التطورات الحاصلة في العالم ، هل من حل للازمة السياسية الخانقة ، وما هي أبواب هذا الحل بعد فشل القرارات الدولية ؟

ج ـ صحيح ما أشرت إليه في وجود تطورات دولية ، لنقل الانتقال من ترتيب أوضاع الشرق الأوسط والذي بدأ باجتياح العراق عام 2003 إلى الاهتمام بترتيب الأوضاع الأوروبية، لابدّ من القول إنّ هناك قرارات دولية حول سورية كما حول ليببيا واليمن … وإذا لم تُطبّق القرارات فلان العلاقات الدولية قائمة على التناقضات فيما بينها والنزاعات حول مصالحها رغم محاولة تغليفها بالشرع الدولي وحقوق الانسان والشعوب ، إلا انه من الاستعجال القول بفشل القرارات التي أشرت إليها لان الدول المتنازعة فيما بينها ستجد بشكل أو بآخر اتفاقيات لضبط شؤون العالم بشكل أو بآخر، والحلقة المفقودة التي يمكننا إن نمسك بها بقية الحلقات هي غياب قوى سورية معارضة متحدة وقيادات تعمل على الاستفادة من التناقضات الدولية ومن الصراع القائم في اوروبا.

-علاوة على ذلك فان جامعة الدول العربية هي في وضعية تخطئ ميثاقها الذي ينصّ على إن الغرض من الجامعة هو توثيق العلاقات بين الدول المشتركة فيها وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون وصيانة لاستقلالها وسيادتها والنظر بوجه عام في شؤون البلاد العربية ومصالحها، أما ميثاق الأمم المتحدة حول المنظمات الإقليمية فانه يقول بدور هذه المنظمات في حفظ السلام وتدبيرالحل السلمي في المنازعات المحلية ، الأمر الذي تقوم به منظمة الاتحاد الإفريقي ولاتقوم به جامعة الدول العربية .

-كما تلاحظين لايمكن للدول النافذة التي تحتل بعضها سورية ان تكون ملكية أكثر من الملك ، إن تكون سورية أكثر من السوريين أوعربية أكثر من العرب.

س ـ كيف تفسّر الارتفاع الجنوني للأسعار وهل تساندون رفع العقوبات الاقتصادية ؟

ج ـ كما تعلمون هناك حالة حرب مزدوجة، أهلية وخارجية في سورية وعلى سورية، ومنطق الحرب واستمرارها ينعكس بنقص الإنتاج الوطني وإحداث السطو والنهب والاحتكار في الوقت الذي ترتفع فيه الأسعار بسبب فقدان المواد الضرورية الأساسية للعيش كما يقول إخوتنا المصريون ناهيك عما تم تهريبه من مليارات الدولارات السورية الى الخارج من قبل قيادات النظام وانخفاض قيمة الليرة السورية المرعب بالعلاقة مع أسواق الطفمة المالية الدولية .

-أمّا اتخاذ العقوبات الاقتصادية فقد زاد الطين بلّة على الشعب السوري ، لماذا ؟ لان هذه العقوبات لاتؤثرماديا ومعاشيا على الطبقة الحاكمة بقدر ماتؤثر على الشعب نفسه، ولا بد من القول هنا إن العقوبات لم تسقط نظاما حاكما سياسيا كما في امثلة عديدة : العراق قبل اجتياحها العسكري الامريكي عام 2003، ليبيا قبل مقتل القذافي باجتياح عسكري غربي عام 2011، كوبا طوال فترة حكم كاسترو وبعده اخيه الخ …النتيجة ان العقوبات الاقتصادية بدلالة نتائجها تشكل عقابا جماعيا للشعب .
-لهذا يجب رفع العقوبات الاقتصادية وإنهاء آثار قانون قيصر الذي قام الائتلاف بدعمه، هذه العقوبات تشكل أخيرا انتهاكا لحقوق الانسان والشعوب، إنها انتهاك للحق في الحياة وانتهاك لأمن الشعب في وجوده وغذائه وتعريض أطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه إلى مختلف الأمراض والى العوز والمجاعة .

س ـ لماذا ظل ملف المعتقلين والمغيبين قسريا غامضا ، وهل تخلى المجتمع الدولي عن هذا الملف الشائك ؟

ج ـ مسألة المعتقلين هامة جدا وهي لاتتعلق بالقوى السياسية المعارضة التي لم تدع إلى حمل السلاح ورفعت الحل السلمي والتغيير الوطني الديمقراطي السيادي وحسب ، وإنما أيضا المواطنون العاديون في كافة مناطق البلاد .
لي صديقة من هيئة التنسيق الوطنية تهتم بملف المعتقلين وهي السيدة اليس مفرج و تقوم بكل ما في وسعها ، كما إن الروابط العربية كاللجنة العربية لحقوق الإنسان والمنظمة العربية لحقوق الانسان والمرصد السوري لحقوق الإنسان دون أن اذكر غيرها من المنظمات سورية او عربية او دولية تقوم بذلك ….

الآن الوضع مختلف عما سبق وسأبين لك الاسباب، كنا في جمعية الدفاع عن حقوق الانسان والحريات الديمقراطية في الوطن العربي أول مؤسسة جامعة اقليمية للدفاع عن هذه الحقوق والحريات تشكلت عام 1982 في باريس ، كنا نمارس الطلب الى جهات رؤساء الدول الغربية و الامين العام للامم المتحدة والى عدد من المجموعات البرلمانية وحتى منظمة اليونسكو للتدخل لدى النظام بغية الإفراج عن معتقلين ندرجهم في قوائم مرسلة إلى هذه الجهات، حصلنا على نتائج ايجابية في وضع من وجود علاقات ديبلوماسية متبادلة بين النظام وبين هذه الجهات، اليوم لاتوجد هذه العلاقات وهناك شرخ على المستوى الدولي بين معسكر النظام وحلفائه وبين المعسكر الاخر الغربي وحلفائه ، وضع أصبحت فيها القضية السورية مدوّلة بكل جوانبها السياسية والاقتصادية والإنسانية . من هنا كما تقول إن مسالة المعتقلين أصبحت شائكة ولكن لايمكن التخلي عنها وبالتالي يجب الاستمرار في رفعها دائما وابدا.

س ـ ماهي اقتراحاتكم للخروج من المأساة التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا وفق وصف الأمم المتحدة ؟

ج ـ هذا يعيدنا معا الى سؤال : كيف يمكن إصلاح المعارضة .
لقد ابديت وجود اشكالية في المعارضة وأكاد اقول إنّها مزمنة ولها تاريخ يمتد على مدى ثلاثين عاما ونيف بسبب قمع النظام الحديدي من جهة والصراعات بين قوى المعارضة على قيادة المعارضة نفسها ، والعزلة عن الشعب فأحداث الانتفاضة الشعبية الثورية كشفت عن هذه الازمة لانها كانت انتفاضة جماهيرية لم تفجرها قوى المعارضة في سورية والأمر نفسه هو ماجرى في تونس ومصر وليبيا واليمن، بمعنى اخر كانت الهوة قائمة بين النخب المعارضة وبين الشعب واستمرت رغم محاولات تداركها ، والمشكلة في سورية هي إننا في مجتمع انتقالي حديث التكوين الوطني والسياسي والاجتماعي بما يخلق تناقضات حادة بين مشاريع قوى المعارضة وتحالفاتها العربية أوالدولية ، هكذا لا يقوم تجمع معارض الاويقوم في وجهه تجمع اخر مثال التجمع الوطني الديمقراطي في دمشق عام 1980 ومقابله التحالف الوطني لتحرير سورية في بغداد عام 1982… ثمة أخيرا هيئة التنسيق الوطنية عام 2011 والمجلس الوطني ستة اشهر بعد قيام الهيئة لنفس العام فالائتلاف .

-اعتقد إن البحث عن عمل سياسي بين القوى المعارضة خارج ايديولوجياتها ومشاريعها الذاتية هو الحل ، كيف ؟ هذا يتم عبر تحديد المشتركات السياسية الواقعية وذلك بإعادة تأسيس السياسة المعارضة عبر بعد مراجعة جدية لتجاربها ومن خلال التشخيص السياسي للوضع السوري والدولي لان ماتم سابقا يكاد يستنفذ إمكانية استمراره على نحو ماكان عليه .
– تحديد وحدة المشتركات السياسية اليوم وأولوياتها تفتح الطريق نحو وحدة العمل كما إن وحدة العمل تخلق بدورها وحدة المعنويات الضرورية لمتابعة الجهود المشتركة تأسيسا لعلاقات جديدة اقصد الثقة بالذات الوطنية ، والشفافية في العمل المعرض السوري والمصداقية في المقاصد ، والكفاءة في القيادات ، والقبول بالديمقراطية حلا للاختلافات وإقامة المؤسسات الواحدة .

-ومن البديهي القول إن المشتركات السياسية تتطلب استقلالية القرار الوطني ووضع حد للتمحورات الخارجية والتمسك بالحل السلمي التفاوضي والمطالبة باطلاق سراح المعتقلين ورفع العقوبات الاقتصادية وتشكيل جبهة وطنية ديمقراطية عريضة، مفتوحة لكل من يقول بهذه المشتركات ووحدة العمل من أجلها، وتكون المجالس الشعبية المحلية الديمقراطية ركيزة لها ، واتخاذ مبدأ الدين لله والوطن للجميع هوية للدولة وضمانة للوحدة الوطنية والعدالة الانتقالية .

عندما تجتمع هذه المشتركات وتتعزّز وحدة العمل السياسي والمعنوي مدعومة بالمجالس الديمقراطية القاعدية التي من شانها دمقرطة النخب المعارضة وتعضيها بحقوق البلاد والمواطنين والمواطنات ، فانها تصبح قوة استحقاقات للشعب مدعومة دوليا كما حدث في تاريخنا وتاريخ الشعوب الأخرى وبمايضع سورية على طريق بنائها الجديد في عصر جديد.