المناطق “الآمنة” ستتحول “دموية”.. هل تُرحل تركيا حقا 4 ملايين سوري؟

28

بات مصير نحو 4 ملايين لاجئ سوري “على المحك” بعد أن أعلنت أنقرة خططا لإعادة توطينهم في شمال سوريا مع تصاعد المشاعر المعادية لهم في جميع أنحاء البلاد، وفق تقرير لمجلة فورين بوليسي.

ومع بقاء الرئيس بشار الأسد في السلطة، يخشى اللاجئون السوريون، مثل أم أنس وعلي الأحمد، من العودة إلى بلادهم مع عدم استتباب الأمن هناك وقلة الخدمات.

وتقول أم أنس، التي غادرت وزوجها سوريا في 2014، إنها باتت تشعر بعدم الترحيب بسبب التعليقات العنصرية التي حلت محل الابتسامات الدافئة، وهو ما يؤكده الأحمد الذي فر من تنظيم “داعش” عام 2014 والآن بات غير قادر على التحدث بالعربية علنا “ويجب أن يخفض صوته أو يتحدث التركية فقط”.

وتقول أم أنس، الصيدلانية السابقة التي تعمل حاليا في شركة تسويق بينما يعمل زوجها مدرسا: “أطفالي لديهم مستقبل هنا. لا أستطيع أن أتخيل نفسي أغادر هذا المكان وأعود إلى حيث لا توجد خدمات كافية ولكن فقط الفوضى”.

وأصبح مصير لاجئين، مثل أم أنس والأحمد، مرتبطا بالسياسة الداخلية التركية مع احتدام الحملات الانتخابية قبل الانتخابات العامة في يونيو المقبل، مع اتفاق الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة على حد سواء على ضرورة عودتهم.

ومنذ عامين، تصاعدت مشاعر العداء ضد اللاجئين السوريين في تركيا، مع تنظيم عدد من السياسيين وقادة أحزاب المعارضة بحملات لفرض قيود أكثر صرامة عليهم، وفق تقرير سابق لموقع الحرة.

ويتأثر الشارع التركي بما يدلي به السياسيون الأتراك، وهو ما قد يحول أي موقف أو تعليق يصدر عنهم إلى حديث واسع النطاق وقد يترجم أيضا على الأرض بصورة متسارعة.

وفي أكتوبر 2021 نشرت منظمة هيومن رايتس ووتش تقريرا حمل عنوان: “حياة أشبه بالموت: عودة اللاجئين السوريين من لبنان والأردن”، وحذرت فيه من المعلومات المضللة عن الأوضاع في سوريا.

وأشار التقرير إلى أن واقع الحياة داخل سوريا أثّر على قرار العودة لدى كثير من اللاجئين الذين قابلتهم المنظمة.

من جهتها، قالت لجنة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في سوريا، في تقريرها الـ 24، سبتمبر 2021، إن سوريا “غير صالحة لعودة اللاجئين الآمنة والكريمة”، وإن “تصاعد القتال والعودة إلى العنف” يثيران القلق.

وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أعلن الشهر الماضي أنه يعتزم إعادة توطين مليون سوري في “مناطق آمنة” بالقرب من الحدود التركية في شمال سوريا.

وتعهد كمال كيليجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض، بإعادة السوريين في غضون عامين، إذا تولى منصب الرئاسة.

المنطقة “الآمنة” ليست آمنة

واقترحت تركيا منذ فترة طويلة إقامة “منطقة آمنة” على الجانب السوري من الحدود السورية التركية لكن هذه المنطقة “ليست متجاورة” وتضم عدة مناطق ساعدت أنقرة المتمردين السوريين في السيطرة عليها منذ عام 2016.

وتشمل مدنا مثل تل أبيض وجربلس وعفرين وكذلك إدلب التي تخضع في الغالب لسيطرة جماعة “هيئة تحرير الشام” لكنها لا تزال تحت الحماية العسكرية التركية.

ويتوقع التقرير أن تكون هذه المنطقة “الآمنة” دموية، لأن المناطق التي حددتها أنقرة بعيدة عن أن تكون آمنة، فعلى الرغم من وقف إطلاق النار في مارس بين تركيا وروسيا، استمر القصف على المناطق التي يسيطر عليها المقاتلين الموالون لأنقرة في محافظة إدلب.

ووقعت أيضا اشتباكات متفرقة بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الأراضي التي سيطر عليها مؤخرا المتمردون العرب السوريون المدعومون من أنقرة.

ويعتزم إردوغان أيضا توسيع العمليات التركية في شمال سوريا، وفق ما أعلنه مؤخرا، وشن هجوم لإخراج قوات “قسد” من بلدتين منبج وتل رفعت لتوسيع المنطقة الآمنة.

ويقول محللون إن أولوية الرئيس التركي ليست إعادة اللاجئين بقدر ما هي أخذ أراض من الأكراد مع تعزيز الدعم المحلي لإعادة انتخابه، ولطالما اتهم محللون وأكراد أنقرة باستخدام “مناطق آمنة” لتغيير التركيبة السكانية على طول الحدود السورية التركية.

وقال سنان سيدي، الخبير في السياسة التركية لمجلة فورين بوليسي إن إردوغان “مهتم بتقليل عدد السكان الأكراد في شمال سوريا، من خلال توطين السوريين غير الأكراد على طول الحدود الجنوبية مع تركيا”.

وبصرف النظر عن عدم الاستقرار العام في المنطقة، تميل المناطق الواقعة تحت سيطرة المتمردين المدعومين من تركيا إلى أن تكون أقل استقرارا، بسبب الاقتتال الداخلي، أكثر من تلك الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية.

الأحمد، اللاجئ السوري الذي تحدث للمجلة، قال: “أخشى أن ينتهي المطاف بفوضى في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات المدعومة من تركيا في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية”.

واتهمت جماعات حقوقية هذه الجماعات المتحالفة مع الحكومة التركية بالتعذيب والخطف وابتزاز المدنيين والاستيلاء على ممتلكات الأكراد، الذين فروا من الهجمات التركية.

ويشك أحمد برو، الناشط الكردي من القامشلي بسوريا، في مزاعم تركيا برغبتها في مساعدة اللاجئين السوريين من خلال إعادة توطينهم، ويعتقد أنه إذا نفذت هجمات على منبج وتل رفعت “سيتم تهجير ما يقرب من نصف مليون سوري”، وسيضطر عديدون إلى البحث عن مأوى في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة السورية، والتي، يقول برو، إنها آخر مكان يرغبون في العودة إليه.

وهناك أيضا مخاوف من عدم الاهتمام الدولي بهذه القضية مع تركيز الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الحرب الروسية في أوكرانيا.

وفي الوقت الحالي، لا تزال خطة أردوغان لإعادة التوطين “طوعية” من الناحية الفنية، ولكن بما أن الغالبية العظمى من اللاجئين السوريين في تركيا لن يرغبوا في العودة إلى سوريا في أي وقت قريب، يرى سنان سيدي، الخبير في السياسة التركية، أن العملية قد تصبح “قسرية”.

ويأمل العديد من السوريين في عدم تنفيذ الخطة وأن تتلاشى من الوعي العام بعد الانتخابات.

وتقول أم أنس: “لن أعود إلى سوريا أبدا بالطريقة التي تقترحها تركيا.. في سوريا، لا يوجد مكان آمن واحد طالما الأسد في السلطة”.

المصدر: الحرة

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.