المنظمات الدولية تتخلى عن السوريين: نهاية عصر الإغاثة

35

يختصر النازح السوري من ريف محافظة إدلب الشرقي إلى مخيم “الكمونة” المجاور لمدينة سرمدا القريب من الحدود السورية التركية، محمد بكور، الوضع بـ”الخانق” إذ لا فرص عمل أو دخل ثابت للنازحين، ما يدفعهم لبرمجة حياتهم وغذائهم بحسب السلال الغذائية التي تصلهم شهرياً، مؤكداً أن عدم الاستقرار هو الهاجس المستمر بواقع تضارب الأخبار حول خريطة المنطقة ومستقبلهم المظلم.
ويوضح النازح بكور (54 عاماً) خلال اتصال مع “العربي الجديد” أن السلة الغذائية الشهرية تراجعت بنحو 25% هذا العام وتتضمن “4 ليترات من الزيت، 5 كيلوغرامات من الأرز، 5 كيلوغرامات من الحمص، 5 كيلوغرامات من البرغل، 5 كيلوغرامات من العدس، 5 كيلوغرامات من السكر”، إضافة إلى مساعدات من منظمة “آفاد” التركية، بشكل غير منتظم والتي لا تزيد عن كيلوغرام لكل مادة “وتوقفت مواد التنظيف منذ عامين”.
وحول المساعدات المالية النقدية، يؤكد النازح السوري أن هذا العام تم صرف 150 دولاراً لمرة واحدة لكل أسرة “بدل محروقات”، وجاءت بعض المساعدات لبعض المخيمات من متبرعين سوريين مغتربين، كإفطار برمضان أو مساعدات مالية مباشرة “رمزية” لكن ارتفاع تضخم الأسعار حوّل جلّ النازحين إلى ما تحت خطر الفقر.

تراجع حاد في المساعدات
ويتركز معظم النازحين السوريين بريف إدلب الغربي وحلب الشمالي، ما أوصل عدد السكان إلى أكثر 4 ملايين نسمة، حسب العامل بالشأن الإغاثي، محمود عبد الرحمن، الذي ألمح لما يراه أهم حتى من الغذاء، وهو ضياع الأجيال السورية المقبلة، سواء بتركهم مقاعد الدراسة أو التفتت الأسري وتكاثر المخيمات العشوائية “أكثر من 2000 مخيم موزعة على الجبال والأراضي الزراعية بمناطق سرمدا وكلة غربي إدلب”.

ويشرح العامل بالشأن الإغاثي أن هناك تمثيلاً لمنظمات دولية كانت تستأثر بالمشهد الإغاثي، بالتعاون والتنسيق مع المجالس المحلية التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، ولكن بالمناطق التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام “حكومة الإنقاذ” تبدل الوضع بعد تأسيس ما يسمى “إدارة التنمية” والتي تحاول تنظيم المساعدات والإغاثة وبالطبع “لا يخلو الأمر من فساد ومحسوبيات، لكن أقل من الفترة السابقة”.
ووصف عمل بعض المنظمات بالتبرير لصرف الأموال والحصول على المزيد من المنح الدولية، خاصة بعد تراجع المساعدات بين 25 و30% هذا العام، وتراجعت سعرات المساعدات الغذائية بحسب برنامج الأغذية العالمي، من 1340 سعرة للفرد يومياً العام الماضي إلى 1177 سعرة هذا العام.
ويشير عبد الرحمن إلى أن المخيمات القماشية تصل إليها سلة غذائية شهرية وبدل محروقات، ولكن بشكل غير منتظم، فمخيم مشهد روحين مثلاً توقفت عنه المساعدات تقريباً، في حين أن مخيم الكرامة المجاور تصله السلة وربطة خبز كل يومين. وأكد أن مخيمات الكتل الاسمنتية التي تشرف عليها تركية، تصلها المساعدات بشكل شهري منتظم “مخيمات الأمل، الأبرار، الخير، الشابور، الشيخ يوسف”.

مصادر متعددة للمنح
ويبقى وضع السوريين في الداخل، على قساوته، أكثر رحمة من حال بعض اللاجئين في دول الجوار، سواء بمخيمات الأردن أو لبنان، أو حتى المقيمين بالمدن التركية، بعد إفراغ المخيمات ومحاولات إدماج السوريين بالمجتمع التركي منذ عام 2017 وقت تم إغلاق المدارس السورية وأعلنت خطة الإدماج.
وحول المساعدات التي يتلقاها السوريون بتركيا، يقول اللاجئ السوري حسين. ب لـ”العربي الجديد” إن بعض الأسر تتلقى عبر ما يسمى “كرت الهلال” بنحو 125 ليرة تركية للشخص شهرياً من المنحة الأوروبية لتركيا، لكنه محدد لبعض الأسر وليس لكل السوريين”.

ويتوقع اللاجئ، الذي رفض ذكر اسمه كاملاً، أن تتزايد أعداد العائدين من تركيا إلى شمال غرب سورية المحرر (العودة الطوعية) للخلاص من الفقر وهروباً من التنمر، لأن أسعار المواد الغذائية وأجور المنازل والنقل، تزيد عن ضعف دخل السوريين بتركيا.
ويقدر اللاجئ بريف ولاية غازي عنتاب، نور العساف، عدد السوريين المستفيدين من كرت الهلال الأحمر بنحو 1.3 مليون سوري، بعد توقفه للأسر التي يبلغ أفراد أسرتها أكثر من 18 عاماً، مبيناً أن مصابي الحرب أكثر من 45% منهم يتلقون مساعدات شهرية.
ويلفت العساف لـ”العربي الجديد” إلى أن هناك مساعدات أخرى لبعض السوريين بتركيا، مثل “كرت البي تي تي” الذي يقدم للاجئين، إذ تقدم مراكز التضامن الاجتماعي في تركيا بالتعاون مع الأمم المتحدة كرت الـPTT وهو يدفع لمرة واحدة كمساعدة شتوية للاجئين السوريين، وتتراوح قيمته من 600 إلى 1000 ليرة تركية حسب عدد أفراد العائلة.
ويضيف: توجد مساعدة مالية باسم كرت IOM ويتم تقديم هذه المساعدة من قبل المنظمة الدولية للهجرة، حيث تعتبر كمساعدة مالية للسوريين بتركيا ممن يقطن خارج المخيمات خلال فصل الشتاء “وهذا عدا التعليم والطبابة المجانية لحملة بطاقة الحماية المؤقتة”.

بيزنس مؤتمر المانحين
وكان مؤتمر المانحين لسورية الذي ضم 55 دولة و22 منظمة واستضافته العاصمة البلجيكية بروكسل الشهر الجاري، قد تعهّد بتقديم 6.4 مليارات يورو (6.7 مليارات دولار) لسورية وجيرانها، بزيادة، يصفها الاستشاري والمدرب الإداري الدولي المعتمد، عبد الناصر الجاسم بـ”النظرية” عن المؤتمر السابق الذي تعهد بمنح 5.3 مليارات يورو، لأن كتلة المنح بمؤتمر الشهر الجاري كانت لعامين وليس لعام واحد.

ويبرر الجاسم تراجع كتلة المنح لهذا العام بأمرين: الأول التضخم الذي يشهده العالم ما يقلل من قيمة المنح، والأمر الثاني زيادة كتلة المنح لدول جوار سورية على حساب النازحين بالداخل.

ويصف الجاسم مؤتمر المانحين بـ”البزنس” تحت شعارات إنسانية وبدوافع سياسية، مبيناً أن منظمات العمل الإنساني والخيري بالعالم لديها حجم تمويل هائل، يعتمد على التبرعات، وبكل صراع أو نزاع دولي، تستثمر لإنفاق الأموال، ولكن بشرط وجود شركاء محليين، ما ولد جمعيات أهلية وشركاء محليين، لتصميم المشاريع، بعضها وهمية أو بعيدة عن الواقع.

وكان المشاركون في مؤتمر بروكسل الأخير، اعترفوا بأنهم كانوا يأملون بجمع 10.4 مليارات يورو في ظل بلوغ عدد النازحين داخل سورية أكثر من 6.9 ملايين مواطن، ووجود ما يزيد على 6.5 ملايين أخرين خارج البلاد، منهم 5.7 ملايين لاجئ في دول مجاورة.

المصدر: العربي الجديد

بقلم: عدنان عبد الرزاق

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.