الناشطة المدنية هدى المصري: المجتمع الدولي سيس واستغل الملف الإنساني في سورية.. ولا بد من تقارب روسي – أمريكي مع إجماع دولي لإنهاء المأساة السورية

39

لم يعد أحد يهتمّ بمسار أستانة أو جنيف أو سوتشي ولا حتى محادثات اللجنة الدستورية التي ألغت اجتماعا لها بسبب إصابة عدد من أعضائها بالكوفيد، وبقي النزاع الذي تحوّل إلى آلة للموت ومستمرا برغم كل المساعي الدولية لمحاولة إيقاف الحرب الدامية، يؤلم عين كل ناظر للواقع بعيدا عن كل المهاترات والتوقعات المزيفة.

الناشطة المدنية السورية والمعارضة هدى المصري تتحدث في حوار مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن مؤتمر سوري – سوري لاستعادة السيادة المنهوبة، وعن الوضع في البلد الذي دمّرته الحرب والتدخلات الأجنبية.

 

س- تعد هولندا دعوى قضائية لمحاسبة النظام على انتهاكات حقوق الإنسان، بعد أيام من صدور تقرير لجنة التحقيق الذي تحدث عن هول الإنتهاكات التي ترتكبها الفصائل المسلحة في سورية، ما تعليقك سيدة هدى على الدعوى وعلى تمادي الانتهاكات أمام صمت دولي مقيت وصعوبة وصول المنظمات الدولة إلى السجون؟

ج- المجتمع الدولي ككل ساهم منذ عشر سنوات في تسييس واستغلال الملف الإنساني لصالح أجندات دولية وإقليمية وهو مقصّر بحق الإنسانية في سورية وما شهدته من دمار بنيوي واسع النطاق لم يشهد له العالم مثيلا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، في حين يشارك المجتمع الدولي في ممارسة التعذيب يومياً ضد المواطن السوري عن طريق العقوبات الاقتصادية أحادية الجانب بحجة معاقبة النظام السوري والتي لم تستهدف فعلياً إلا المواطن البسيط محدود الدخل مسلوب الإرادة، لهذا نجد السوري قد فقد الثقة في المجتمع الدولي ويئس في صراعه اليومي للبقاء من أي إجراء أو نتيجة تحقيق دولي.. وحقيقة لا يزال المجتمع الدولي يتعامل مع الكارثة الإنسانية السورية من منطلق المحاباة ومن زوايا ضيقة وفردية في معظم الحالات.. نعم يصعب الوصول إلى السجون في أي دولة في المنطقة ولكنّ حالات الطوابير المتكررة في سورية من 2012 حتى تاريخه ضمن سجن الحصار الدولي رصدتها الأقمار الصناعية ويشاهدها العالم أجمع ولم يتأثر لها أحد إنسانيا.

لقد استندت هولندا إلى أن الحكومة السورية صادقت عام 2004 على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب للعام 1984 وتجاوزت ضرورة وجود التمثيل الدبلوماسي المتكافئ المتبادل بين البلدين لتفعيل المطالبة التي تقدمت بها.

وبشكل عام يمكن القول إنه إجراء مجتزأ وغير عادل لعموم ضحايا التعذيب في سورية، ما يعني عدم ملاحقة الكثير من المجرمين بحق السوري وبالتالي إعطاء ضوء أخضر من قبل الحكومة الهولندية -وكل من يحذو حذوها- للفصائل المسلحة ومن يقف وراءها بمختلف مسمياتها للاستمرار في ارتكاب المزيد من جرائم التعذيب. وهنا وحيث لم يرد من جهة الحكومة الهولندية أي إشارة أو إدانة إلى باقي الجهات لا بد من التساؤل عن غرض هولندا من اتخاذ إجراء حكومي بمعايير مزدوجة، وأيضاً التساؤل عن جدية هولندا فعلياً أمام ملف الانتهاكات والتعذيب كاملاً وإمكانية اتخاذها إجراءً قانونيا ضد كافة المرتكبين وعن شكل هذا الإجراء إن حدث ومدى أثره وفاعليته.

 

س- تسعون إلى عقد مؤتمر وطني سوري – سوري، ما هي طبيعة ومكونات هذا المؤتمر وماذا يمكن أن يتمخض عنه؟

ج- إن ما نسعى إليه هو مؤتمر وطني سوري – سوري جامع سيد لنفسه، وهو نتيجة حتمية لِما وصلت إليه سورية وما تواجهه من تهديدات مصيرية، ولِما طال الحراك الوطني الحقيقي من أذى وإقصاء وتهميش متعمد حيث استمرت عمليات فرز طبيعية للشخصيات والأصوات الوطنية النقية المستقلة عن الأجندات الخارجية والمحاولات الانفصالية على مدى تجاوز ثماني سنوات قبل إطلاق المبادرة الوطنية وتشكيل اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري لاستعادة القرار والسيادة، وأصبح المؤتمر ضرورة ملحّة وقصوى في ظل الشلل السياسي الحاصل الناجم عن تعارض المصالح الدولية المحركة لأشكال الحوار والتفاوض السورية الحالية بما فيها اللجنة الدستورية.

ومن هنا تأتي الحاجة الماسة إلى عقد مؤتمر سوري- سوري خالص يسعى إلى استعادة القرار السيادي السوري المستقل فيما يتعلق بكافة الشؤون السورية، ويجمع أوسع طيف ممكن من السوريين في الداخل والشتات بعيداً عن أي تدخل خارجي أو تسييس دولي أو مال سياسي أو خطاب شعبوي، وبرعاية الأمم المتحدة ضمن الإجماع الدولي الوحيد المتمثل بقرار مجلس الأمن 2254 للعام 2015 وبالإستناد إلى بيان جنيف للعام 2012 بشكل رئيسي، وسنقدم كل ما بوسعنا لإنجاح هذا المشروع الوطني الكبير المسؤول والمتوازن الذي سيحافظ على الدولة السورية بكل مكوناتها ويراعي مصالح كافة مواطنيها دون أي تمييز.. يضاف إلى ذلك أن هذا المؤتمر سيكون له بنية تنظيمية تعطيه صفة الديمومة والاستمرارية ودينامية التجدد، وسيشكل في أدق مفاصله التنظيمية منصة عمل سياسية وحقوقية وفكرية لكافة الوطنيين السوريين حتى وإن لم يكن لديهم صفة عضوية المؤتمر.

 

س- بصفتكِ عضوا في المؤتمر المذكور سالفا، ماتعليقك على تصريح وزير الخارجية الروسي لافروف بأن موسكو ستدافع عن “مبدأ سيادة سورية واستقلاليتها”؟ وهل هناك سيادة في ظل التمدد الروسي والإيراني والتركي والأمريكي؟

ج- سمعنا دائماً السيد لافروف يتحدث عن الشأن السوري في كل لقاء صحفي.. بأن روسيا تعمل على الحل السياسي على أساس 2254 ولكن لم نرَ من ذلك شيئا ملموسا.. وحقيقةً لا سيادة فعلية تامة لدولة على أراضيها في ظل التمدد الخارجي أو التدخل في شؤونها..

إن الجميع يقدّم مصلحته وهي مغلّفة بالتصريح بالدفاع عن مبدأ سيادة سورية واستقلاليتها ووحدة أراضيها ووحدة شعبها ولكن من وجهة نظر من يتحدث ومن منطلق مصالحه، وقد تلتقي المصالح في بعض النقاط أمّا عندما تتعارض فترجح كفة صاحب القوة والنفوذ، وهنا يأتي السؤال: هل ستدافع أي دولة متدخلة عن مبدأ سيادة سورية واستقلاليتها بمعزل عن مصالح تلك الدولة أولاً وقبل كل شيء؟ وعن أي سيادة نتحدث حين يتخذ قرارَنا الآخرون؟.. لقد وصلنا بسبب التمدد والتدخلات الأجنبية إلى حالة النزاع الداخلي والتشظي والانقسام والفوضى التي تعكس تماماً وتعبّر حرفياً عن الصدامات والتجاذبات والخلافات والتفاهمات الإقليمية والدولية التي أصبحت سورية مادة رئيسية من موادها ومختبر تجريب لما يصلح من الحلول الدولية وما لا يصلح بينما تمر السنوات العصيبة على الشعب السوري الذي يتلقى الضربات الموجعة على كافة الجغرافيا السورية ويواجه الإرهاب والعنف والعوز والإذلال والاستغلال والتهجير والتشرد ولا أحد يعير انتباهاَ للمأساة الإنسانية.

س- “على السوريين توحيد صفوفهم”، جملة تُزيّن وتتردد في كل المؤتمرات الدولية من جنيف إلى سوتشي وأستانا.. كيف السبيل إلى هدف التوحيد بين المعارضة الوطنية بقطع النظر عن الاختلافات السياسية والإيديولوجية لوقف نار الحرب والدمار المستمر؟ لماذا هذا التشتت بين قوى المعارضة وهذا الصراع الذي حمل البلد إلى المجهول؟

ج- ذات الشعارات عن توحيد المعارضة السورية التي صنّعها ويتعامل معها المجتمع الدولي حالياً، تتردد دائماً إلا أنها تبقى مفرغة من معناها لأن المتحدثين ليسوا أهلاً لما يتلفظون به بسبب الارتباط العضوي متعدد الأشكال بالمصالح الخارجية من جهة والمصالح الفردية الشخصية من جهة ثانية، وبناءً عليه لن تتحد هذه المعارضة نظراً لاختلافاتها وخلافاتها الجوهرية غير القابلة للحل، وقد بات واضحاً للجميع أنها غير قادرة على تحقيق أي انسجام برغم كافة المحاولات الحثيثة والمُكلفة التي بذلتها بعض الدول وأخص بالذكر مجموعة العمل من أجل سورية في لقائي فيينا وتفويض المملكة العربية السعودية بإدارة هذا الملف مع رعاية الأمم المتحدة لمختلف المحاولات والجولات، ولم يستطع أحد على مدار تسع سنوات توحيد المعارضات المعنية وازداد ارتهانها إلى الخارج واستمرت المواجهات العسكرية وازداد التدخل الخارجي مع تواصل عمليات التدمير والإرهاب والقمع، وإلى جانب كل ذلك تم دائماً إسكات الأصوات الوطنية المعترضة على طريقة تعامل المجتمع الدولي مع هذا الملف الشائك وتم تحجيم وتقليص وإقصاء ومصادرة الدور الوطني المستقل عن الإرادات الخارجية، وللأسف كانت الأمم المتحدة دائماً تتخذ الموقف المفروض دولياً أو موقف الحياد السلبي مع مكونات وأشخاص غير حياديين فاسحةَ المجال لكل أشكال التدخل الدولي في كافة التفاصيل.

لقد تم توظيف واستغلال المعارضات السورية المتصدرة للمشهد السياسي وتكريسها لخدمة الأجندات الإقليمية والدولية، ونتيجة لذلك نحن في فشل وشلل سياسي كامل، ومن هنا يأتي الدور المهم والفاعل للّقاء الوطني السوري السوري الجامع من خلال المؤتمر الوطني السوري لاستعادة القرار والسيادة والذي سيقدم هيكلاً متوازناً منسجماً من الإصطفاف الوطني من أجل سوريا وشعبها.

 

س- أبدت روسيا استعدادها للحوار مع أمريكا بخصوص سورية لمناقشة مختلف الموضوعات واتخاذ القرارات والتوافق، وكأن سورية مقاطعة أو محافظة تابعة لروسيا.. ما تعليقك أستاذة هدى، وأنت السورية المتمسكة بسيادة بلدك وعزته بعيدا عن أي تدخلات أجنبية مقيتة؟

ج-لا يمكننا القفز فوق الواقع السياسي والعسكري والاقتصادي الذي وصلنا إليه، ولا بد من تقارب روسي – أمريكي مع إجماع دولي على ضرورة إنهاء المأساة السورية ولكن المهم هو أن لا يتم هذا الاتفاق على حساب السيادة السورية لأن دولة سورية متماسكة ومستقرة وقوية في الإقليم وهي حتماً دولة قادرة على المساهمة في تحقيق أمن إقليمي وقادرة على مراعاة المصالح المختلفة لكل من روسيا والولايات المتحدة وغيرهما من الدول والتعامل مع الجميع بما يحقق المصلحة المشتركة.

 

س- يؤكد الواقع الراهن والأزمة التي تعيشها سورية في عامها العاشر، أنها أزمة بنيوية أضيفت إليها تعقيدات التدخل الخارجي، وأن جميع الخيارات الأمنية والعسكرية، كان مصيرها الفشل، وبات من المهم أن تتحرك جميع القوى الوطنية الديمقراطية للعمل المشترك على وقف هذه المأساة .. لماذا هذا التأخر في التحرك لصدّ العدوان الخارجي ووضع حدا للأزمة المدمرة؟

ج- لقد أدرك السوريون ما وصلوا إليه من نهاية مسدودة لطريق سلكها ممثلون عن الخارج وليس عن الشعب السوري، وأدركوا تماماً خطأ الرهان على الخارج، وأنا لا أتحدث هنا عن المستفيدين من أي طرف بل عن المواطن الذي تتجاذبه وتهدده على الدوام القوى النافذة، لذلك لا بد أولا من عزل الحل الوطني عن التدخل الدولي لأن هذا الأخير أثبت فشلاً متواصلاً، ولا بد من إرادة حقيقية وعمل جاد لتفكيك الارتباط العضوي مع الخارج على صعيد الأفراد والمنظمات من أجل إنهاء أي شكل من أشكال التدخل، وثانياً يجب إيجاد حلول داخلية حضارية تتفادى الانهيار وتتفق مع الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بشأن القضايا الجوهرية وتكون مبنية على حصيلة خصوصية التجربة السورية وعلى التجارب الأممية بهدف الحفاظ على بنية داخلية قوية، وتكون بذات الوقت حلولا غير قابلة للمس أو التغيير أو الحذف في أساسياتها مع تمتعها بالمرونة الكافية لتجاوز خطوات مرحلية صعبة تلبي الإحتياجات الآنية بمسؤولياتها الكبيرة وتؤسس للمستقبل.

 

س- سورية تتعرض إلى حالة من التقسيم غير المثبت في الدوائر الرسمية لا السورية ولا الدولية، وإنما يبدو الأمر كذلك على أرض الواقع حيث إن البلد أمام مناطق نفوذ لهذه الدولة أو تلك.. كيف ترى السيدة هدى هذا المشهد، وهل من أمل للخروج من النفق بحل سياسي سلمي؟

ج- نحن أمام واقع تفرضه إجراءات ومحاولات التغيير الديمغرافي بما يلبي مصالح دولية أو إقليمية خاصة، أو تجارب انفصالية تستغل ظروف النزاع المستمر، والمستفيد من هذا الواقع سيبذل كل الجهود لتكريسه وتحويله إلى واقع مثبت رسمياً وبالتالي سيحاول تقويض أي جهد وطني للخروج من عنق الزجاجة وسيحاول دوماً إفساح المجال أمام التدخل الخارجي ودعمه..

وحقيقة ليس أمامنا إلا التمسك برؤيا وطنية تلبي تطلعات المواطن السوري وتحقق المواطَنة الكاملة والسيادة الإدارية للدولة على كامل الجغرافيا السورية، وبالتالي فرض هذه الرؤيا على المجتمع الدولي من خلال جسم سياسي قوي سيادي القرار يمثل كافة مكونات وشرائح الشعب السوري.

 

س- ما هي برأيك المؤسسة الأهلية الأكثر تأثيرا في ما يجري في سورية؟

ج- سورية دولة من دول العالم الثالث حيث تكون المؤسسات الأهلية الأكثر تأثيراً في أي منطقة نفوذ هي المؤسسات القريبة من عامة الناس والغنية مادياً والمتحالفة مع الحاكم المسيطر في تلك المنطقة ضمن إطار مصالحهما المشتركة، قد تكون مؤسسة دينية وقد تكون مؤسسة خيرية ولكنها حتماً بعيدة كل البعد عن أي محتوى مدني فعلي.

 

س-ما هو واقع المرأة السورية في ظروف الحرب التي يعيشها البلد منذ 10 سنوات خاصة وأنك ناشطة في مؤسسات المجتمع المدني والنسوي؟

ج- يختلف الأمر باختلاف أماكن النفوذ ولكن الصفات الغالبة في معظم المناطق هي الاستهداف بالعنف والتهميش والإقصاء مما يؤدي إلى الانكماش والتردي والمعاناة وخوض مواجهات مفروضة وتحمّل أعباء مضاعفة وخضوع لمختلف أشكال الاختلالات المجتمعية والاقتصادية.. وبرغم ضرورة وأهمية مشاركة المرأة في كل مجالات الحياة-كما نص عليها بوضوح قرار مجلس الأمن 1325 للعام 2000 – إلا أنها لا تزال بعيدة جداً ومبعدة عمداً عن مراكز صنع القرار إلا فيما ندر، ويكاد دورها غالباً لا يتجاوز التزيين والإستشارة ضمن أطر وقوالب محددة، وقد رأينا ذلك حتى في التكوينات التي شكّلتها البعثة الأممية المكلفة بالملف السوري.

وفي هذه المرحلة الصعبة من تاريخ المرأة السورية يبقى للناشطات النسويات والسياسيات السوريات (المهتمات بقضايا المرأة) وعلى عاتقهن الدور الأساسي والمسؤولية الكبيرة في قيادة تغيير واقع المرأة وتمكينها وتفعيل مشاركتها لأنهن يمتلكن المادة المعرفية والوعي الكافي والأدوات ويعلمن تمام العلم أن الوصول إلى الدولة المدنية والمواطنة والمساواة الكاملة هو أقصر الطرق للنهوض بواقع المرأة والمجتمع.

 

س-ما الجديد في ملف المعتقلين في سورية؟

ج-مرت خمس سنوات تقريباً على القرار 2254 والذي نص صراحة على ضرورة إطلاق سراح المحتجزين تعسفياً وخاصةً النساء والأطفال.. وهذا الملف الإنساني الذي لا يحتمل التأجيل، لا يزال عالقاً مثل بقية الملفات وورقة مؤجلة من أوراق الضغط وفرض الإرادات الدولية.