النساء السوريات خلال العام 2022: 155 امرأة استشهدت بأعمال عـ ـنـ ـف على اختلاف مناطق السيطرة.. وغياب مستمر للحقوق في ظل الأوضاع الإنسانية الكارثية

55

لم تتأخر النساء السوريات عن المشاركة في الثورة عام 2011 وكنّ ضمن الصفوف الأمامية في مطالب تحقيق نظام ديمقراطي والعيش بحرية بعيدا عن الأنظمة القمعية، وتحلّت السوريات بشجاعة مضاعفة وبرغم المأساة تحمّلن مسؤوليات المشاركة في الاحتجاج وإعالة عائلاتهن حين يتوجه العائل إلى ساحات القتال، وكنّ بمثابة أيقونات الحرية برغم نار الحرب والخصاصة والجوع والمرض ولم يبالين بذلك المرّ وتمسكن بأمل العيش في بلد يضمن حقوقهن ويحفظ كرامتهن حتى وإن كان الثمن دماءَهن.
وبرغم عرف التقاليد الظالمة للنساء في مجتمع ذكوري كابدت السوريات الصعاب وحاربن التمييز والنظرة الدونية التي تحاول تقزيمهن.
ومن طبيعة النساء التحمّل والصبر لكن ماعاشته السوريات لا يمكن لبشر أن يتحمله لولا تلك القوة المضاعفة التي تميّزن بها، كونهن صمام الأمان الذي حمى العائلة من التشتت وآمن بسحر الثورة لحياة أفضل.

وقد وثّق المرصد السوري لحقوق الإنسان هذا العام 2022 مقتل 155 مواطنة بأعمال عنف بظروف مختلفة في عموم الأراضي السورية على اختلاف مناطق السيطرة.
وتوزعت ظروف القتل على النحو التالي:
– 52 مواطنة برصاص عشوائي واقتتال وجرائم وغير ذلك
– 37 مواطنة بظروف مجهولة
– 11 مواطنة برصاص وقصف بري للنظام
– 11 مواطنة بمخلفات حرب
– 10 مواطنات بتردي الأوضاع
– 10 مواطنات على يد الدولة الإسلامية
– 5 مواطنات على يد الفصائل
– 5 مواطنات بقصف التركي
– 5 مواطنات على يد قسد
– 3 مواطنات برصاص مجهولين
– 2 مواطنة بانفجار لغم / عبوة ناسفة
– 2 مواطنة على يد الجهاديين
– 1 مواطنة على يد الجندرما التركية
– 1 مواطنة بقصف روسي

عائلات لعوائلهن
لم يكن سهلا على امرأة تعودت على حياة آمنة أن تجد نفسها في ظلّ حرب راح فيها زوجها أو والدها أو شقيقها ضحية أو التحق بساحات القتال أن تعوّل على نفسها وتلتحق بسوق شغل ظل يحكمها تجار الحروب ويديرها سماسرة الأزمات وطبقة متوحشة أنتجتها الحرب.
وقد سعت مختف الأطراف عرقلة مساعي النساء نحو التحرّر بكبحها والضغط عليها لصدها عن المطالبة بحقوقها المسلوبة في العمل والمساواة والعدل، وما زادا الأمر تعقيدا الأزمة التي مرّ بها البلد والتي حطت بثقلها على للنساء.

لم تختَرْ السوريات مصيرهن في العيش ضمن واقع العنف والجوع والفوضى وغياب اللا ّدولة بل كان قدرهن يحتم عليهن التعايش ضمن تلك البيئة المسمومة التي تنتهك حقوق النساء وتتفنن في تعذيبهن انطلاقا من طرق العمل المتعبة والشاقة وكأنها عملية انتقامية.. لقد تكبدن عناء الحرب بالخروج للعمل في ظروف صعبة سيفها الاستغلال بشتى أنواعه سواء أكان جنسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا.

استغلال فاحش متعدد الأوجه
على مدار سنوات ظل النظام السوري يدعي العدالة والمساواة بين الجنسين، لكن الحقيقة أن غالبية النساء تعرضن للعنف الجسدي واللفظي وأشكال الاستغلال، إضافة إلى إقصائهن من المحافل السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليكون هذا الفكر الأصم شرارة البداية لمجازر وفظائع كانت المرأة فيها الخاسر الأكبر.
نُكّل بالنساء حين تمّ اغتصاب ثورتهن وغضبهن ودعواتهن إلى التغيير للظفر بحياة أفضل وأكثر أمانا، ووجدت فيهنّ مختلف الأطراف لقمة سهلة لاستغلالهن اقتصاديا بالعمل مقابل أجر زهيد لا يتماشى والحد الأدنى للأجور في سورية فضلا عن إجبارهن على العمل ساعات طويلة في ظروف لا إنسانية وإجبارهن على القيام بالأعمال الشاقة التي لا تناسب تركيبتهن الجسدية، ولا يقف الاستغلال عند هذا الحد بل بلغ ابتزازهن للحصول على أجرهن واستغلالهن جنسيا والتحرش بهن وهي حوادث عبرت عنها النساء في أكثر من مناسبة ووثقتها تقارير حقوقية ودراسات متعددة.

ولم تسلم اللاجئات السوريات أيضا من ذلك الاستغلال متعدد الأوجه، إذ كنّ ضحايا لأرباب العمل وأصحاب المنازل التي استأجرنها سواء في تركيا أو لبنان و غيرهما، واضطررن إلى الصمت خوفا من خسارة عملهن أو الطرد من المنزل الذي يأويهن وأطفالهن خاصة تلك الفئة التي فقدت معيلهن الوحيد زوجا كان أو أبا أو أخا، بعد أن أصبح العمل نتيجة تلك الظروف المأساوية واجبا تفرضه الحاجة والخصاصة ولحماية أنفسهن من التشرد والعنف الذي قد يعترض سبيلهن ويعرقلهن في تحقيق طموحاتهن.

ولم تسلم السوريات أيضا من آفة تزويجهن المبكر والاجباري بتعلة التخلص منهن ضمن سياسيات تسعى إلى تسليعهن والاتجار بهن وكأنهن سلع جاهزة للمزاد.. إنه واقع تحكيه السوريات داخل البلد وخارجه فهن الفئة الأكثر هشاشة وتضررا من كل ما عاشه البلد من دمار وانقسام وعنف منظم.

تحديات كبيرة
حسب إحصائيات الأمم المتحدة واجهت 82 في المائة من النساء تحديات من حيث النقل ووجود مرافق للأطفال، وواجهت 55 في المائة مشكلات متعلقة بانعدام الأمن بينما واجهت 43 في المائة تحديات متعلقة بظروف العمل، والالتزامات العائلية بنسبة 39 في المائة، والعادات الاجتماعية والثقافية بنسبة 30 في المائة.
وتواجه النساء في مناطق سيطرة الفصائل تهديدات كبيرة تلغي وجودها بشكل كامل ومدروس على غرار منطقة إدلب وذلك نتيجة الايدولوجيا التي تفرضها تلك الأطراف حيث تتجاوز نسبة بطالة النساء 95 بالمائة مع إلغاء ممارسة دورها في المجتمع المدني ، وهو دور تعتبره تلك الفصائل عارا وتجاوزا دينيا .

هذه القبضة الحديدية التي تعاني منها النساء تدفعهن إلى النزوح والهجرة غير النظامية هربا من ذلك الواقع المتردي والمأساوي، ليجدن أنفسهن إما في المخيمات ضحايا البرد والحرّ والجوع واستغلال بعض السماسرة الذين يتاجرون بقوتهن، أو مهاجرات لاجئات غير معترف بحقوقهن الإنسانية ويعاملن بطرق بشعة واستغلالية، إضافة إلى التحريض ضدهن وكأنهن قدمن سياحة أو هربا من حياة كانت أفضل من كل النواحي.

وتواجه النساء أوجاعا مضاعفة، بالجوع والخصاصة تحملنها وسعين بإمكانياتهن إلى التعايش معها، لكن سياسة الدولة المهمشة للنساء قد تكون أكثر إيلاما، عبر التنكيل بالنساء والاعتقال بمجرد التعبير عن موقف أو رأي إزاء قضية ما.

معتقلات محاربات
تمكن المرصد السوري لحقوق الإنسان من توثيق 61 حالة اعتقال تعسفي بحق المرأة السورية خلال العام 2022 على اختلاف مناطق السيطرة، ففي مناطق نفوذ النظام تم توثيق 30 حالة، وفي مناطق نفوذ الفصائل الموالية لأنقرة تم تسجيل 23 حالة، بينما تم توثيق 7 حالات ضمن مناطق نفوذ الإدارة الذاتية، وحالة وحيدة بمناطق هيئة تحرير الشام والفصائل، وينوه المرصد السوري إلى أن عدد اللواتي اعتقلن أكبر من العدد الذي جرى توثيقه، بيد أن التكتم العسكري وتخوف ذوي المعتقلات حال دون توثيق الكثير من الحالات.

وبحسب توثيقات المرصد السوري لحقوق الانسان، بلغت حصيلة حالات الاعتقال للمرأة السوري في سجون النظام منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 (155032) امرأة، وتناولت تقارير للمرصد قصصا عن اعتقال النساء وتعذيبهن وشتمهن بألفاظ نابية قبل توجيه أي سؤالٍ ، كما أن المرأة تبقى أحياناً تحت التعذيب عدّة أيّام حتى تنهار تماماً وتُضطر إلى الموافقة على أية تهمةٍ قد توجّه إليها، وهو ما روته قصص كثيرة لمعتقلات هربن من الأسر.

وتشن مختلف الأطراف من نظام ومعارضة وفصائل حملات اعتقال واسعة للنساء، كورقة ضغط لبلوغ هدف ما، وهي انتهاكات خطيرة طالما حذّر منها المرصد السوري ، داعيا المجتمع الدولي إلى وضع حد لهذه التجاوزات المخيفة التي تهدد كيان النساء وتستهدفهن مباشرة.

أزمة اقتصادية ضحاياها النساء
ويذكّر المرصد السوري بأنّ الأزمة الاقتصادية التي تعيشها سورية اليوم ألقت بمخاطرها على النساء حيث هن من دفعن الثمن الأغلى لهذه الأزمة، ويدعو المرصد إلى مضاعفة الجهود الاممية والاقليمية لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي حيث إن هذا النوع الخطير من العنف فاقم الضغط المسلط على النساء من قبل الدولة والمجتمع على حد سواء .

وأدى الانهيار الاقتصادي والعنف إلى تواصل نزيف انقطاع الفتيات المبكر عن الدراسة حيث بات العمل لتوفير القوت اليوم أهمّ من العلم والالتحاق بمقاعد الدراسة، وقد حذرت تقارير أممية من مخاطر هذا الانقطاع وتداعياته على جيل كامل الأمر الذي يؤدي إلى استغلاله بطرق سهلة من قبل التنظيمات التكفيرية والفصائل المسلحة.

وقد أدى الصراع ،وفق بيانات الأمم المتحدة، إلى انقطاع 40 في المائة من الفتيات عن التعليم بسبب ظروفهن المأساوية وصعوبة التنقل نتيجة الخوف من الاختطاف الذي انتشر للحصول على المال من قبل مافيا الحرب.

ولم يغفل تجار الحرب عن المتاجرة بالفتيات واستغلالهن بأجور ضئيلة، وهو ما نبه إليه المرصد السوري منذ سنوات، داعيا الهيئات الأممية إلى وضع حد لذلك عبر تشكيل لجان مراقبة للمحلات والمؤسسات التي تنكل بالفتيات القصّر وتستغلهن.

المرصد السوري يدعو إلى المحاسبة
وفي ظل عدم وضوح رؤية حول آفاق حل الأزمة السورية وسعي كل الأطراف إلى تحقيق أقصى قدر ممكن من المكاسب، فإن المرصد السوري لحقوق الإنسان يجدّد دعوته المنظمات الدولية المعنية إلى التدخل على الفور لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتحسين أوضاع المرأة السورية، والعمل على تحسين وضع المرأة الذي يتردى من سيئ إلى أسوأ بشكل شبه يومي.
ويؤكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن استعادة سورية وبناءَها من جديد لا يمكن أن يتم إلا بمشاركة المرأة التي تُعد ركنًا أساسيًا في إعادة بناء المجتمع السوري، لكن في ظل انتشار الفقر والبطالة والجهل، فإن فرص إنقاذ ما تبقى من المجتمع السوري تعد ضئيلة للغاية، وهو وضع يحتم على الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية الالتفات إلى معاناة جزء من البشرية وبذل المستطاع لإنقاذه من براثن الخوف والجوع والتشرد والضياع.

ينــوه المرصــد الســوري بــأن جميــع المعلومــات والتوثيقــات المذكــورة فــي هــذا التقريــر هـي حتـى تاريـخ نشـره فـي 20 كانون الأول/ديسـمبر