النظام يستحضر “سيناريو التهجير” مجددا جنوب سوريا

17

بعد أكثر من عامين يستحضر نظام الأسد وحلفاؤه الروس من جديد “سيناريو التهجير” في مناطق محافظة درعا بالجنوب السوري، في سياسة من شأنها أن تعيد السلطة الأمنية لما كانت عليه الأوضاع سابقا، أي ما قبل عام 2011. سلطةٌ لم يتمكن الطرفان من فرضها رغم إعلان السيطرة الكاملة على المنطقة، في عام 2018، بموجب اتفاقيات جاءت تحت مسمى “التسوية والمصالحة”. 

ويختلف “سيناريو التهجير” الحالي، الذي يستهدف بالخصوص مناطق الريف الغربي لدرعا عن سابقاته، من أن تنفيذ بنوده يتم بهدوء، بعيدا عن ضجيج الطائرات الحربية أو أصوات المدافع، ورغم أن محطته الأخيرة هي مدينة طفس، إلا أن عدة مناطق كانت قد سبقتها بذلك، على رأسها مدينة الصنمين، وإلى الجنوب منها منطقة “الكرك الشرقي”. 

ومنذ توقيع اتفاق “التسوية” عام 2018 وحتى الآن، لم تهدأ محافظة درعا، ولم تشهد أي استقرار، بل على العكس، لم يخل مشهدها من عمليات اقتحامٍ ومداهمات من قوات الأسد بين الفترة والأخرى، وإلى جانب ذلك عكّر جوها قاتلٌ “خفي” ما تزال هويته مجهولة، وأقدم على سلسلة من حوادث الاغتيال، طالت عسكريين من الطرفين (النظام، المعارضة) ومدنيين ونشطاء إعلاميين ومحليين.

وكان المرجو من اتفاق “التسوية” حين توقيعه فرض حالة من الاستقرار في المحافظة التي كانت أجزاء كبيرة منها خارجة عن سيطرة نظام الأسد، على أن يتبع ذلك تسوية أوضاع المطلوبين أمنيا، وإعادة الخدمات وإصلاح البنى التحتية، لكن جميعها لم يطبّق على أرض الواقع، على خلفية عدة أسباب، أبرزها عدم التزام النظام السوري بأيٍ من المطالب، وخاصة الإفراج عن المعتقلين ووقف عمليات المداهمة والاقتحام.

“التهجير أو التسليم”

من المحطة الأخيرة وهي بلدة طفس الواقعة إلى الجنوب الغربي من مدينة درعا، فبحسب ما تقول مصادر إعلامية منها، في تصريحات لموقع “الحرة”، فقد شهدت المدينة في اليومين الماضيين تعزيزات عسكرية “ضخمة” من قوات “الفرقة الرابعة” بغرض اقتحامها. 

وتضيف المصادر أن “الفرقة الرابعة” أقدمت، الأحد، على اقتحام بعض المنازل والمواقع في طفس، من أجل البحث المطلوبين والكشف عن السلاح الثقيل الموجود بيد عدد من الأشخاص، لتقابل برد مسلح، أسفر عن مقتل ثلاثة عناصر منها. وهو الأمر الذي دفع نظام الأسد، لفرض ثلاثة شروط مقابل إنهاء العمل الأمني والعسكري. 

الشروط، ووفق ما توضح المصادر التي طلبت عدم ذكر اسمها، عرضها ضباط من قوات الأسد وآخرون روس في أثناء اجتماع لهم، الاثنين، مع وجهاء وأعضاء من “اللجنة المركزية” لمناطق ريف درعا الغربي، وطلبوا فيه تسليم أو “تهجير” ستة من المطلوبين أمنيا إلى مناطق الشمال السوري، على أن يتبع ذلك حملة أمنية في المنطقة للبحث عن خلايا تتبع لتنظيم “داعش”.

وإلى جانب ذلك، اشترطت قوات الأسد على اللجان المحلية في المنطقة إخلاء جميع المقرات التي تتبع لـ”الدولة السورية” في بلدة طفس، وتسليمها بشكل كامل، وحددوا مهلة لتطبيق ذلك، حتى الخميس المقبل.

وتشير المصادر إلى أن الضباط الروس ومعهم الضباط في قوات الأسد، هددوا اللجان المحلية في أثناء الاجتماع باستخدام سلاح الطيران، في حال لم يتم تنفيذ الشروط المعروضة، بالقول: “ما يزال بيدنا سلاح الطيران”. 

“السيناريو ذاته” 

ما تشهده بلدة طفس في الريف الغربي لدرعا يشابه ما شهدته بلدة الكرك الشرقي، في نوفمبر 2020، وقبلها مدينة الصنمين، وهي مناطق لم تتمكن قوات الأسد من دخولها عقب اتفاق “التسوية”، لكنها أعادتها إلى سلطتها الأمنية بذات السياسة التي تتبعها الآن في مناطق ريف درعا الغربي. 

وتعتمد قوات الأسد في سياستها المذكورة على الحشد العسكري أولا وحصار المناطق المستهدفة، ومن ثم إجبار اللجان المحلية على تسليم المطلوبين أو تهجيرهم إلى الشمال السوري، الخاضع بالمجمل لسيطرة فصائل المعارضة.

وكانت قوات الأسد قد فرضت اتفاقا في مدينة الصنمين، في مارس 2020، قضى بخروج 21 مقاتلا من المدينة، وتسوية أوضاع من اتفق على بقائهم في المنطقة، وجاء الاتفاق بعد عملية اقتحام نفذتها قوات الأسد تجاه المدينة، بعد إغلاق مداخلها ومخارجها بشكل كامل.
 
لكن ما انطبق سابقا على الصنمين يراه المصدر الذي تحدث إليه موقع “الحرة” صعبا فيما يخص بلدة طفس، مشيرا إلى أن التهجير إلى الشمال السوري “أمر صعب” في الوقت الحالي، على خلفية امتناع فصائل ريف حلب وإدلب من استقبال أي مقاتل، وذلك بناء على “توجيهات” من الجانب التركي. 

لماذا طفس؟ 

المحلل والخبير العسكري، عبد الله الأسعد يقول إن تركيز قوات الأسد على بلدة طفس في الوقت الحالي يحمل عدة دلالات، أولها أنها منطقة استراتيجية، ولها “رمزية وخصوصية”، ومن شأن أي طرف يعمل على ضمها لمناطق نفوذه أن يتحكم بكامل المنطقة الغربية لدرعا.

ويضيف الأسعد في تصريحات لموقع “الحرة” أن “النظام السوري يحاول خرق الجدار الدفاعي لمناطق الريف الغربي، من خلال السيطرة على طفس، والتي تتميز بأنها تشكّل عقدة تلاقٍ بين جميع بلدات وقرى ريف درعا، وأيضا تحظى بموقع استراتيجي هام”.

ويرى المحلل العسكري أن نظام الأسد يعمل على اختراق المناطق في الجنوب السوري من خلال “عملاء” يتبعون له، وكانوا قد انضموا إلى قواته في العامين الماضيين، وخاصة في “الفيلق الخامس” و”الفرقة الرابعة”. 

ومنذ عام 2018 وعقب اتفاق “التسوية”، كان ملاحظا انضمام المئات من مقاتلي فصائل المعارضة سابقا ضمن صفوف قوات الأسد، حيث توزعوا حينها على العديد من التشكيلات العسكرية، على رأسها “الفرقة الرابعة”، وفي المقابل امتنع بعض المقاتلين من الانضواء في صفوف قوات الأسد، وبقوا دون أي تبعية، مع احتفاظهم بأسلحتهم الخفيفة والمتوسطة.

وتتبع طفس إداريا لناحية المزيريب، وتبعد 13 كيلومترا عن مركز محافظة درعا، وكانت قد دخلت في اتفاق “التسوية” مع النظام، في يوليو عام 2018، لكن سيطرة الأخير عليها عسكريا ظلّت ضعيفة، لكثرة عناصر المعارضة فيها، الذين اختاروا البقاء وعدم الهجرة للشمال السوري، إضافة إلى امتلاك هؤلاء السلاح الخفيف بكثرة.

 

 

 

 

المصدر: الحرة