الوضع في منتهى الخطورة… ما أشبه يوم العرب بأمسهم!

23

ذات يوم، كان محمد حسنين هيكل في بيروت في قمة التوهج المهني والشخصي. دعوته الى إجراء مقابلة تلفزيونية عبر شاشة «تلفزيون لبنان والمشرق»، وكان من الطبيعي أن يكون وجوده في لبنان موضع اهتمام الكثيرين، وكان مهماً العثور على الموعد الملائم في مفكرته الحافلة باللقاءات والمواعيد.

كان يدرك أهمية الإعلام اللبناني في الستينات والسبعينات، وهو الإعلامي المتميز. وكانت جولة أفق في مختلف شؤون وشجون مصر والمنطقة والعالم، وفي التعامل مع إعلامي بحجم هيكل كان من المهم لإنجاح اللقاء اعتماد «تقنية» معينة، إذ كان «الأستاذ» يكثر من الاستطراد والاسترسال في إجاباته. وبعدما تخطى الحوار معظم الشؤون السياسية، قلت: سؤال أرجو أن يتّسع صدرك له.

قال: هات ما عندك.

قلت: هناك قناعة لدى كثيرين بأنه لو لم يكن الرئيس جمال عبدالناصر لما كان محمد حسنين هيكل بهذه الأهمية؟

وكأنه لم يتوقع مثل هذا السؤال… فأجاب: «هذا سؤال افتراضي بحكم موقعي القريب من جمال عبدالناصر، مكّنني هذا الأمر من الاطلاع على مجريات الأمور… في كل حال، أن أكون قريباً من جمال عبدالناصر، فهذا شرف أدّعيه وتهمة لا أنفيها».

تعددت لقاءاتي بالأستاذ هيكل، وفي ظروف مختلفة ومتفاوتة. ومن أبرز هذه اللقاءات، ذلك الذي حدث عقب توقيع «اتفاقات كامب ديفيد».

وفي الحوار الذي أجريته معه حول الوضع العربي الذي أعقب هذه الفترة، وإجراء عملية «تشريح» شاملة، حرصت على أمانة النص بدقة، بين العربية الفصحى، وتلك التي وردت باللهجة المصرية.

وفي ما يلي القسم الأول من هذا الحوار:

> عادل مالك: نفتح معك سجل الحرب والسلام في المنطقة، ونعلم أنه جرت محاولات عديدة لعقد صلح منفرد بين مصر وإسرائيل حتى وقعت هذه المحاولات فعلياً، فماذا تقول في ما نحن فيه ونعلم أنك مطلع على هذه المراحل ومتداخل فيها؟

– هيكل: نرى هذا الموضوع من بدايته طول ما عمر السياسة الأمريكية أو السياسة البريطانية قبلها كانت باستمرار تستهدف إبعاد مصر عن بقية العالم العربي، وإسرائيل ورثت تقريباً هذا الهدف وهو يناسبها على حال من الأحوال. الأميركان والإنكليز قبلهم كانوا يتصورون وهذا تصور صحيح، أن مصر هي القوة الوحيدة فى هذه المنطقة القادرة بشرياً، ويمكن وقتها القادرة اقتصادياً على أن تواجه تحدياً معيناً، وإذا انضمت قواها إلى قوى بقية الأمة العربية في المشرق، هذا يخلق احتمال قيام قوة كبيرة في هذه المنطقة، وهذا كان هدفاً لا يريدونه. لو تلاحظ أنت الأهداف الأساسية للاستعمار في المنطقة وفيها إيه؟ خطوط مواصلات وفيها ثروات كاملة، خطوط المواصلات في قناة السويس والطيران. على أي حال، ألغيت الأهمية النسبية لقناة السويس وسموها أهمية اقتصادية. لكن من الناحية العسكرية الاستراتيجية، لم تكن مهمة بهذه الدرجة. مهمة الى حد ما، لكن ليست هي الأهمية الفادحة. لكن المطمع مطمع القوة الاستعمارية كان هدفها الثروة الضخمة والاتساع الضخم جداً في المشرق، وأن مصر بعيدة عنه بيخلي المشرق فى الشمال وفى الشرق غير قادر على مواجهات ما يوجه إليه وهو «مفتوح منهوب»، فضلاً عن الثروات الحقيقية هناك إسرائيل. لا أظن أن إسرائيل تطمع فى الاستيلاء على بترول العرب، لكن بالنسبة لها مطامع تاريخية والحلم الصهيوني كله متجسد فى المشرق في سيناء أو في مصر بصفة عامة، ولا يوجد مطالب أمن لكن لا يوجد دعاوى تاريخية متعلقة بالفكرة الصهيونية، وفضلاً عن هذا أنا بتصور أن إسرائيل يهمها تفك الارتباط مع مصر لأنها إذا فكت الارتباط عن مصر تبقى إزاحة الطريق القوة الوحيدة في المنطقة التي يمكن فى وقت من الأوقات تبني قوة مسلحة وتستطيع البناء وراء القوة المسلّحة إمكانية ترجع تترك الأهداف القديمة ونأخذ الأهداف الجديدة. أول مرة، إسرائيل حاولت تعمل صلح واتفاقات فى الواقع كان من خلال اتفاقيات الهدنة فى القدس. إسرائيل حاولت تهدد اتفاقية الهدنة فى القدس وتطورت اتفاقية الهدنة فى القدس، وعلى أي حال النظام القديم كان في أواخر أيامه. ماكنش فى محاولة لم تتابع بشكل أو بآخر. أنا اعتقد أن النظام القديم أيضاً كان رافضاً هذه الفكرة بعد الثورة مباشرة. كل رئيس أميركي فى الواقع كان عنده حلم حل الأراضي المقدسة، وليس فقط حلم حل الأراضي المقدسة لكن أيضاً موضوع مهم جداً بالنسبة الى أميركا من الناحية الاستراتيجية ومن الناحية الاقتصادية وكلهم حاولوا. أول محاولة جرت كانت المحاولة التى عملها دالاس لما جاء على مصر. دالاس لما جاء مصر كان يتحدث عن الدفاع عن الشرق الأوسط. الدفاع عن الشرق الأوسط قاد الى موضوع إسرائيل. عندما جاء جون فوستر دالاس يكلم جماعة مصر في الدفاع عن الشرق الأوسط سنة 1953 بعد الثورة بأقل من سنة وبعد حكم آيزنهاور بأقل من شهور، يعني أربعة أشهر، وجد أن جمال عبدالناصر بينصت لأي أحد يضع استراتيجياً للبلد يقول من هو العدو الذى أمامه. فجاء آيزنهاور ووجد أن جمال عبدالناصر لا يعتبر الاتحاد السوفياتي هو الخطر الذي يبني على استراتيجية معينة، لكن وجده ينظر الى عدو قريب. أول شيء الاحتلال البريطاني على قناة السويس لكن بعد ذلك إسرائيل، فبدأوا يطرحون مسألة إسرائيل، وبدا في تصوّرهم الدفاع عن الشرق الأوسط يمكن أن يشمل إسرائيل أيضاً، وهذا كان موضوع رفضه جمال عبدالناصر. حاول دالاس أن يتحدث فيه وفي موضوع الصراع الإسرائيلي بيحاول يجد أساساً لحل وطبعاً لم يصل الى أي شيء.

والمحاولة الأخرى التي حدثت وأنا أعتقد أن جمال عبدالناصر رفض الفكرة الأولى ومشيت المواجهة بينه وبين الأميركان الى مدى طويل حول حلف بغداد وحول الدفاع عن الشرق الأوسط، وبعدين جاءت صفقة الأسلحة التشيكية مع مصر وجاء بعدها الأميركان بتمويل السد العالي في هذا الإطار. وفي محاولة «غواية مصر» أن آيزنهاور بدأ يقترح علينا أن ننظر الى المشكلة التي توقف كل شيء عليها، الصراع العربي – الإسرائيلي. طيب نحاول نحلها وطبعاً أي أحد يتكلم عن حل يتوجه بالدرجة الأولى الى مصر، إلا إذا طلعت مصر من معادلة الشرق الأوسط يبقى عندك فى الواقع في المشرق العربي كيانات صغيرة لا تستطيع أن تواجه التحدي وهي موزّعة.

في يناير 1956، بعث آيزنهاور لجمال عبدالناصر يقترح أن يبعث إليه بمندوب فوق العادة يتصل بطريقة سرية وغير مكتوبة وغير معروفة، وأن هذا المندوب الفوق العادة يحاول أن يلاقي الحل. جمال عبدالناصر لم يعارض في المبدأ. في هذا الوقت، جاء روبرت أندرسون وكان وزير مالية آيزنهاور وكان يقيم في شقة في الزمالك وليس في فندق، وبدأ الاتصالات وجمال عبدالناصر قابله في هذه الفترة وتكررت اللقاءات وكان شارل ديغول رئيس وزارة، وعندما كان أندرسون جالساً مع جمال عبدالناصر واستمع لوجهة نظره كانت وجهة نظر عبدالناصر أن الحل الوحيد يكمن في حل قضية الشعب الفلسطيني والاتصال الجغرافي في العالم العربي، لأن إسرائيل كما ترى تقطع العالم العربي الى نصفين. حتى قبل حرب 1967، بدأت مشكلة الوطن الفلسطيني وفي أي حدود وقضية الاتصال الجغرافي، واقترح عبدالناصر أن يبقى مشروع التقسيم هو الأساس. موضوع مشروع التقسيم على الأساس المعدل في مخطط برنادوت يعني صحراء النقب تبقى عربية. وفي أول جلسة، أندرسون سمع وجهة نظر جمال عبدالناصر وذهب الى إسرائيل وعاد ولم يجد من يستمع إليه، لكن عاد أندرسون وطرح اقتراح بن غوريون في أن نتقابل سوياً مع بعض. اقترح بن غوريون أن يتقابلوا إما في مصر أو في القدس أو في أي عاصمة محايدة حتى في قبرص، أكانت بعيدة أو قريبة عن المنطقة. وتعهد بأن كل شيء سيكون مكتوباً. رفض جمال عبدالناصر وقال لأندرسون أنا غير مستعد إطلاقاً لذلك، وإذا ذهبت وقابلته في أي مكان فأنا لا أستطيع أن أعود الى بلدي، وسأله أندرسون: هل أنت خائف من الناس؟ فقال له: أنا لست خائفاً من الناس أنا خائف من نفسي. فلم تنجح المحاولة، ولكن بعد محاولة السويس في عامي 57 و58 حاولت إسرائيل أيضاً بعدها عن طريق المارشال تيتو. في ذلك الوقت، أرسلوا موفداً إسرائيلياً، نحوم غمبل، وذهب المذكور وقابل الزعيم تيتو وتكلم معه وقال له أنت تعرف جمال عبدالناصر وشرح له الصورة، وأنا أعرف أن إسرائيل تريد السلام وتريد أن تعيش، ومصر هي الموضوع المهم. وللمرة الثالثة جمال عبدالناصر قال له أنه لا يستطيع، وإذا كانت إسرائيل تستجيب فقد سبق له وتحدث في الأمر مع روبرت أندرسون، والشروط المصرية في هذا واضحة ومصر ليست مستعدة أن تقوم بهذا وحدها على أية حال. لكن إذا كانت هنالك استجابة لقرار الأمم المتحدة وإذا كان تدويل القدس القديمة والجديدة، القدس كلها، كعاصمة دولية، وإذا كان سيتم فتح الاتصال البري بين كل بلاد العالم العربي، فهو مستعد لتحمّل مسؤوليته ويقنع بقية العالم العربي بإمكانية هذا الحل، ولكن ما يبقاش حل منفرد.

بعد ذلك وبعد عام 1967 حاولت إسرائيل بكل الوسائل، وجونسون بعث بوضوح لجمال عبدالناصر بأن كل المطلوب سينفذ وإسرائيل مستعدة للخروج من سيناء. كل المطلوب أمر واحد غريب جداً وهو أن تعلن مصر بأن إسرائيل لها الحق بالمرور من خليج العقبة، وهذا الموضوع كان عبدالناصر موافقاً عليه على أن تنسحب من القضية العربية وأن تخرج خارج العالم العربي وترى مشاكلها. لكن عبدالناصر رفض حتى السماع بأي تفصيل حول هذا الموضوع، وهنا ستجد أمامك أربع محاولات واضحة.

> س: الآن، وبعد فشل كل المحاولات الأميركية السابقة، توصّل جيمي كارتر بفعل ما الى عقد صلح يُسمى اتفاقات كامب ديفيد. السؤال بالتحديد، ما هو هذا النوع من السلام، هل هو سلام مصر – إسرائيل تحت المظلة الأميركية أم هو سلام السادات بيغن فقط؟

– هيكل: أنا لا أعتبر أن الذي حصل له تعريف، لماذا؟ لو أمسكت كل الذي حصل في الواقع أنا أسميه وأنا أحتار بماذا أسميه، لكن هو أولاً محاولة تأجيل المشكلة برمتها الى المستقبل، وهو هروب في الواقع من صميم المشكلة. أنا لا أعتقد أن ما عقد هو اتفاق من أي نوع. أنا عاوز أقول لك حاجة هناك فرق بين أمرين، هناك فرق بين بيان رسمي وبين معاهدة. تستطيع أن تقول في البيان الرسمي أنا سأتفق مع الطرف الثاني في كذا أو أختلف في كذا. كل واحد يعمل تحديد لموقفه وقد تختلف المواقف، يعني نفتكر كلنا عندما ذهب مثلاً الرئيس نيكسون الى الاتحاد السوفياتي سنة 1972. بينه وبين بريجنيف صدر في موضوع الشرق الأوسط بيان بوجهة نظر أمريكية في مجموعة قضايا وبيان بوجهة نظر سوفياتية بمجموعة من القضايا، ولكن الجانبين أصدرا بيانات ولكنها لم تلتق. لكن المعاهدة أول أمر فيها أن تتعاهد مع أحد على أمر، يعني أن هناك نقطة التقاء بعد مفاوضات بعد مساومات وصلتم فيها الى حل وسط تلاقت فيها إرادتكم أو رغباتكم. وعندما أنظر الى الموضوع ليس هناك معاهدة ليس هناك أي شيء. انا أستغرب في توصيفه عندما يقولون «توصلنا» أقول توصلتم لماذا. لأنه في القضايا الأساسية كلها لم يصلوا لشيء. الضفة الغربية وغزة، طرف يسميهم الضفة الغربية وغزة والطرف الآخر يسميهم يهوداً وسامراً والطرفين لهما جوابين متبادلين لكل منهما رأي. واحد يعتبر القدس جزء من الضفة الغربية وعند الطرف الآخر هي العاصمة الوحيدة لإسرائيل. وأكثر من ذلك أنا أعتقد حتى في النصوص المختلفة في اللغات المختلفة للمعاهدة هناك خدعة. على سبيل المثال، النص العربي يتحدث على الانسحاب الكامل للقوات، وأن مصر سيادتها لغاية الحدود الدولية لفلسطين ما قبل الانتداب أو فلسطين تحت الانتداب مع مراعاة خاصة للوضع الخاص لقطاع غزة. أما النص الأمريكي فيقول بمراعاة مشكلة غزة، الأخذ بعين الاعتبار لمشكلة غزة، بينما النص الإسرائيلي بالعبري لا يشير إطلاقاً الى غزة.

طيب اتفقنا على إيه إذن؟ أنا أرى في الواقع أنه ممكن أن تقول أنه حصل اتفاق في ما يتعلق بأجزاء من سيناء، وأكاد أقول هذا في مرحلة ثالثة من فك الارتباط، لكن أن يأتي أحد ليقول لي أن هذا اتفاقية كاملة انا مش مقتنع هذا الصلح مع من والاتفاقية مع من. أولاً، لا يمكن أن تسميها اتفاقية عربية شاملة ومن الواضح أن العالم العربي كله تقريباً رافض لهذه الاتفاقية. الفلسطينيون أصحاب الشأن سواء المقاتلين من منظمة التحرير أو الفلسطينيين تحت الاحتلال كلهم يرفضون. إذاً، الواضح بالنسبة للأمة العربية كلها أن هذا لا يشكل لهم أي حل إطلاقاً، في ما يتعلق بمصر أنا أريد أن أقول شيئاً: هناك خطأ كبير جداً في اعتقادي في معالجة دور مصر.

إذا كان أحد يعالج دور مصر باعتبارها كياناً جغرافياً فهذا خطأ في رأيي ولم يكن يوماً دور مصر كياناً جغرافياً. فمصر طوال عمرها وهذه هي قيمتها بالدرجة الأولى هي دور مصر. هي دور ليس من الآن ولا من أيام عبدالناصر. مصر حتى قبل الثورة لها دور. قبل محمد علي مصر لها دور. حتى في العصر المملوكي… لا أحد يأتي الآن ليقول أن مصر كيان مكون من سيناء ومن الدلتا والصحراء الغربية ومن الصعيد، هذه نظرة تقلل جداً من قيمة مصر. مصر لا تستطيع في هذه المنطقة إلا أن تكون دوراً ودوراً تقدمياً ومتقدماً ودور تحديث ودور حضارة ودور تعليم، دور إشعاع. عندما تقول أن مصر تقلصت الى كيان جغرافي أنا غير مستعد أن أتقبل هذا. حتى أنني غير مستعد لقبول منطق المفاوضات. تعال وانظر المفاوضات دارت بين من ومن. المفاوضات دارت بين إسرائيل تحتل كامل تراب الحلم الصهيوني، الضفة الغربية كلها وغزة إسرائيل التاريخية… تريد التفاوض مع مصر وتريد أن تحولها الى كيان جغرافي. وأنا واحد من الأشخاص غير المستعد لتقبل هذا. مصر دور ومصر ليست صحراء سيناء ولو أن صحراء سيناء قطعة مهمة منها ولكن دور مصر هو كل نقطة من أرض مصر. هو الدور المصري.

> عادل: عودة الى ما كنت تشير إليه قبل قليل، هل فعلاً نجحت خطة عزل مصر بعد توقيع اتفاقات كامب ديفيد؟

– هيكل: أنا أعتقد أننا فعلاً أمام كارثة كبيرة جداً. أنا أشبه العالم العربي برأس وجسد، وأعتبر أن هناك عملية الآن لفصل الرأس عن الجسد. وهذه كارثة عند الطرفين، أي العرب ومصر. لا مصر تستطيع أن تعيش من دون بقية البلاد العربية ولا بقية البلاد العربية تستطيع أن تعيش من دون مصر. أما أنه حصل كارثة فأنا لا أناقش أنه حصل كارثة. لكن وبعد ذلك ما هو الحل ماذا بعد ذلك؟ أنا أرى انه فعلاً هناك قطيعة. كفاية أن ننظر الى التصريحات المتبادلة عبر الراديوهات والتلفزيونات وكل هذه الوسائل، وأن يقرأ الفرد الصحف من الناحيتين. الآن لو نظر الفرد منا الى التصرفات من الناحيتين، سيجد أن الوضع في منتهى الخطورة في العالم العربي. أنا لا أدري كيف سيتمكن العالم العربي من مواجهة مستقبله بهذا الشكل. العالم العربي جالس الآن ومتصور أنه قوي وغني. لم يكن العالم العربي يوماً في حاجة الى إرادة موحدة أكثر من الآن. اليوم نحن نتصور أننا أغنياء ولكن هذا ليس صحيحاً، يجب ان تعلم أن مجموع دخل كل الدول العربية المنتجة للبترول في الأوبك أقل من دخل هولندا. مجموع دخل كل الدول العربية المنتجة للبترول وغير البترول أقل من دخل إيطاليا. نحن لدينا بعض السيولة النقدية تمكننا من شراء السيارات ونشتري القصور ونركب الطائرات، وهذا جيد ولكن ليس لدينا أو لا نملك غير ذلك، وحتى لو أخذناها بمقياس الثراء فنحن فقراء بالنسبة للآخرين. ثم نسمع أحداً يقول بأننا القوة السادسة وهذا غير صحيح. الذي أخشاه جداً وأعتقد أنه مهم جداً في أي صراع في الدنيا هو الإرادة.

يعني مثلاً عام 1967، لم أكن خائفاً كنت حزيناً وحزيناً جداً، ولكن الطريقة التي خرج بها الشعب فى 9 و10 يونيو وبالطريقة التي قرر بها الرئيس جمال عبدالناصر تحمل مسؤولياته والطريقة التي وقف فيها كل العالم الغربي وراء الهزيمة، كانت هناك إرادة. وأنا أقول لك: مصيبة وأمر يدعو الى الحزن أن العدو يستطيع أن يحتل جزءاً من ترابنا أو أراضينا، ولكن الأصعب من هذا أن تُحتل إرادتك لأن طول ما إرادتك حرة… بالدرجة الأولى السياسة إرادة، إرادة طبعاً لكنها تحتاج الى إمكانات. والإرادة العربية بلا بترول ويمكن حتى بلا جيوش. أحياناً، يعني سنة 1967 لم يكن هناك بترول ضخم جداً وكانت الجيوش مضروبة أو مصابة ومع ذلك الإرادة العربية وقفت وقبلنا التحدي وقبلنا حتى الألم، ومع ذلك كانت هنالك أمة واقفة وقفت تتحدى وتقاوم حتى وهي تنزف.

عادل مالك

المصدر: الحياة