انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في سورية وصمة عار  على جبين المنظمات الإنسانية والحقوقية

49

لم تعد رؤية طفل سوري في إحدى الورشات أو على الأرصفة وهو بصدد بيع مواد أو مأكولات سريعة أو جرّ عربات لبيع الخضار والفواكه أمرا غريبا، فقد باتت هذه المشاهد شبه مألوفة في كل المحافظات، حيث يضطر الأطفال إلى ممارسة مهن شاقة لعدة دوافع أبرزها الفقر والخصاصة والحرمان من المدارس في مناطق إقامتهم أو غياب الوعي لدى الأهالي بأهمية تعليم الطفل.

وقد نبّه تقرير اليونيسيف لعام 2020   من خطورة مواصلة تشغيل الأطفال القصّر واستغلالهم أثناء الحرب السورية، ودق ناقوس الخطر بعد أن بات الأمر اعتياديا عند أهالي هؤلاء الأطفال  بعد أن أثبتت الإحصائيات  تسرّب أكثر من مليونين ونصف المليون طفل سوري من المدارس، و750 ألف طفل سوري في الدول  المجاورة لا يذهبون إلى المدارس.

ولطالما  شدّد المرصد السوري لحقوق الإنسان على ضرورة إيلاء أهمية قصوى للأطفال ومحاربة آفة التشغيل التي يتعرضون خلالها إلى شتى أنواع الإستغلال وهم قصّر في عمر الورود، فضلا عن الدعوات التي أطلقها المرصد السوري للتصدّي لزواج القاصرات الذي انتشر في  السنوات الأخيرة بصورة لافتة.

وتعتبر الناشطة الحقوقية سليمة الفرج، من محافظة الرقة، في حديثها مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن الإتفاقية العربية التي صدرت منذ 1996، هي أول اتفاقية عربية في إطار مكافحة عمالة الأطفال- والحديث عن حقوق الطفل- حيث جاءت كتتويج لسلسلة المبادئ التي أكدت عليها الاتفاقيات العربية السابقة في هذا المجال. وقد عرّفت الطفل بأنه: (الشخص الذي أتم الثالثة عشرة ولم يكمل الثامنة عشرة من عمره سواء أكان ذكراً أو أنثى)، وحظرت عمل من لم يتم سن الثالثة عشرة من عمره، ونصت على أن أحكامها تشمل جميع الأنشطة الاقتصادية باستثناء الأعمال الزراعية غير الخطرة وغير المضرة بالصحة ووفق ضوابط تحددها السلطة المختصة في الدولة تراعي فيها الحد الأدنى لسن الأطفال.

 وأفادت الناشطة الحقوقية بأن ظاهرة عمالة الأطفال باتت أمرا مرعبا، حيث ترى فتيات وفتيان السبع سنوات والعشر سنوات يعملون في مهن شاقة في ورشات تصليح السيارات والمخابز والمحلات المختصة في بيع الأقمشة والملابس والأحذية، معبّرة عن ألمها عند رؤيتها تلك المشاهد يوميا؟

وأرجعت محدثتنا انتشار الظاهرة إلى ترد الأوضاع الاقتصادية وفقدان العوائل مصادر دخلهم إضافة إلى وفاة الولي أحيانا في ساحات الحرب، مما يجبر الإبن أو الإبنة على العمل لتوفير القوت اليومي، مشيرة إلى أن الحرب  هي وراء  تفاقم الآفة التي  أضرّت بالطفولة ومسّت مستقبلهم الدراسي والعلمي وجعلتهم في خندق الفقر والجوع  .

ولفتت إلى أن عمالة الأطفال وصمة عار  على جبين كل المنظمات الإنسانية والحقوقية التي ترفض الحديث عن الظاهرة أصلا برغم خطورتها على التماسك المجتمعي ومستقبل الطفولة الذي حوّلته الحرب إلى كابوس مرعب  في ظل قانون الغاب وارتفاع نسب الفقر والامتناع عن الذهاب إلى المدارس بسبب الخوف من القصف والموت الذي  يتربّص الشعب السوري منذ 2011.

 وشدّدت على أن الفقر والعيش في المخيمات واللجوء والنزوح كلها عوامل تدفع بل تجبر الأطفال على الشغل في أي مجال وبأي أجر، محذّرة من انعكاسات الظاهرة خاصة بعد الانقطاع عن المدارس ما قد يخلق جيلا غير متعلم سيعاني من الأميّة، ذلك على نفسيته وحضوره في المجتمع.

من جانبه  اعتبر المعارض السياسي وعضو الائتلاف السوري، جون نسطة، أن الفقر والخصاصة والعيش في المخيمات من أبرز أسباب انتشار الظاهرة، مشيرا إلى أن الأطفال هم  ضحايا الحروب والأزمات دائما، وما قد ينقذ الوضع هو إحداث التسوية السياسية على أساس القرارات الأممية لإنهاء المأساة التي يعيشها الشعب السوري .

بدوره، علّق المعارض السياسي وعضو هيئة التنسيق يحيى عزيز، قائلا: إن هذه الحرب التي وصفها بـ”المجنونة” في سورية كانت حربا شاملة ومدمرة بكل ماتعني الكلمة من شمولية ودمار تام للبشر والبنية التحتية وقد جلبت الويلات للسوريين بسبب القتل والاعتقال والاختطاف والنزوح والتهجير القسري، ما انعكس على حياة السوري، وقد كانت المرأة  المتضررة بالدرجة الأولى و الضحية إضافة إلى الطفل بفقدان الأب أو الأخ، وانهيار المنزل،  ليتغيّر واقعه وهو  لم  يبلغ بعدُ سن الرشد، ضمن  ذلك الواقع  الذي انعكس على البنية  الاجتماعية وعلى المجال المعاشي ما أدى إلى تردي الحياة الاقتصادية وازدياد الحاجة والمأساة والفاقة المتزايدة على كاهل المواطن السوري الأمر الذي فرض على المرأة والطفل العمل، ذلك الواقع قلب المعادلة وصار القاصر مطالبا بالعمل وحتى بالمهن المتعبة بعد أن اضطر إلى مغادرة المدرسة للبحث عن مصدر العيش له ولأسرته ليكون مساهما كالرجل في الحفاظ على الأسرة وتوفير ما يمكن توفيره من حاجات ضرورية.

ويُرجع السبب الرئيسي إلى الحرب وانعكاساتها وكذلك الحصار الاقتصادي على سورية، لافتا إلى انخفاض قيمة العملة كما النزوح والخراب والدمار إلى جانب وباء كورونا الذي جاء ليطبق أكثر على معاناة الشعب السوري ويسهم في خروج ظاهرة عمالة الأطفال عن السيطرة.

وقد أجمع المتحدّثون على أن الفقر المدقع بسبب الوضع الاقتصادي الصعب وراء تفشي الظاهرة التي أضرت بمستقبل الأطفال في سورية، حيث لا يواجه هؤلاء الأطفال فقط إجهاد العمل واستغلال رب العمل الذي يفضلهم على غيرهم بسبب أجورهم المتدنية، بل يواجه هؤلاء القصّر ظلم القوانين والمجتمع الدولي والحقوقي الذي لا يهتم لأمرهم ووضعهم.

كما أن المجتمع والعائلة وجب ألاّ يتنصلون من مسؤوليتهم تجاه المأساة التي مسّت الطفولة في سورية حيث  تدعو الضرورة والحرص على مستقبل الأطفال وسلامة المجتمع إلى محاربة الظاهرة وإرجاع المنقطعين عن الدراسة إلى مقاعدهم والسعي  لتوفير الأرضية الملائمة  للحياة الكريمة .