انتصار الممانعة… حينما زار قائد إيراني إحدى ساحاته

31
يخال مراقب الجمهور الممانع في تعليقاته على زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى سوريا، ووصفها بـ”الانتصار التاريخي”، أن الطائرة الرئاسية التي حطت في مطار دمشق، هي طائرة الرئيس الأميركي جو بايدن، أو الملك البريطاني! فالانتصار هنا، لا يأخذ بعين الاعتبار أن إيران دولة صديقة للنظام السوري وداعمة له، وأن أزمته لم تكن يوماً مقاطعة إيران أو روسيا له، كما هي مقاطعة الغرب. 
يعيش النظام السوري اليوم، أفضل أحواله منذ العام 2011 بعدما تراجعت ضغوط دول عربية مؤثرة في الملف السوري، وفتحت أبوابها أمام ممثليه لإجراء تفاهمات في الغرف المغلقة بغية رسم مسارات التواصل. مما لا شك فيه، أن زلزال 6 شباط/فبراير الذي حرك الأرض بعنف جنوبي تركيا وصولاً إلى سوريا، قد خدم النظام السوري، فحينها بدأت أولى المواقف العربية التي اخترقت مقاطعة النظام المعلنة من قبل السعودية ومصر، وتلاها التقارب الإيراني السعودي. 

يتصاعد الحديث منذ أسابيع، عن عودة الأسد إلى المحافل الاقليمية والدولية والتطبيع مع نظامه الذي عُزل لسنوات عربياً ودولياً. ليس من الواضح بعد كيف ستكون العلاقات “الجديدة” مع النظام السوري، وما هي الشروط التي فرُضت عليه لإعادة فتح جسور التواصل معه. لكن طائرة الرئيس الايراني هبطت في مطار دمشق، وسط تلك الضبابية، بعد تأجيل ثلاث مرات، حيث استقبله الرئيس بشار الأسد في القصر الرئاسي، قبل أن يزور مقام السيدة زينب.
احتفالات صاحبت زيارة رئيسي. جُنّد الإعلام الممانع وجمهوره لإعلان انتصار المحور الممانع، من دون أن تُفهم أسباب هذا الانتصار الآن. فمنذ اشتعال الثورة السورية في العام 2011، عملت طهران بكل قوتّها العسكرية والمالية واللوجستية، للحفاظ على نظام الأسد. وخلال سنوات الأزمة السورية، سيطرت طهران على أهم المفاصل الأساسية في سوريا، حتّى وصف البعض إيران بالمتحكّمة في مؤسسات النظام السوري على إختلافها، والمرجعية الأساسية لنظام الأسد. وعليه، طُرح السؤال التالي: أي إنتصار تحقق إذا قام الرئيس الإيراني بزيارة لدولة تعمل تحت قيادته؟
ما يمكن إعتباره إنجازاً او كسراً للعزلة المفروضة على الأسد، هو، افتراضاً، زيارة للرئيس الأميركي، أو رئيس دولة أوروبية، على سبيل المثال لا الحصر. ففي هذه الحالة يُنظر إلى الحدث على أنّه إنتصار للمحور الممانع بقيادة الجمهورية الإسلامية في إيران.

الأكيد أن زيارة رئيسي إلى العاصمة السورية تحمل العديد من الرسائل للداخل السوري والخارج. فداخلياً، البُعد الاقتصادي من أولويات هذه الزيارة، إذ إن طهران تريد ضمان جني النتائج الاقتصادية المترتبة على الدعم السياسي والعسكري الذي قدمته للنظام طوال هذه السنوات ونجحت في جعله يصمد.. أمام شعبه.

أما خارجياً، فتأتي هذه الزيارة في وقت يشهد تقارباً تركياً مع النظام السوري برعاية روسيا ودعمها، وهذا ما عكسته اجتماعات سياسية وعسكرية وأمنية في موسكو، منذ أواخر العام الماضي. ربما أرادت إيران القول للعالم إن أي تبدل في المواقف تجاه النظام السوري، وأي تفاهمات أو تسويات سياسية مقبلة معه، لا يمكن أن تكون بعيدة من الحضن الإيراني أو أن تتجاوز القواعد التي أرساها الإيرانيون في عموم سوريا على مدى عقد.
تُشكّل الزيارة إستكمالاً لتأكيد النفوذ الإيراني في المنطقة في ظل إنفتاح بعض العواصم العربية على نظام بشار الأسد، الأمر الذي يتنافى مع الجوقة الإعلامية الممانعة وجمهور المحور. فالقصة، ببساطة، هي زيارة قائد لإحدى ساحاته.
المصدر: جريدة المدن