بايدن واللعب مع إيران

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

28

يبدو جو بايدن معجبا بطريقة تعامل إسرائيل مع إيران، حين تستخدم المجال السوري بكل حرية واستباحة، فقد نفّذت أميركا ضربةً جويةً على تجمعاتٍ مواليةٍ لإيران فوق الأراضي السورية، بالطريقة ذاتها التي تكرّرها إسرائيل مرة بعد مرة، وبنجاح كبير ومن دون أن يعترض سبيلها أحد، ومن دون أن تجد إيران نفسها مضطرّة للرد. وتبدو أميركا كأنها اكتشفت للتو هذه الآلية، فنفذتها على الفور، ردّا على هجوم جرى على بعض جنود التحالف في العراق. والواقع أن الهجوم الأميركي كالهجمات الإسرائيلية، ليس محشوا بالقنابل والصواريخ فقط، بل محمّل بالرسائل السياسية أيضا. ويبدو أن إيران تستوعب جيدا مثل هذه الدروس. لذلك تراقب من دون أن تقوم برد فعل، عدا لملمة أشلاء قتلاها وحطام منشآتها المدمّرة، لتعود إلى بنائها، ولكن بتمويه أكبر وببطء أشدّ في انتظار الهجمة التالية.

تدرك إيران أن بناء قنبلتها النووية بعيد المنال، ولا سبيل للوصول إليه في الوقت الحالي، ولا في أي وقت قريب، وهي تعرف أن أي تحرّك جدّي لبناء قنبلة من هذا النوع سيواجه بضراوة من إسرائيل التي لن تتردّد لحظة في إرسال طائراتها لقصف مواقع داخل إيران، قبل أن تأتي اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن إنجاز القنبلة، بالإضافة إلى الترصّد الأميركي الذي يراقب، هو الآخر، كل التحرّكات الإيرانية النووية، وعلى مرمى حجر من قواعدها المنتشرة بكثافة في الخليج، فإيران ليس لها إلا الاتفاق النووي خيارا وحيدا، لتلتزم به، وربما بشروطٍ أقسى هذه المرّة. وقد يترك لها بعض الحرية للمناورة في مجال الصواريخ البالستية، ما يبقيها تحت الضغط، وعلى مرمى العقوبات في أي لحظة يرغب بها الرئيس الأميركي. وعندما تدرك إيران أن حجمها أصبح مسيطرا عليه، تلتفت للحفاظ على ما تملكه من مواقع في سورية واليمن ولبنان، إضافة إلى ملعب واسع في العراق، من دون إمكانية التوسع أكثر. وثمن الحفاظ على ذلك كله غال جدا تدفعه الخزينة الإيرانية المشرفة على الهاوية، والتي تعمل يوما بيوم للبقاء على قيد الحياة و”المقاومة”.

تقلّصت قدرات حزب الله كثيرا، بعد أن انكفأ إلى الداخل، وأصبح همه الأكبر تعزيز سطوته على الحكومة في بيروت، مع وجود قسمٍ من مقدّراته في دمشق، لمنع حليفه هناك من السقوط، فأصبحت إمكانية مهاجمة إسرائيل بالنسبة لحزب الله في أدنى مستوى لها، وقدرته على الرد “الرمزي” بتحقيق أي اختراقٍ أصبحت موضع شك كبير، فتأمّنت حدود إسرائيل الشمالية، وحدودها مع سورية آمنة منذ عقود. وصار ميدان اللعب مع إيران في الساحة السورية إحدى هواياتها المفضلة التي تمارسها بين حين وآخر لإبقاء الند الإيراني مشغولا إلى أقصى حد بترميم عزيمته. والآن من المتوقع أن تكمل أميركا اللعبة بالتناوب أو بالتبادل مع إسرائيل في القصف على أي موقع في سورية. حالة التردّي الاقتصادي المسلطة على الداخل السوري، بدأ لبنان أيضا يستشعرها بقوة، والأنباء تتوالى عن هبوطٍ مروّع جديد في سعر صرف الليرة اللبنانية، لتصل إلى مستوىً من الحضيض الذي لم تشهده من قبل.

أصبحت طريقة التعاطي الأميركي مع المنطقة مقروءة إلى حد بعيد، فهي مزيجٌ من خنق اقتصادي ذي حلقة متضيقة تدريجيا على أماكن سيطرة إيران وحلفائها، مع مغازلة لإسرائيل بهجمات جوية بين الآونة والأخرى، لإبقاء بعض الحرائق المشتعلة التي يتطلب إطفاؤها تنازلا سياسيا، من المتوقع أن تقدّمه إيران في انتظار أي محادثاتٍ جديدة. لا تبدو هذه السياسة مطمئنة، على الرغم من أنها تضيق على إيران وتحدّ من حركتها، وهي في الواقع تمنعها من توسيع سيطرتها على بقع الخرائب والبقايا البشرية التي خلّفتها حروب النظام السوري وطرائق قمعه الناس الذين يعانون أسوأ وضع اقتصادي يمكن أن تؤرّخه المجلدات عن حياة سكان هذه البقعة الجغرافية.

 

 

 

الكاتبة: فاطمة ياسين – المصدر: العربي الجديد