«برج المترفين» أمام خيام المهجرين

المقال يعبر عن رأي الكاتب ولا يعبر بالضرورة عن رأي المرصد السوري لحقوق الإنسان

34

اجتمعت عدة عناصر إشكالية في المشهد الذي أغضب الكثيرين، من متابعي الشاب السوري أنس مروة وزوجته، وهما يحتفلان بإعلان جنس مولودهما على برج خليفة، هذه العناصر ذات المدلول السلبي في ذهن المشاهد العربي والسوري، قد تكون تسببت بتحميل اليوتيوبر الشاب، وزرا أكثر مما يحتمل، وأكثر حتى مما يدركه هو كشاب يانع لا يملك تقديرا وافيا، ربما لحالة كهذه، حتى إن كان غير معني إلا بجمع المعجبين وإثارة الجدل، كما يقول بعض متابعيه، على ذمتهم، في حين يراه آخرون مثالا للشاب الطموح الناجح في الفضاء الاجتماعي، هذا الفضاء الذي يعج أيضا بما يسمى اليوم «صناعة التفاهة».

التضامن هو علامة الترابط الأهم لمجتمع يخوض نزالا ثوريا، إن أراد له أن يكون ناجزا

تفكيك المشهد سيفضي بنا إلى ثلاثة عناصر ذات رمزية وأبعاد، استفزت بالذات مجتمع الثورة السورية في الداخل السوري، وهم يشاهدون برج خليفة في عاصمة التطبيع، يضيء بجنس مولود، في حفل يبدو باذخا، لعائلة تنتمي لقيادة ثورية، ولعل ما تبادر إلى أذهانهم وهم يشاهدون تلك اللقطات، أنهم أمام «برج المترفين» أمام خيام المهجرين، و»ترف البورجوازية الثورية» أمام بؤس الكادحين، فبرج خليفة، في عيون كثيرين، أحد رموز البذخ والتعالي، والمباهاة السياسية المصطنعة، من قبل دول لا تعرف سبيلا إلى التفاخر والإنجاز إلا بأطول برج وأكبر كمامة، تغازل نظام الأسد، وتهادن نتنياهو، بعد كل اقترفوه من آثام، غير عابئة بهموم الأشقاء، تضيء أبراجها لأحزان باريس، أكثر مما تحزن لأتراح عواصم ومدن عربية تئن، فصورة هذا البرج الباذخ المتعالي، وعاصمته في أذهان الكثيرين من العرب، أثرت سلبا في المشهد، خصوصا ونحن نتحدث عن مجتمع الداخل السوري المدقع الفقر، المهجر في الخيام، الفاقد للأمن، فكان طبيعيا أن لا يجد هؤلاء شيئا «لا يشبههم» البتة ولا ينتمي إليهم، وعلى الأقل لا يقدّر ولا يراعي معاناتهم. واذا اضفنا عنصرا آخر بالغ التأثير، وهو انتماء الشاب لعائلة قيادي في المعارضة السورية، لاكتملت هنا عناصر التنافر، فأبناء قادة الثورة لا يشبهون أبناء مجتمع الثورة، ولعلي أذكر هنا حادثة بسيطة من عشرات الحوادث، التي كانت تتفاعل منذ بداية الثورة، بين فقراء الأرياف الثوريين ومن يرونهم عنوانا للبرجوازية و»أبناء الذوات» وإن كان بعضهم مؤيدا للثورة.
ففي ريف حلب الشمالي، اتخذ ابناء القرى من الفصائل المعارضة، فلل الأثرياء مقرات لفصائلهم في إحدى أرقى أحياء أثرياء حلب وأطبائها، وهي منطقة قبر الإنكليزي، نسبة لضابط انكليزي قتل في المعارك مع العثمانيين، وكانت من يوميات هذه المنطقة، النزاع المحتدم بين أصحاب هذه الفلل الفاخرة، المبنية بالحجر الأبيض مع برك سباحة، الذين يحاولون تجنب منحها لأبناء الريف كمقرات لفصائلهم. كان الناشطون والمعارضون من القرى الريفية غاضبون لسبب بسيط، فهم حسبما يقولون: «نحن نضحي بأنفسنا من أجل الثورة، وابناء الذوات هؤلاء غير مستعدين حتى أن يضحوا ببيوتهم كمقرات». وطبعا لا يعني هذا أن غايات الفصائل من استخدام الفلل كانت منزهة تماما عن أهداف لا علاقة لها بالثورة أحيانا، لكن في الحالتين، كان الجدال هو بين الفقراء والأغنياء، حول حياتهم المترفة والباذخة، كما أنه انتقل لاحقا ليشمل نزاعا مع أصحاب المهن، التي تحتاج المعارضة وجودهم، كالأطباء، ومعظمهم أيضا من العائلات الغنية، التي هاجرت وتركت البلاد مع أبنائها من الكفاءات من أول رصاصة. لكن هل تقودنا هذه المقاربة إلى أن نطلب من كل مؤيد للثورة السورية، ممن يعيشون في ظروف ميسورة، أن يقضوا جل أوقاتهم بالحزن ولبس السواد والتقشف، إظهارا للتعاطف والنقاء الثوري؟ ليس الامر بهذه السطحية والافتعال بلا شك، لكن بالمقابل، فإن الامعان في الظهور المترف والاستعراض بأسلوب حياة لا يراعي واقع مجتمع يعاني، يفترض أنك تنتمي إليه (إذا كنت حقا تعتقد أنك تنتمي اليه) هو أيضا مؤشرعلى عدم مراعاة مشاعر عائلتك الكبيرة المكلومة، وانعدام التضامن مع من يفترض انك تنتمي اليهم في أوقاتهم الصعبة، التضامن هو علامة الترابط الأهم لمجتمع يخوض نزالا ثوريا، إن أراد له أن يكون ناجزا.

الكاتب:وائل عصام – المصدر: القدس العربي