بعد أن أفقدته نيران “قوات النظام” القدرة على السير…مواطن سوري يروي “للمرصد السوري” معاناته مع النزوح بحثاً عن الأمن والأمان

39

من نزوح إلى آخر تقلبت صفحات حياة ع.م، المواطن السوري البالغ من العمر 46 عاما، لينتهي به المطاف في خيمة صغيرة في بلدة “قاح” في شمال إدلب، بعد أن أصيب إصابة أقعدته الفراش. يعيل ع.م 5 أطفال، لكنه كما يصف حاله بات غير قادر على إعالتهم. وفي شهادته لـ”المرصد السوري لحقوق الإنسان”، يروي “ع.م” تفاصيل مسيرته ضمن سنوات الأحداث السورية ومعاناته، قائلا: “أنا من مواليد قرية الجرنية في ريف حماة الغربي.. لم أكمل دراستي بسبب الأوضاع المعيشية التي كانت تعاني منها الأسرة، فقد درست حتى مرحلة الصف السادس الابتدائي فقط، ثم تابعت حياتي مساعدا لوالدي في مهنة الزراعة. شاركت كباقي أهالي قريتي منذ بداية الأحداث في المظاهرات التي خرجت تطالب بالحرية وإسقاط النظام، لم يكن هناك هدف آخر إلا أن نحصل على حريتنا واستبدال النظام الذي حكم البلاد بالحديد والنار لسنوات طويلة، حتى جاء ذلك اليوم الذي كنت فيه على موعد مع إصابتي، وذلك في أواخر عام 2012، حيث تعرضت القرية لقصف عنيف بالرشاشات الثقيلة من قبل قوات النظام المتواجدة في مدينة السقيلبية غربي القرية، حيث أصبت بطلق ناري في أسفل الظهر”.

وتابع “ع.م”، في شهادته لـ”المرصد السوري”: “تم إسعافي في المركز الصحي في القرية، ثم نقلت إلى المشفى الوطني في مدينة حماة، حيث أجريت لي عملية لنزع الطلق الناري وبقيت طريح الفراش داخل المشفى لمدة شهر كامل. وفي هذه الأثناء خرج عدد كبير من أقاربي من القرية باتجاه الشمال السوري، أما أنا فقد خرجت من المشفى إلى المنزل بعد أن علمت أنني أصبحت غير قادر على المشي، وبقيت في القرية حتى سيطرة قوات النظام عليها واقتحامها عام 2013، حيث نزحت أنا وأسرتي منها باتجاه بلدة قلعة المضيق، وجلست في منزل أحد أهالي البلدة لمدة 4 أشهر، ثم انتقلت إلى قرية الشريعة بسهل الغاب في ريف حماة الغربي، التي بقيت فيها حتى النزوح الأخير في شهر أبريل/نيسان 2019، وجلست خلال هذه المدة الطويلة في منزل يملكه أحد سكان القرية دون أي مقابل. وعلى الرغم من بساطة أهل هذه القرية وفقرهم الشديد، إلا أنهم كانوا يحسنون استقبال النازحين ويتقاسمون معهم كل ما يملكونه. تعرضت القرية خلال هذه السنوات للكثير من القصف، ولكن لم يكن لدي رغبة في الخروج منها إلى منطقة أخرى، إلى أن جاء موعد النزوح الأخير الذي يعتبر الأوسع من نوعه، حيث تعرضت القرية وجميع القرى المحيطة لقصف جوي وبري مكثف من قبل قوات النظام والميليشيات المساندة لها، ما أجبر سكان القرية على النزوح منها بشكل تدريجي، فتوجهت أنا وأسرتي باتجاه الشمال السوري، باحثين عن مأوى جديد لنا، لتحط بنا الرحال هذه المرة في بلدة قاح في ريف إدلب الشمالي، وتحت خيمة مهترئة لا يوجد فيها أدنى مقومات الحياة الكريمة”.

وأضاف “ع.م”: “أعاني في هذه الخيمة من ظروف معيشية صعبة جدا، حيث إن الخيمة كانت بالأساس مستعملة لمدة 4 سنوات، فقمت بشرائها من أحد نازحي ريف حماة الشرقي، بمبلغ 45 ألف ليرة سورية، ومع دخول فصل الشتاء فإنها لن تسد عنا البرد ولا الأمطار، كما أن أرضية الخيمة ترابية ولم أملك القدرة على تجهيزها. أجلس فيها أنا وزوجتي وأطفالي، وقد جعلنا جزء منها مخصص للاستحمام والمطبخ، وننام جميعنا داخلها، كما أعاني من عدم وجود مكان خاص بي لقضاء الحاجة، وأجبر على قطع مسافة بالكرسي المتحرك للوصول إلى المراحيض المخصصة لسكان المخيم، كما نعاني من أزمة كبيرة في مياه الشرب، مع العلم أنه يتم توزيع حصص مياه شرب كل 15 يوم من قبل إحدى المنظمات، ولكنها لا تكفي لسد حاجة الأسرة، ونضطر لشراء الماء عبر الصهاريج بثمن مرتفع، ولم يتم تسليم أي نوع من أنواع المساعدات الغذائية أو الطبية أو تنظيفات، فبدأت حالتي المادية تسوء لدرجة كبيرة، لدرجة أني قمت ببيع قطعة ذهب لزوجتي وإنفاقها على متطلبات الأسرة، ومع اقتراب فصل الشتاء نحتاج مواد تدفئة ولا أعلم كيف سأتمكن من تأمينها، كما أن العام الدراسي قد دخل ولم استطع إرسال أطفالي إلى المدرسة”.

وناشد “ع.م”، عبر “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، جميع المنظمات الإنسانية والهيئات الخيرية، بمد يد العون والمساعدة له، حيث قال: “لم أعد قادرًا على تحمل أعباء تكاليف المعيشة لأسرتي، وأناشد جميع المنظمات الإنسانية العاملة في الشمال السوري، بمد يد العون والمساعدة لي ولأسرتي، وتحسين واقعي المعيشي، و بالدرجة الأولى نحتاج مواد تدفئة لفصل الشتاء، بالإضافة لتبديل الخيمة، ومياه للشرب وغذاء”.