بعد “فواز وسلام ونور”.. اختطاف الأطفال في سورية إلى أين

42

سورية-

يعاقب القانون السوري مرتكبي عقوبة الخطف بقصد طلب الفدية واستعمال  العنف بالسجن عشرة سنوات وغرامة ضعف الفدية المطلوبة ويحكم بالحد الأعلى وهو عشرون سنة، إذا كان المخطوف طفلاً وطلب الفدية مقابل خطفه، مع ملاحظة أن هنالك نصا خاصا بالخطف بقصد تحقيق مأرب سياسي أو مادي أو بقصد الثأر أو الانتقام أو لأسباب طائفية، وقد نص عليه المرسوم التشريعي 20 لعام 2013 وعقوبته الأشغال الشاقة المؤبدة، وتصبح العقوبة الإعدام إذا نجم عن جريمة الخطف وفاة أحد الأشخاص، أو حدثت عاهة دائمة بالمجني عليه، أو قام الفاعل بالاعتداء جنسياً على المجني عليه، وهذا النص الأخير هو النص اللاحق الواجب التطبيق وبالتالي تكون عقوبة الخطف إما المؤبد أو الإعدام إذا كان الخطف بقصد تحقيق مأرب سياسي أو مادي أو بقصد الثأر أو الانتقام أو لأسباب طائفية أو بقصد طلب الفدية، سواء أكان المخطوف طفلاً أم بالغاً-  تشريع سوري لا يُعترف  به في دولة مقسمة يسودها قانون الغاب ويسيطر عليها مبدأ البقاء للأقوى بعيدا عن القوانين والمبادئ الأساسية التي تنص عليها قوانين حقوق الإنسان عامة.
لم تكن قضية الطفل فواز الذي  تم خطفه من قبل عصابة إجرامية في الفترة الأخيرة إلا نقطة من بحر يشاع فيه الإعتداء والقهر والظلم.
ويجدد المرصد السوري لحقوق الإنسان مطالبة  المجتمع الدولي والحقوقي بالتصدي لظاهرة خطف الأطفال والنساء والكهول في سورية، ويعبر عن مخاوفه من أن يصبح هذا الأسلوب الابتزازي ممارسة يومية وطريقة للانتقام وكسب المال من قبل المليشيات في ظل الإفلات من العقاب.
لقد هبّ الناس  في مختلف  المناطق السورية بعد أن شاهدوا الفيديو الذي كشف عمّا تعرض  له الطفل فواز من تعذيب وضرب، وبادروا إلى تجميع الأموال لإنقاذه من هول ما حلّ به، دون أن ننسى  الطفلة سلام الخلف التي اختُطفت قبل عام في محافظة درعا التي تعيش حالة من الفلتان الأمني ولا يعرف مصيرها إلى اليوم وغيرهما من الضحايا..
وينوه المرصد إلى أن ظاهرة الاختطاف في سورية لا تقتصر على الأطفال دون غيرهم، إذ شهدت السنوات الماضية استهداف الشبان والبالغين وكبار السن ولا يعرف مصير أغلبهم إلى الآن.
وأفادت الناشطة الحقوقية جيهان خلف، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأنّ تجارة الأعضاء البشرية وطلب الفدية المالية زادت من حالات اختطاف الأطفال وخاصة في جنوب سورية وفي الشمال والشمال الشرقي منها، وقد ألقت حادثة اختطاف الطفل  فواز القطيفان الضوء على ازدياد نشاط عصابات خطف الأطفال في سورية، وتحوّلت حادثة اختطاف هذا الطفل إلى قضية رأي عام وزادت  المخاوف بعد انتشار مقطع فيديو يظهر تعذيب فواز على يدي خاطفيه للضغط على  عائلته بدفع الفدية، ويخشى أهالي الجنوب الأسوأ، وخاصة محافظة درعا التي تعيش على وقع حالة متصاعدة من الفلتان الأمني بالرغم من بسط النظام السوري سيطرته عليها بموجب اتفاقيات تسوية، علمًا أن حالة فواز ليست الأولى في المحافظة بل سبقتها حالة الطفلة سلام الخلف قبل عام والتي لا يزال مصيرها مجهولا بالرغم من عثور الأهالي على حقيبتها ولباسها المدرسي بالقرب من إحدى المزارع.
واستغربت خلف عدم صدور أي مواقف رسمية واضحة من جانب النظام السوري بشأن ما تعيشه درعا من حالة فوضى وتخبط أمني واغتيالات، ملاحظة أن العصابة الخاطفة تعمل بشكل منظم ومدروس، وحتى المبالغ التي تطلب كفدية أصبحت كبيرة جدا قد تفوق احتياجات شخص أو شخصين أو حتى مجموعة صغيرة ، وهذا يقود الى أن عصابات الخطف على ارتباط وثيق بأجهزة النظام السوري ومليشياته وفروعه الأمنية والعناصر التابعين لإيران هناك، والدليل هو  أن الاختطاف لم يهدأ في المحافظة منذ إجراء التسويات.
وانتقدت عدم تجاوب أو اهتمام الشرطة المحلية بقضية الاختطاف إلا بعد أن  تحولت حادثة فواز إلى قضية رأي عام حيث لا تزال تصريحات المسؤولين ضبابية ومخيبة للآمال، مع الإشارة إلى  انقطاع التواصل بين عائلة فواز والخاطفين بالرغم من أن عائلة فواز قد جمعت المبلغ المطلوب للفدية حسب ما طلب الخاطفون، وذلك عقب عدة تصريحات من مسؤولين في النظام بالتدخل.
وعبّرت محدثتنا أيضا عن خشيتها من انتشار عصابات خطف الأطفال والنساء بشكل كبير في محافظات  الرقّة ودير الزور والحسكة وأريافها وهذه مناطق تقع تحت سيطرة “قسد” ، وحسب إفادات عديد سكان  تلك المناطق، تحدث عمليات خطف من قبل عصابات مجهولة الهوية، يتم من خلالها نقل المختَطَفين إلى أماكن مخصصة لسرقة الأعضاء، مشيرة إلى أنه تم العثور على العديد من الجثث نزعت منها العيون والقلب والكلية أو الكبد، وهذا ما كان واضحا على جثة نور الجربوع وعمرها 4 سنوات بعد نقلها الى الطب الشرعي ممّا يضع  الجميع في  حيرة ورعب إزاء عمليات الاتجار بالأعضاء لصالح جهات مجهولة، حيث يتم استهداف الأطفال والنساء كون عمليّة اختطافهم أسهل، ويبدُون مقاومةً أقلّ، ويحدث كلُّ هذا في ظل غياب واضح لدوريات “قسد” ودون أي تحرك يذكر من قياداتها للتصدي لهذه الحوادث التي باتت تتكرر بشكل يوميّ دون حِراك من قِبَل سلطة الأمر الواقع التي زعمت أنّها قامت بتركيب كاميرات للمراقبة من أجل الإمساك بالفاعلين، إلّا أنَّها لم تفلح حتّى هذه اللّحظة  في تلافي تلك الحوادث، ومواجهتها، أو الحدّ منها.
ونتيجةً لحالة الفلتان الأمني لم يعد الأهالي يأمَنون على خروج أطفالهم من أجل الإلتحاق بالمدرسة أو اللّعب أو شراء الحاجيات، ليزداد قلقهم مع بقاء  الخطر محدقا في ظل إهمال الموضوع من قبل السلطات المحلية المسيطرة، ويتصاعد خوف  الأهالي يوماً بعد يوم، وحيرتهم بشأن إرسال أولادهم إلى المدارس أم لا خشية عدم عودتهم إلى منازلهم إلى الأبد.
بدوره قال الأمين العام لحزب اليسار الديمقراطي السوري عبد الله حاج محمد، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، إنّ هذه الجريمة وغيرها من جرائم الاختطاف التي شهدتها المناطق السورية  تعتبر جرائم بحق الإنسانية وانتهاكا صارخا لكل مبادئ الشرائع السماوية والأرضية، وهي وليدة حالة الفوضى واللاّ استقرار سياسي، لافتا إلى أن عمليات الاختطاف في حكم نظام الأسد،  هي أسلوب اعتقال تعسفي خارج القانون وهي  ليست حالة طارئة بل هي  أسلوب ممنهج تسعى قوات الأسد إلى تكريسه – سواء بالدعم المباشر من قبل الأفرع الأمنية، أو بالتغاضي عن تلك الجرائم ، لعدة أسباب أهمها تمويل عصابات الإختطاف المرتبطة تنظيمياً بالأفرع الأمنية، بعد أصبح النظام عاجزاً عن دفع أجور شبيحته الذين شاركوا مع النظام في قمع المظاهرات السلمية، وشكلوا كتائب عسكرية عرفت باسم “لجان الدفاع الوطني” لتكون أذرعا رديفة لقوات الأمن والجيش التي قتلت السوريين، مشددا على أن تركيز حالات الخطف في محافظتين هما درعا والسويداء يؤكد على تصميم النظام على نشر حالة من الرعب بين الأهالي والخوف على أطفالهم وبالتالي إما دفعهم إلى الهجرة الأمر الذي يكرس حالة التغيير الديمغرافي الذي تسعى إليه إيران، الدولةُ المحتلة وصاحبةُ المشروع الإمبراطوري الفارسي، أو على الأقل ثني الأهالي عن مطالبهم المحقة والمشروعة في تحسين الواقع المعيشي المزري بسبب السياسات الاقتصادية لنظام الأسد التي حولت الاقتصاد السوري إلى  اقتصاد حرب يخدم الآلة العسكرية التابعة له.
ودعا السياسي المعارض، المجتمع الدولي ومنظماته وبخاصة (اليونيسيف) إلى الوقوف أمام واجباتها وحماية الأطفال السوريين وعموم الشعب السوري من الفلتان الأمني الذي يكرسه نظام الأسد بالتعاون مع حلفائه  وبخاصة القوات الإيرانية.