بعد هجوم المعارضة وهجوم النظام المضاد… من ربح ريف اللاذقية؟

18

3402460755222

يوم الأحد في الرابع من آب، وتحت شعار “عمليّة تحرير الساحل السوري”، شنّت المعارضة السورية المسلّحة هجمات مفاجئة في ريف اللاذقيّة، وهي تمكّنت من الدخول إلى مجموعة كبيرة من القرى القليلة عدد السكان (نحو 200 نسمة في كل قرية تقريباً)، وحاولت فرض سيطرتها على هضاب مرتفعة، تطل على الساحل السوري من جهة الغرب. وبعد أن كان الجيش السوري النظامي بوضعيّة دفاعية في بداية الهجوم، إنتقل إلى الوضعيّة الهجوميّة الكاملة إعتباراً من الأحد 10 آب، أي بعد أسبوع كامل من بدء هجوم المعارضة، حيث نفّذ هجمات مضادة في محاولة لإسترجاع القرى والبلدات التي أخلاها سكّانها في إتجاه مدينة اللاذقيّة الآمنة حتى إشعار آخر. وقبل إستعراض نتائج الهجوم المضاد، لا بد من تعداد أسباب نجاح المعارضة في التقدّم السريع، وهي:

أولاً: إعتماد عنصر المفاجأة في جبهة لم تكن تشهد سوى مواجهات متقطّعة غير أساسيّة. وهذا الأمر أسفر عن سقوط مجموعة من القرى والبلدات في غضون ساعات قليلة، قبل أن يتسنّى للقوى المدافعة إستيعاب ما يحصل.

ثانياً: حشد نحو ألفي مقاتل موزّعين على كل من “حركة أحرار الشام”، و”الدولة الإسلامية بالعراق والشام” و”الجيش السوري الحر”، إلخ. للمشاركة في هجوم مشترك ومنسّق وواسع.

ثالثاً: إعتماد عمليّات التفجير الإنتحاريّة الإستباقيّة، قبل التقدّم نحو المراكز العسكرية النظامية الرئيسة، بشكل أدّى إلى سقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوف القوى المدافعة، قبل لحظات من  إنطلاق الهجوم الميداني.

رابعاً: إستخدام المعارضة صواريخ موجّهة مضادة للدروع، وبطبيعة الحال للدبابات، للمرّة الأولى. فبعد أن كان إعتراض دبّابات النظام، يتم بقاذفات RPG من مسافة قصيرة لا تتجاوز 500 متر، وبدقّة إصابة ضعيفة، أصبحت المعارضة تستخدم صواريخ موجّهة تلقّتها حديثاً، أغلبيتها من الجيل الأوّل أي سلكية التوجيه بدقة إصابة تصل حتى 35 %، وبعضها من الجيل الثاني أي تعمل بالأشعة ما تحت الحمراء بدقة إصابة تصل حتى 95 %. وأسفر هذا الأمر عن تدمير العديد من دبابات ومدرّعات الجيش السوري عن مسافة تتراوح ما بين 1000 و2000 متر، أيّ من مسافة تقع خارج مرمى أسلحتها الرشّاشة الدفاعيّة.

وبالنسبة إلى الهجوم المضاد الذي شنّه الجيش السوري النظامي، والذي ترافق مع غارات كثيفة شنّها الطيران الحربي، ومع قصف صاروخي ومدفعي عنيف، فقد تركّز على جبل “النبي يونس”، لما لهذه القمّة من أهمّية إستراتيجية بالغة الأهمّية. وقد تمكّن الجيش من منع المعارضة من السيطرة على القّمة المذكورة، ليحول دون تمكّن مسلّحي المعارضة من قصف مختلف قرى ريف اللاذقية وصولاً حتى مدينة القرداحة الساحلية والتي تبعد نحو 20 كلم. عنها، والتي تعرّضت بالفعل أخيراً لسقوط عدد من صواريخ “كاتيوشا” و”غراد”. كما أغارت الطائرات الحربيّة السورية على قرى منطقة جبل الأكراد (وهي: سلمى، المريج، عكو، كبينة، مرج خوخة، المارونيات، جب الأحمر ودويركة) حيث تحصينات المعارضة الخلفيّة. وإستطاع الجيش السوري الذي إستعان بوحدات عسكريّة كانت منتشرة في محافظات أخرى، لا سيّما في إدلب، إستعادة عدد من القرى في ريف اللاذقيّة، لكن ليس كلّها. وحتى كتابة هذا المقال، كان الجيش السوري لا يزال يحاول إسترجاع قرية إستربة التي تسيطر عليها قوات المعارضة، إلى جانب أكثر من 10 قرى أخرى.

وفي إنتظار جلاء غبار المعارك، وظهور نتيجة هجوم المعارضة، وكذلك نتيجة هجوم الجيش النظامي المضاد، الأكيد أنّ لمعركة ريف اللاذقيّة أهمّية إستراتيجيّة، بعكس ما يتردّد من قبل الكثير من المسؤولين السياسيّين والمعلّقين الإعلاميّين. فاللاذقية تُعتبر معقلاً للنظام، والقرداحة هي مسقط رأس الرئيس السوري بشار الأسد، وكل منطقة ريف اللاذقية التي تسكنها أغلبيّة علويّة، تشكّل خلفيّة  آمنة للنظام ولمؤيّديه، وسقوط هذه المنطقة سيشكّل ضربة معنويّة كبيرة، وضربة عسكريّة مهمّة جداً أيضاً. والسبب أنّ من شأن السيطرة على قمّة جبل “النبي يونس” مثلاً، أن يسمح للمعارضة بالتعرّض بالنار لمواكب النظام التي تعبر في إتجاه المنطقة الشمالية الغربيّة، وتحديداً إلى إدلب وريفها، وكذلك إلى ريف حلب الغربي. كما سيكون من الممكن إتخاذ قمة “النبي يونس” كمحطّة إنطلاق لهجمات مستقبليّة نزولاً في إتجاه مدينة اللاذقية الواقعة على البحر الأبيض المتوسّط. من هنا، الأكيد أنّ لا مجال للإستخفاف بمعركة ريف اللاذقيّة التي تضغط المعارضة بقوّة لتحقيق نصر فيها، يعوّض خسارتها الكبيرة في منطقة القصير وريفها وفي منطقة الخالديّة أيضاً، في حين يجهد الجيش السوري لإستعادة ما سقط من قرى، بهدف منع المعارضة من تحقيق نصر معنوي وميداني كبير في معقل رأس النظام السوري!