بكاء وحالات إغماء تنتهي بإذلال ذوي المعتقلين وإجبارهم على مغادرة منطقة “جسر الرئيس”

ذوي معتقلين جرى توثيق استشهاد أبنائهم كانوا حاضرين بشوارع العاصمة آملين العثور على أبنائهم من ضمن المفرج عنهم

68

في الثلاثين من نيسان/أبريل الفائت، أصدر رئيس النظام السوري مرسوماً يقضي بالعفو العام عن الجرائم “الإرهابية” التي ارتُكبت قبل 30 نيسان 2022، عدا تلك التي أفضت إلى موت إنسان ودعاوى الحق الشخصي، عقب المرسوم، تفائل آلاف السوريين من ذوي المعتقلين المغيبين في سجون النظام بعد صدور العفو على أمل اللقاء بأبنائهم، إلا أن الواقع كان عكس ذلك، فقد أفرجت قوات النظام عن 252 معتقلًا وفقًا لتوثيقات المرصد السوري، حيث عمدت أجهزة النظام الأمنية إلى إذلال الأهالي من خلال التهويل الإعلامي حول العفو والمكرمة من “رئيس الجمهورية” حول المعتقلين الذين اعتقلوا بأوامر مباشرة منه، إلا أنه أعفى عن مابقي منهم على قيد الحياة في سجونه ولم يقتل ويحرق جثمانه ويدفن ضمن المقابر الجماعية التي أنشأها النظام في محيط العاصمة على مر سنين الثورة لدفن من قتلوا على يد سجانيه

“أم محمود” إسم مستعار أم لمعتقل في سجن صيدنايا العسكري “سيء الصيت والسمعة” المعروف باسم “المسلخ البشري” والمنحدرة من مدينة دوما بريف دمشق، تحدثت للمرصد السوري عن ما شاهدته في منطقة جسر الرئيس بدمشق بعد أن ذهبت إلى المنطقة عقب قرار العفو والحديث عن إخراج جميع المعتقلين وتقول: لدي أبن اسمه محمد كان يؤدي خدمته الإلزامية بـ “الجيش” في قطعة عسكرية بمنطقة نوى في درعا، في شهر ديسمبر/كانون الأول من العام 2011 انقطع الاتصال معه بشكل كامل دون معرفة أي تفاصيل عنه، وفي منتصف عام 2012 أخبرنا أحد رفاقه أن جرى اعتقاله من قطعته العسكرية بسبب ملاسنة دارت بينه وبين أحد الجنود حول قضية قمع المتظاهرين وضربهم بالرصاص الحي في أوائل الثورة، إلا أن زميله بالخدمة الإلزامية قدم تقريرًا للضابط المسؤول عنهم سرعان ما جرى اعتقاله وتحويله إلى سجن صيدنايا العسكري، تتابع أم محمد أن آخر معلومة عن أبنها حصلت عليها في العام 2014 من معتقل كان معه وخرج بعد دفع ذويه مبالغ مالية طائلة، حيث أخبرها عن وجود أبنها في معتقل صيدنايا وأنه بوضع صحي سيء للغاية، منذ ذلك الحين لم تحصل على أي معلومة إضافية عنه ولم يخرج من المعتقل بموجب العفو الأخير، كما أنها اجتمعت بعدد من الذين أفرج عنهم أخيرًا وأكدوا لها أنهم لم يشاهدوه خلال فترة اعتقالهم داخل سجن صيدنايا وبقيت أم محمد يومين متتالين في منطقة “جسر الرئيس” على أمل اللقاء بأبنها إلا أنه لم تجده بين المفرج عنهم قبل أن يأتي عناصر النظام ويجبرون الأهالي على مغادرة المنطقة.

ووفقًا لمصادر المرصد السوري فإن منطقة “جسر الرئيس” في العاصمة دمشق والتي شهدت تجمعًا للآلاف من ذوي المعتقلين المغيبين في سجون النظام، شهدت عشرات الحالات لإغماء أمهات لديهم أبناء معتقلين في سجون النظام منذ سنين ولا يوجد أي أخبار عنهم وذلك بعد شعورهم بخيبة أمل كبيرة لعدم إطلاق سراح أبنائهم أو حصولهم على أي معلومات حول مصير أبنائهم إذا ما كانوا على قيد الحياة أم جرى قتلهم داخل السجون.

*منال. ح” تنحدر من مدينة سقبا في الغوطة الشرقية، زوجها معتقل لدى النظام منذ 10 سنوات، تحدثت للمرصد السوري عن ذهابها إلى منطقة جسر الرئيس بالعاصمة دمشق على أمل اللقاء بزوجها الذي جرى اعتقاله من قِبل أحد الحواجز الأمنية في منطقة عين ترما بالغوطة الشرقية عندما كان ذاهبًا إلى عمله ومنذ ذلك الحين حصلت زوجته على خبرين عن زوجها، الأول أنه كان معتقلا في سجن مطار المزة العسكري والآخر أنه جرى تحويله لسجن “صيدنايا العسكري” وتم تصفيته لاحقًا بحسب شخص أفرج عنه في العام 2017، إلا أنها بقيت على أمل الإفراج عنه كونها لم تشاهد أي شيء يثبت وفاته “بحسب قولها” حيث اختتمت حديثها عن حالة الإذلال التي تعرض لها الكثير من ذوي المعتقلين في منطقة “جسر الرئيس” من قِبل عناصر أمنية قاموا بشتمهم قبل أن يتم طردهم بأسلوب مهين من المنطقة تحت طائلة التهديد بالاعتقال.

مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أفادت بأن ذوي معتقلين توافدوا من شتى المحافظات السورية إلى العاصمة دمشق آملين بالعثور على أبناءهم من بين المفرج عنهم، أو الحصول على معلومات حول مصير أبنائهم المغيبين في سجون النظام، حيث عمد الكثير من الأهالي إلى طبع صور أبنائهم وتجهيزها ليقوموا بعد ذلك بالبحث عن المفرج عنهم وسؤالهم إذا ما شاهدوا أبنائهم داخل المعتقلات.

في حين تفيد مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان، بأن الكثير من ذوي معتقلين قضوا تحت التعذيب خلال السنوات السابقة في سجون النظام وجرى إعلام ذويهم بوفاتهم بعد تسريب صور “قيصر” أو عن طريق ضباط دفع لهم أموال أو أشخاص كانوا معتقلين معهم وأفرج عنهم لاحقًا، إلا أن الكثير منهم لازال يعيش على أمل.

الجدير ذكره بأن المرصد السوري لحقوق الإنسان، وثق إفراج النظام عن 252 معتقل، وهو رقم ضئيل جداً، حيث من المفترض أن يُفرج عن آلاف بل عشرات الآلاف من المعتقلين بموجب هذا “العفو”، بيد أن ذلك لم يحدث على الرغم من مرور أيام على صدور العفو، في الوقت الذي يواصل النظام إهماله الاعتيادي بعدم إصدار أي إحصائيات رسمية ثبوتية أو قوائم أسماء حول الذين أُفرج عنهم والذين سوف يتم الإفراج عنهم بموجب عفو بشار الأسد.

وتشير إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن 969854 ألف شخص بينهم 155002 مواطنة تم اعتقالهم منذ بداية الثورة السورية في آذار 2011 من قبل أجهزة النظام الأمنية، بينما عدد المعتقلين المتبقين في سجون النظام بلغ 152713 بينهم 41312 مواطنة.
يذكر أن أكثر من 105 آلاف معتقل قضوا تحت التعذيب في سجون نظام بشار الأسد من ضمنهم أكثر من 83% جرى تصفيتهم وقتلهم ومفارقتهم للحياة داخل هذه المعتقلات في الفترة الواقعة ما بين شهر آيار/مايو 2013 وشهر تشرين الأول/أكتوبر من العام 2015، -أي فترة إشراف الإيرانيين على المعتقلات-.