بلطجة دولية

56
أخيرا، باض الديك، وأعلن الرئيس الأميركي، ترامب، خطته لضم بقية فلسطين إلى إسرائيل التي خلع عليها، كعادته في المبالغة، إسم “صفقة القرن”. 
بعد حروب خاضها الصهاينة ضد عالم الفساد والاستبداد الرسمي العربي، من دون أن يُهزموا في أيٍّ منها. وبعد تصريحات إرييل شارون عام 1982، إن جيش إسرائيل يستطع شن أي حرب بين أفريقيا جنوب الصحراء وباكستان وكسبها، يتقدّم ترامب بـ “خطة سلام” مبنيّة، من أول إلى آخر حرف فيها، على “أمن إسرائيل”، الذي لا يمكنه التساهل فيه، كما قال للصحافيين بحضور نتنياهو، احتفالا بتسليمه بقية فلسطين، والحجة أمن إسرائيل التي لا يوجد من يهدّدها، بعد أن دمرت الولايات المتحدة وروسيا وإيران العالم العربي، ودعت جميع القرارات الدولية إلى تسويةٍ سلميةٍ تنهي الحروب ضدها، وتضمن أمن من يُبدي ترامب الخوف عليه، ليستمر في المهمة التي كمنت وراء تأسيس دولته، وتقوم على تشتيت شعب فلسطين، وسلبه حقوقه، وأولها حقه في أن يكون له وجود وطني، يؤهله لاستعادة دولته، كما كانت قائمة في ظل الانتداب البريطاني بين عامي 1917 و1948، ودمرتها الحركة الصهيونية، بإشراف بريطاني وأميركي. وانتقلت بعد تدميرها إلى تدمير الجوار العربي الذي ابتلي بنُظُمٍ ساعدتها على إنجاز مهمتها بأيسر السبل، ومن دون صعوباتٍ تذكر. 
لمّ الذين خطّطوا لإقامة كيان أجنبي مسلح حتى الأنياب، في المركز الاستراتيجي الأهم في الوطن العربي، من استطاعوا لمّهم من يهود العالم في فلسطين بحجة أمنهم الذي لم يهدّده الفلسطينيون، بل النازيون، وأقاموا دولة عنصرية وسط العرب، بحجة حماية أمنها منهم، مع الاعتراف بأنهم متخلفون وعاجزون عن تحدّيها، كما أكدت حروبٌ هزمتهم فيها خلال ساعات أو أيام. وبحجّة أمن إسرائيل، تم تعطيل جميع القرارات الدولية بشأن حل سلمي في فلسطين، بما فيها قرار التقسيم الذي منح الفلسطينيين 46% من وطنهم، لكن الصهاينة احتلوا 24% منها، ومنعوا إقامة الدولة الفلسطينية فيها، بذريعة أمنهم، وها هو ترامب يهبهم من 30% إلى 40% من المساحة المتبقية، وتقدر بـ 22% فقط، ويحيطهم بمناطق إسرائيلية تفصل فلسطين عن وطنها العربي عموما، والأردن خصوصا، كما يمنحهم المستوطنات والقدس وحوض الأردن، ويترك قيام الدولة الفلسطينية، القائمة قانونيا وشرعيا منذ قرار التقسيم عام 1947، لمفاوضات “مباشرة” ستجري بعد أربعة أعوام تحت إشراف أميركي، في ظل ميزان القوى الإسرائيلي، المتفوق بنسبة مليون بالمائة على الفلسطينيين، وليس لتطبيق قراراتٍ دوليةٍ من غير الجائز التفاوض عليها، ما دام تنفيذها لا يحتاج إلى موافقة إسرائيلية، وإلا قبل المجتمع الدولي إخضاع إرادته لإرادة الصهاينة وترامب، بدل اعتبار أي طرفٍ يعطّلها خارجا على الشرعية الدولية ومارقا، بما في ذلك إسرائيل التي لم تهبط بقفةٍ من السماء، وتشبه ذئبا يزعم أنه بحاجة إلى حمايةٍ من حمامة سلام تريد التهامه. 
تنضوي “صفعة القرن”، كما سماها الرئيس محمود عباس بحق، في سياق مشروعٍ بلفور من جهة، وتكسير المنطقة بفوضى واشنطن الخلاقة من جهةٍ أخرى، وتعتبر بهذا المعنى ضد الشعوب العربية أيضا التي يبدو أن واشنطن ترى في تدمير ثوراتها، وتشتيتها على الطريقة الفلسطينية، البيئة الضرورية للهجوم على ما بقي من حقوقٍ ووجود لشعب فلسطين في ما بقي من وطنه، وهذا ما يجعل الردّ على ترامب قضية شعبية عربية بامتياز، ويؤكّد أن نضال شعب فلسطين من أجل دولته المستقلة، ونضال الشعوب العربية لاستعادة حريتها وأوطانها، وللتخلص من الفساد والاستبداد، هما، منذ ثورة الربيع العربي، نضال واحد على جبهتي صهاينة الخارج والداخل، وخطوة على طريق الانضمام الآتي إلى فلسطين وشعبها، لحماية دولتها من بلطجة ترامب وأمن إسرائيل.
الكاتب: ميشيل كيلو  – المصدر: العربي الجديد
“هذا المقال يعبّر عن رأي كاتبه/كاتبته ولا يعبّر بالضرورة عن رأي المرصد السوري”