«بيان آستانة» يقترح آلية ثلاثية لتثبيت وقف النار تمهيداً لمفاوضات جنيف

29

اختتمت الدول الراعية لمفاوضات آستانة يومين من النقاشات التي وصفها الروس بأنها كانت «صعبة ولكن بنّاءة»، بإصدار بيان لم توقّع عليه الحكومة والمعارضة السوريتان، وشدد على تثبيت وقف النار والعمل على وضع «آلية مشتركة» للرقابة ومنع الاستفزازات، وأشار إلى ضرورة الفصل بين الفصائل المسلحة والمنظمات الإرهابية، وأكد دعم الموقّعين فكرة ضم الفصائل السورية المعارضة المشاركة في الحوار إلى مسار جنيف للمفاوضات السياسية.

وتواصلت، أمس، جلسات المفاوضات غير المباشرة بين وفدي الحكومة والمعارضة، لكن الخلافات التي سيطرت عليها أثارت ترقباً، وأطلقت تكهنات خلال النهار بأن المفاوضات ستصل إلى حائط مسدود، برغم أن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لمّح إلى احتمال تمديدها ليوم آخر «إذا دعت الحاجة».

 

وبدا واضحاً بعد الجلسة الصباحية أن وفدي المعارضة والحكومة فشلا في تقريب وجهات النظر حيال آليات تطبيق وقف النار والضمانات التي يطلبها كل طرف، ما عزز التوجه لصدور البيان الختامي من جانب الأطراف الثلاثة الراعية روسيا وتركيا وايران من دون توقيع طرفي الأزمة عليه. وكانت الأطراف الثلاثة عقدت سلسلة جلسات خلال الليل وصباح أمس، بهدف إنقاذ المفاوضات، كما أجرى وزيرا خارجية روسيا وتركيا سيرغي لافروف ومولود جاويش أوغلو اتصالاً هاتفياً للغرض ذاته.

وأوضح المستشار السياسي للوفد المعارض أسامة أبو زيد لـ «الحياة» النقاط الأساسية الخلافية من وجهة نظر المعارضة، بالإشارة إلى رفض وفد الحكومة والوفد الإيراني وضع آليات عملية لتثبيت وقف النار، وقال إن المعارضة طلبت من الجانب الروسي «تنفيذ التعهدات التي أطلقتها موسكو» وخصوصاً ما يتعلق بالانتهاكات المستمرة من جانب النظام. وقال إن المعارضة أبلغت الروس أن الحديث عن «فصل الفصائل عن فتح الشام يجب أن يرتبط بمناقشة وجود 62 فصيلاً وميليشيا تدعمها إيران في سورية». وأعرب عن ثقة بأن «الموقف الروسي بات يشهد تغيّراً ملموساً بعدما لمس الروس خلال المحادثات في أنقرة وآستانة جدية موقف فصائل المعارضة».

وبرغم أجواء التشاؤم التي سيطرت على مفاوضات أمس، جاء البيان الثلاثي الختامي الذي تلاه وزير خارجية كازاخستان ليؤكد التزام الأطراف الراعية بتثبيت وقف النار، ويؤكد «إنشاء آلية مشتركة للرقابة وضمان الالتزام الكامل بوقف النار ومنع الأعمال الاستفزازية»، وأكد التزام موسكو وطهران وأنقرة بمحاربة الإرهاب والعمل على فصل تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة» عن «مجموعات المعارضة المسلحة». كما أيد إطلاق «مفاوضات تستند إلى قرار مجلس الأمن 2254». ودعم البيان مشاركة المعارضة السورية المسلحة في مفاوضات جنيف التي دعت اليها الأمم المتحدة، وشدد على أن لا حل عسكرياً للوضع في سورية. وأكدت الأطراف الموقعة التزامها بأن تكون سورية دولة «موحدة وتعددية الأعراق والأديان وغير طائفية».

وفور صدور البيان المشترك، راوحت ردود أفعال الأطراف المشاركة بين الترحيب وتأكيد ضرورة الالتزام ببنوده. وأكد رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري أن «مفاوضات آستانة نجحت في تحقيق هدف تثبيت وقف الأعمال القتالية لفترة محددة الأمر الذي يمهد للحوار بين السوريين»، مضيفاً أن الوفد الحكومي «لم يوقّع على البيان الختامي لأنه ناطق باسم الدول الثلاث الراعية».

ودافع الجعفري عن الدور الإيراني كـ «طرف ضامن»، مشيراً إلى أن «طهران لعبت دوراً إيجابياً في التوصل إلى الصيغة النهائية للبيان الختامي». ودعا «المجموعات المسلحة التي لم تحضر مفاوضات آستانة إلى الانضمام لنظام وقف النار».

وأعلن الجعفري رداً على سؤال حول الوضع في وادي بردى أنه «تم تحرير كل مناطق الوادي عدا عين الفيجة حيث تتواجد جبهة النصرة»، مؤكداً «استمرار العمليات العسكرية ضدها». وعلّق الجعفري على غياب مصطلح «العلمانية» عند وصف الدولة السورية في البيان الختامي وقال إن الوفد التركي ووفد المعارضة رفضا إدراجه في البيان.

في المقابل، أعلن رئيس وفد المعارضة السورية محمد علوش (من فصيل «جيش الإسلام») أن «روسيا انتقلت من طرف داعم للحكومة السورية إلى طرف ضامن يحاول تذليل العقبات»، مشيراً إلى تبدل في الموقف الروسي و «تكلمنا مع الجانب الروسي في شأن إخراج المعتقلات من السجون في سورية وقدموا لنا ضمانات بأنه سيتم الإفراج عنهن جميعاً». وزاد أن المعارضة «قدمت ورقة، للجانب التركي والأمم المتحدة والروس، تتضمن آليات وقف النار لإلحاقها باتفاقية 30 كانون الأول (ديسمبر)، من أجل تثبيت الاتفاق». وشدد على أن المعارضة السورية «ستذهب إلى جنيف، فقط في حال تثبيت وقف النار من قبل الحكومة وضمان آلية مراقبته».

وأكد دي ميستورا أن صدور البيان بتوقيع الأطراف الثلاثة أكد التزام كل من موسكو وانقرة وطهران بإنجاح مسار المفاوضات وتأكيد كونها أطرافاً ضامنة للتنفيذ. وأشار إلى تقديره «الجرأة السياسية» التي أظهرها وفدا الحكومة والمعارضة المسلحة من خلال جلوسهما معاً في قاعة مشتركة، مؤكداً أن آلية وقف النار التي ستضعها الأطراف الضامنة ستحول دون وقوع انتهاكات وهي «نتيجة بالغة الأهمية، والأمم المتحدة مستعدة للمساعدة في هذه الآلية». وشدد على ضرورة استئناف إرسال القوافل الإنسانية فور تثبيت الهدنة، معتبراً أن مفاوضات آستانة «شكلت قفزة نوعية لتأسيس أجواء سياسية لمشاركة كل مكونات الشعب السوري في مفاوضات شاملة».

ورحّبت روسيا بدورها بنتائج المفاوضات والبيان الختامي الذي أصدرته الدول الراعية. وقال ألكسندر لافرينتييف مبعوث الرئيس الروسي الى سورية ورئيس الوفد الروسي إلى المفاوضات انها كانت «صعبة للغاية لكن بناءة». وقال إن النتيجة المهمة «اننا تمكنا من إقامة اتصال مباشر بين المعارضة المسلحة والحكومة وهذا نموذج لإجراءات تعزيز الثقة المطلوبة حالياً». كما أشار إلى «تنسيق متواصل بين موسكو وطهران وانقرة» لإنجاح المحادثات. وقال ان روسيا «تفعل كل بوسعها لتطبيع الوضع في ريف دمشق»، مشيراً إلى أن «الانتهاكات تجرى من الجانبين».

ولفت الى أن العمل بدأ خلال مفاوضات آستانة لتحديد مواقع توزع «جبهة النصرة» ورسم خطوط التماس مع داعش».

سياسياً، لفت المبعوث الروسي إلى أن روسيا تأمل بأن تكون لدى كل وفود المعارضة في جنيف «الحقوق والصلاحيات نفسها»، وقال إن موسكو دعت وفد المعارضة المسلحة إلى المشاركة في العمل لوضع دستور جديد لسورية وتأمل بتلقي رد قريب من المعارضة في هذا الشأن.

 

المصدر:الحياة