بين السلاح “الشيعي” والسلاح “السنّي”… المسيحيّون “الحلقة الأضعف”

20

286062551373264233_tripoli-lebanon-clashes-extremsim-sunni-assir

كل سلاح غير شرعي يستجلب في المقابل سلاحاً غير شرعي، عندئذ تسود شريعة الغاب، وهذا ما يرفضه شعب لبنان”… هذه العبارة شكّلت في الأيام القليلة الماضية محط أخذ وردّ في لبنان، كونها وردت ضمن بيان مهم صدر عن المطارنة الموارنة في ختام إجتماعهم الدوري في بكركي، برئاسة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي. وبغضّ النظر عن الجدل القائم حالياً بشأن الجهة أو الجهات المستهدفة بهذا البيان، علماً أنّ “لجنة الحوار” بين بكركي و”حزب الله” ستجتمع هذا الأسبوع، لبحث العلاقات الثنائية وموضوع البيان الأخير للمطارنة، الأكيد أنّ واقعاً مؤسّفاً يعيشه لبنان، لجهة إنتشار السلاح خارج إطار السلطات والقوى الأمنيّة الرسمية. وهذا الواقع يثير قلق، ليس المرجعيّة المسيحيّة الدينيّة فحسب، بل شرائح واسعة من المجتمع اللبناني، ويؤثّر بشكل سلبي على إستقرار لبنان، وبالتالي على إقتصاده وسياحته وأمنه الإجتماعي وسمعته… وكلّما زاد إنتشار هذا السلاح، زاد خطر الفتنة والحرب الأهليّة. وبعيداً عن اللغة المذهبيّة والطائفيّة، يوجد واقع ميداني يجري التعتيم عليه، علماً أنّ هذا التجاهل لا ينفي وجوده ولا خطره!
بالنسبة إلى السلاح الأقوى والأكثر إنتشاراً وتنظيماً، فهو يتمثّل بسلاح “حزب الله”. وعلى الرغم من رفض “الحزب” تصنيف هذا السلاح “غير شرعيّ”، ودعم جزء من اللبنانيّين له، وتوفير جزء آخر الغطاء السياسي له، إن في البيانات الوزارية أو في الإتفاقات الثنائية أو في التصاريح الإعلاميّة، فإنّه يثير إمتعاض جزء آخر من اللبنانيّين. وهو يشكّل مادة خلافية أساسيّة، نظراً لحجم هذا السلاح المدعوم بمخازن ذخيرة سرّية، وبمجموعات قتاليّة منظّمة، وبأنظمة لوجستية متكاملة، حيث أنّ استخدامه قادر على قلب موازين القوى في لبنان وخارجه، كما حصل في لبنان في السابع من أيّار 2008، وفي سوريا أخيراً. وهذا السلاح بيد “الحزب”، تحت راية “المقاومة”، والذي هو بحوزة مقاتلين من الطائفة الشيعيّة بشكل أساسي، جعل أنصار حركة “أمل” وحزب “البعث” وغيرهما، إضافة إلى العشائر الشيعيّة، تمتلك السلاح بشكل غير منظّم بالحجّة نفسها.
وبالإنتقال إلى المخيّمات الفلسطينيّة، فهي تشكّل مناطق أمنيّة مقفلة على السلطات الرسميّة اللبنانيّة، ويتواجد فيها آلاف المقاتلين الموزّعين على عشرات الفصائل والتنظيمات! وليس سرّاً أنّ هذه المخيّمات تشكّل مواقع مفتوحة لتجارة الأسلحة على إختلاف أنواعها، بيعاً وشراء. وبالتالي، إنّ كلام الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس خلال زيارته الأخيرة للبنان عن أنّ “السلاح في المخيّمات هو تحت أمرة الدولة والحكومة اللبنانية”، ما هو إلا كلام دبلوماسي لا يمتّ للواقع بصلة! وأصلاً، إنّ تعدّد وتنوّع المرجعيّات التي تدير وتتحكم بهذا السلاح، أكانت بشكل ميداني محلّي أو إقليمي خارجي، تجعل “مونة” عباس على هذا السلاح جزئية ومحصورة في أماكن محدّدة.
والسلاح “السنّي” لا يقتصر على المخيّمات، بل هو ينسحب على مجموعات أخرى، لا سيّما منها “الإسلامية المتشدّدة” و”السلفيّة”. ومن معارك “جرود الضنّية” بين هؤلاء والجيش اللبناني في العام 2000، وصولاً إلى معارك الأمس القريب بين “الجيش” ومسلّحي أحمد الأسير… تاريخ حافل بالإعتداءات والإستهدافات للجيش. وقد تفاقمت الأمور سوءاً في الآونة الأخيرة، مع دخول مجموعات من المعارضة السوريّة المسلّحة إلى لبنان، ومع توجّه العديد من أهل السنّة، أكانوا من أنصار “تيّار المستقبل” أو غيره، لإقتناء السلاح ردّا على السلاح المقابل، كما نبّهت بكركي في بيانها الأخير. وعلى الرغم من أن لا قدرة لهذا السلاح، أقلّه حتى اليوم، لتشكيل توازن فعلي على الأرض، بسبب غياب التنظيم والتنسيق، والأهم بسبب غياب القرار المركزي بالتسليح، إلا أنّ إنتشاره بأيدي مئات المسلّحين، فتح الباب أمام كل أنواع أعمال الشغب.
بالإنتقال إلى المسيحيّين، فإنّ الثقل الأكبر الذي يناصر كتلة “التغيير والإصلاح” لا يتمتّع بأيّ حجم مسلّح يُذكر، خارج بعض الأسلحة الفرديّة هنا أو هناك. وهذه الفئة لا تزال متأثّرة بفترة قيادة العماد ميشال عون للجيش اللبناني، بحيث تعتبر نفسها مسلّحة بسلاح الجيش. وبالنسبة إلى “القوات اللبنانيّة”، فإنّ قيام الحزب بتسليم أسلحته الثقيلة طوعاً في العام 1990، بعد فترة قصيرة على إنتهاء الحرب اللبنانية، ثم تعرّض أنصاره للملاحقة والتنكيل إثر قرار حلّ حزب “القوّات” في العام 1994، جعل الأسلحة بحوزته تقتصر على السلاح الفردي وبعض الأسلحة المتوسّطة المحدودة والتي جرى طمرها في حدائق المنازل خوفاً من الملاحقات في زمن الإحتلال السوري. وأدّى عامل مرور الزمن، وخصوصاً تشتّت الأفواج المقاتلة السابقة، بين هجرة من الوطن، وإنخراط في الحياة المدنيّة، وحتى خروج عن القيادة الحالية، إلى غياب أيّ ثقل مسلّح جدّي وفعّال. ويبقى بعض الأنصار المسلّحين للأحزاب المسيحيّة التي كانت مشاركة في الحرب، وهم لا يوازون من حيث عددهم وحجم تسليحهم وكمّية الذخائر التي يملكونها، مستوى تسليح بعض العشائر اللبنانيّة!
وبالتالي، وعلى الرغم من كل ما يقال عن إنتشار السلاح في كامل أرجاء الوطن، فإنّ الواقع هو غير ذلك. فالفرق كبير بين رشّاش مع بضعة مماشط مخبّأة في قبو أحد المنازل، وبين أسلحة متكاملة تظهر إلى العلن غير آبهة لا بقانون ولا بهيبة دولة! فكم مرّة في العام، تتناول وسائل الإعلام أخبار إشتباكات مسلّحة، بين عائلتين أو عشيرتين في الضاحية أو في بعلبك على سبيل المثال لا الحصر. وكم مرّة نسمع عن إشتباكات وشغب وترهيب للمواطنين في طرابلس، وعن قطع طرق بالقوّة في عكّار، وعن ظهور مسلّح في الناعمة أو الطريق الجديدة، على سبيل المثال لا الحصر أيضاً. وهذا “الفلتان” غير موجود في الأشرفية أو جونية أو زحلة أو إهدن، حيث أنّه منذ إنتهاء الحرب حتى اليوم، لم تشهد المناطق ذات الأغلبية المسيحيّة، أيّ أعمال مسلّحة، باستثناء بضع جرائم مسلّحة فرديّة.
وبالتالي، بين السلاح “الشيعي” والسلاح “السنّي”… المسيحيّون “الحلقة الأضعف”. وهذا واقع موجود، أيّا كان الكلام التجميلي أو التحريف للوقائع. وليس المطلوب طبعاً العودة إلى سياسة التسليح الطائفي، بل تسليم كل الفئات اللبنانيّة بأنّ السلاح يجب أن يكون بيد الشرعيّة اللبنانية والجيش اللبناني حصراً، كما دعت بكركي.