“بين صرخات التعذيب وتكبيرات العيد”.. طبيب يروي تفاصيل مرعبة في سجون الأسد

34

روى طبيب اعتقل سابقا، في أحد أكثر سجون سوريا شهرة، تفاصيل مروعة عن حالات التعذيب والمعاناة التي تعرض هو وآخرون خلال فترة الاحتجاز.

وكتب الطبيب، الذي كان شاهدا في محاكمة أنور رسلان، مقالا نشر على موقع “يورو نيوز” دون الكشف عن اسمه، تناول خلاله رحلة الاعتقال وحتى ساعة الهروب من بلاده وأخيرا المثول أمام المحكمة للشهادة.

وأصدر القضاء الألماني، الخميس، حكما بالسجن مدى الحياة على رسلان، الضابط السابق في المخابرات السورية، لإدانته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، في أول قضية في العالم مرتبطة بفظائع منسوبة إلى نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وأقرّ القضاة بذنب رسلان في مقتل 27 شخصا في معتقل سري للنظام في دمشق وذلك بين 2011 و2012، أشير إليه على أنه تابع لقسم “التحقيقات-الفرع 251” ومعروف باسم “أمن الدولة – فرع الخطيب” في دمشق.

يقول الطبيب في مقاله: “عندما اقتحمت مجموعة من قوات الأمن التابعة للنظام السوري يرتدون ملابس مدنية، العيادة الطبية حيث كنت أعمل خارج دمشق، وعصبوا عيني، وأخذوني إلى مركز احتجاز تابع للنظام في سبتمبر 2011، غرقت في عالم من المعاناة”.

ويضيف أن رسلان هو من كان يقود قسم التحقيقات في مركز الخطيب، مشيرا إلى أن المحققين اتهموه “بتأييد الانتفاضة الشعبية ضد حكومة بشار الأسد واستخدموا أساليب جسدية ونفسية مختلفة لتعذيبي”.

استمرت فترة تعذيبه 40 يوما، وظل معتقلا لمدة 70 يوما، “حيث كان يستمع لصراخ زملائه المعتقلين الذين يتعرضون للتعذيب”، ويبين أن أيا من أفراد عائلته أو أصدقائه لم يكونوا على علم بمكانه.

يقول الطبيب: “لقد تم استهدافي، لأنني شاركت في مظاهرات سلمية وعملت في مستشفيات ميدانية حيث يعالج الأطباء المؤيدون للثورة المتظاهرين المصابين الذين يخشون الاعتقال إذا ذهبوا إلى المستشفيات الحكومية أو الخاصة”.

وفقا لروايته، فقد أطلق سراحه في النهاية بانتظار المثول أمام المحكمة لكنه تمكن من الفرار خارج البلاد.

يؤكد الطبيب الهارب “بالنسبة لأولئك الذين نجوا من مراكز التعذيب التابعة للأسد، وأنا منهم، فإن الآثار النفسية عادة ما تكون أعمق من الآثار الجسدية”.

“بعد أن قدمت خدمات صحية نفسية للنساء اللائي تعرضن للعنف الجنسي في مراكز الاحتجاز، رأيت بنفسي حقيقة الاغتصاب في الاحتجاز”، يقول الطبيب.

ويضيف “تفاقمت صدمة الاعتداء بسبب وصمة العار الاجتماعية المرتبطة بالعنف الجنسي، وعادة ما تعاني النساء الناجيات من عواقب أعمق من الرجال”.

ويشير إلى أن “بعض الناجيات يتم رفضهن من قبل أسرهن.. تعرّضت إحدى اللواتي قابلتهن لصدمة شديدة لدرجة أنها فكرت في الانتحار وقتل أطفالها”.

ويتابع أن “الوحشية التي تعامل بها نظام الأسد مع الشعب تسببت في إحداث صدمة أثرت على مجتمعنا بأكمله.. سوف يتردد صداها لأجيال قادمة”.

يرى الطبيب في محاكمة رسلان تحذيرا لباقي مجرمي الحرب “وأنها أعطت لضحاياه فرصة نادرة للحصول على قدر من العدالة”.

ويتابع “شهادتي وشهادة الناجين السوريين الآخرين أمام المحكمة تذكّر العالم بطبيعة النظام السوري وجرائمه المستمرة”.

يقول الطبيب: “تزامن يوم اعتقالي في عام 2011 مع عيد الأضحى، وبينما كنت أقف في ألم مع زملائي الأطباء في مركز الاحتجاز، كنت أسمع الاحتفالات والصلاة في الخارج. دعوت الله أن يساعدني كي أتمكن من المسامحة”.

ويختتم “محاكمة مرتكب جريمة واحد في ألمانيا ليست كافية، لكنها بداية تساعدنا على تحديد وجهتنا”.

وعلى مدى السنوات الماضية صدرت عدة تقارير عن منظمات حقوقية وأممية، وثقت انتهاكات النظام السوري بحق المعتقلين من تعذيب وقتل وحرق، لكن بقيت هذه التقارير حبيسة الصناديق دون تحرك دولي فعلي يوقف الجرائم بحق الشعب السوري.

لكن بعد مرور أكثر من عشر سنوات على اندلاع الثورة في سوريا، هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها محاكمة في العالم، محورها فظائع متّهم بارتكابها النظام السوري ومسؤولي أجهزته الأمنية.

وكان أمر رسلان قد افتضح حين تعرّف عليه في أحد شوارع العاصمة الألمانية أنور البنّي، وهو محام ومعارض، كان اسمه قد تردد كثيرا في الأشهر الماضية، خلال جلسات المرافعة الخاصة برسلان.

ووصف البني لموقع “الحرة” الحكم بحق رسلان بـ “التاريخي”، مضيفا “إنه انتصار للعدالة كمبدأ. انتصار بعيدا عن تدخل السياسيين. العدالة الحالية صنعها الضحايا بأيديهم”.

وأضاف البني الذي وصل إلى كوبلنز صباح الخميس برفقة حقوقيين وذوي معتقلين وضحايا أن “الحكم بالمؤبد هو انتصار أيضا للضحايا، الذين أدلوا بشهادتهم، والذين قتلوا تحت التعذيب والآخرين في المعتقلات”.

واعتبر المحامي السوري أن الحكم هو “إدانة لكل منظومة المجرمين في سوريا. رسلان هو جزء من منظومة منهجية لتقل وتعذيب واعتقال السوريين، وممارسة العنف الجنسي ضدهم”.

لكن مدير رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، دياب سرية، يرى أن الحكم  ضد رسلان “ليس مرضيا لجميع المعتقلين في سجون نظام الأسد. هناك أناس شاركوا في المحاكمة وشهدوا وقالوا إننا محتارون. هل نفرح أم نحزن؟”.

ويشير سرية إلى أن الضحايا من ناجين ومعتقلين في سجون النظام السوري يريدون “محكمة دولية تكون خاصة، على غرار يوغسلافيا ورواندا. يريدون محكمة تحاكم بشار الأسد وقادة الأجهزة الأمنية، وأن يمتثلوا أمامها بشكل فعلي”.

أما محمد منير الفقير، المعتقل السابق في سجن صيدنايا فقد اعتبر أن “الحكم بالسجن مدى الحياة على رسلان نقطة ضوء على طريق المحاسبة والعدالة الطويل”.

ويضيف أن “المسؤولية الأخلاقية للإنسانية جمعاء تجاه محاسبة نظام الإبادة الجماعية في سوريا وعدم إفلات رأسه وزبانيته من العقاب أكبر بكثير من محاسبة مجرم سابق مغمور في فرع وحشي مثل فرع الخطيب”.

لكن ورغم ذلك يرى الفقير أنه “يجب أن يشكل حكم المؤبد إنجازا حافزا قويا للضحايا والناجين وأهاليهم وأحبائهم، كي لا يكفوا عن نضالهم حتى محاسبة جميع المنتهكين، وسوق الأسد وأشباهه إلى العدالة”.

المصدر:الحرة