تأجيج “الاسلاموفوبيا”!

26

ليس كافياً الحديث عن “مجانين كورسيكا” الذين خرجوا في تظاهرات عنيفة وهم يصرخون “العرب الى الخارج… هذه بلادنا”، وليس كافياً أيضاً ان تستمر القيادات السياسية والمراجع الدينية والفكرية في الدول الاسلامية، في تكرار الحديث عن “الاسلاموفوبيا”، فهذا الشعار صار باهتاً، اولاً بعد العمليات الارهابية في الدول الغربية وعراضات الذبح المروّع التي يبثها تنظيم “داعش”، وثانياً بعد صعود اليمين المتطرف في أكثر من بلد اوروبي.

عندما يطالب القوميون في كورسيكا علناً بالانفصال عن فرنسا، ليس غريباً ان يطالب بعضهم بالانفصال عن العرب، لكن هذا مجرد مؤشّر للشرخ المخيف الآخذ في الاتساع بين الغرب والاسلام، والذي لا يمكن معالجته والحد من نتائجه الكارثية بين الشرق والغرب عموماً، بالاكتفاء بالقول ان التنظيمات الارهابية “داعش” و”القاعدة” و”طالبان” و”بوكو حرام” لا تمثّل الاسلام بل تختطفه وتشوّه صورته.
واذا كانت الصهيونية قد لعبت دوراً خبيثاً في تخصيب فيروس “الاسلاموفوبيا” في بعض المجتمعات الغربية، فان الفظائع الدموية المروعة التي يرتكبها الارهابيون باسم الاسلام، وهو بريء منها طبعاً، أدّت الى جعل هذه المشاعر تلقائية حذرة وحتى معادية، ما يدفع بعض العرب المندمجين عميقاً في المجتمعات الغربية هذه الأيام حتى الى تغيير اسمائهم بعدما انقطعوا عن التحدّث بلغتهم الأم.
ثمة ما هو أخطر من “مجانين كورسيكا”، عندما يختار الرئيس التشيكي ميلوس زيمان مثلاً ان يوجّه رسالة الميلاد بالقول ان موجة المهاجرين الى أوروبا هي عملية غزو منظّم “انا مقتنع تماماً بأننا نواجه غزواً منظماً وليس حركة لاجئين عفوية”، وان التعاطف مع اللاجئين المسنّين والأطفال والمرضى ممكن، لكن الغالبية العظمى هم من الشباب المقتدرين، فلماذا لا يحمل هؤلاء السلاح ويقاتلون من أجل حرية بلادهم ضد تنظيم “داعش”، كما فعلنا يوم قاتلنا الاحتلال النازي لبلادنا؟
مثل هذا الكلام يلقى قبولاً لدى الكثيرين من الذين شاهدوا عمليات القتل في باريس مثلاً، ولعل من المذهل ان تكشف استطلاعات الرأي الأخيرة قبولاً متزايداً عند الفرنسيين بأن تضيق مساحة الحريات في مقابل اتّساع الأحساس بالأمن.
في بريطانيا يبدو الأمر مشابهاً الى حد بعيد، صحيح ان هناك حملة تشكيك واسعة برزت في الأيام الأخيرة في نتائج استطلاع نشرته صحيفة ” the sun” وجاء فيه ان واحداً من كل خمسة بريطانيين مسلمين يتعاطف مع الارهاب، غير ان الأخبار المثيرة التي أغرقت دول اوروبا في القلق، بعد تلقيها تحذيراً من جهاز استخبارات في دولة حليفة، من امكان حصول هجمات بقنابل في أماكن مكتظة بين الميلاد ورأس السنة عمّقت مشاعر الحذر والخوف.
لا، لم يعد كافياً الحديث عن “الاسلاموفوبيا”، لأن الشرخ يتعمّق بين شرق وغرب بما يخدم نظرية الفسطاطين!