“ترانسفير وتغيير ديمغرافي”.. بصمات حزب الله في القصير

48

في وقت ترتفع فيه أصوات بعض المسؤولين اللبنانيين وسكان بلدات بضرورة عودة النازحين السوريين إلى مناطقهم بسبب ظروف لبنان الاقتصادية، وذهاب بعض الأحزاب اللبنانية بعيداً في “التحريض” على بقائهم وربطه بالاستفادة من المساعدات المالية التي “تُغدقها” عليهم المنظمات الدولية كما يروّجون، يُمنع قسم كبير من النازحين السوريين من بلدة القصير ونواحيها في الريف الغربي من محافظة حمص، من العودة إلى مناطقهم لأسباب سياسية وديموغرافية يقف وراءها “حزب الله” والنظام السوري.

السماح بعودة الأقليات فقط

ففي العام 2013 استعادت قوات النظام و”حزب الله” السيطرة على مدينة القصير ونواحيها في الريف الغربي من محافظة حمص عند الحدود مع لبنان، بعد تدمير 75% من أحيائها تدميراً كاملاً، وتهجير أهلها المقدّر عددهم بـ 150 ألف نسمة، وسمح خلال العام ذاته بعودة نحو عشرة آلاف نسمة غالبيتهم من الأقليات، مسيحيين وعلويين وشيعة، وقلّة من السكان السنّة الذين كانوا يشكّلون الغالبية العظمى من سكان القصير (مدينة وريف) الذين لم يسمح لهم بالعودة رغم محاولاتهم، ورغم أنهم لم ينخرطوا في القتال ضد النظام.

وتتوزع الكتلة الأكبر من مهجري القصير بين ريف حمص، ومنطقتي عرسال في البقاع ووادي خالد في عكار شمال لبنان.

حزب الله والنظام يمنعان العودة

ويُقدّر عدد النازحين من منطقة القصير وضواحيها إلى وادي خالد بنحو 25 ألف نازح، في حين يبلغ عدد سكان وادي خالد نحو 34 ألف نسمة يعمل معظمهم في الزارعة.

وفي هذا السياق، أكد رئيس اتحاد بلديات وادي خالد رئيس بلدية وادي خالد السابق فادي الأسعد لـ”العربية.نت” “أن حزب الله والنظام السوري يمنعان عودتهم، حتى إن المنازل التي لم يهدماها في قرى القصير باتت ملجأً للمطلوبين والفارّين اللبنانيين من وجه العدالة بغطاء من حزب الله وتحت حمايته”.

وتابع “مهما عمل اللاعبون الأساسيون في سوريا على عقد تسوية سياسية للأزمة تبقى منطقة القصير وضواحيها بعيدة منها لأسباب مرتبطة بالتنوّع الطائفي الذي يُميّزها”.

فرز مذهبي

ويطرح منع عودتهم تساؤلات حول نيّة “حزب الله” والنظام السوري من وراء ذلك، وما إذا كان هناك حسابات “طائفية-ديموغرافية” خلف مفاقمة معاناتهم الحياتية والمعيشية.

في حين أكد الأسعد “أن هناك أسباباً مذهبية تمنع عودتهم. فبلدة البرهانية مثلاً ذات الغالبية السنّية وهي أكبر بلدات القصير المتاخمة لبدة زيتا الشيعية، من المستحيل أن يسمح لهم حزب الله والنظام بالعودة، خصوصاً أنهم ضدّ النظام السوري”.

مطلوبون لبنانيون يسيطرون على ممتلكاتهم

وأشار إلى “أن ممتلكاتهم وأراضيهم الزراعية باتت بيد اللبنانيين الهاربين من لبنان الذين استقرّوا في مناطق القصير، وهم يستثمرون هذه الأراضي التي تُعدّ خصبة ويسكنون في منازل أصحابها”.

كما ناشد الأسعد الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة “بزيادة المساعدات للنازحين، في وادي خالد، لأن لا قدرة لمعظهم للعودة إلى مناطقهم في القصير التي هُجّروا منها بالقوّة”.

المعاناة ذاتها في عرسال

وكما في وادي خالد شمال لبنان، تعاني بلدة عرسال البقاعية على الحدود مع سوريا، ذات الغالبية السنّية من تداعيات معركة القصير، إذ تحتضن أكبر مخيم للنازحين في لبنان ويضمّ نحو 65 ألف نازح من بينهم حوالي 35 ألف من منطقة القصير وجوارها.

وأوضح رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لـ”العربية.نت” “أن قسماً كبيراً من النازحين في عرسال يتخوّف من العودة الى سوريا”، قائلاً “حاولنا ترتيب عودتهم من خلال التواصل مع الأمن العام السوري لتسجيل أسماء من يرغبون بالعودة، وتمت الموافقة على قسم منهم للعودة وعدم السماح لقسم آخر”.

كما أشار إلى “أن المصالحة لم تحصل في منطقة القصير وجوارها، لذلك فإن سكانها يتخوّفون من العودة، ومن المعروف أن ملف القصير هو الأكثر تعقيداً في الأزمة السورية”.

ترانسفير طائفي بمخطط إيراني

من جانبه، قال المحامي ومدير مؤسسة “لايف” الحقوقية، نبيل الحلبي، لـ”العربية.نت”، “إن حزب الله والنظام السوري يمنعان السوريين المقيمين في لبنان من الزبداني (باتت محتلّة من حزب الله) ومضايا والقصيّر من عودتهم إلى ديارهم، وطلب منهم خلافاً للقرار الدولي 2254 (الذي ينصّ على عودة النازحين الى مدنهم وبلداتهم الأصيلة) بالذهاب إلى مناطق سورية غير خاضعة لسلطة النظام (في اتّجاه إدلب)، وذلك تطبيقاً لمخطط إيراني من اجل إحداث تغيير ديموغرافي قائم على التهجير الطائفي والاستيطان في غرب سوريا”.

أما عن “خصوصية” منطقة القصير بالنسبة للمخطط الإيراني القائم على الفرز الديموغرافي، أشار الحلبي إلى “أنها قريبة من منطقة بعلبك-الهرمل ذات الغالبية الشيعية والتي تعتبر معقلاً لـ”حزب الله”، لذلك نفهم النيّة وراء عدم السماح لأهالي القصير بالعودة إلى مناطقهم وقراهم وإسكان مكانهم عائلات شيعية من لبنان والعراق، وهذه تعتبر جريمة حرب”.

وأوضح الحلبي “أن قسماً كبيراً من النازحين من القصير وجوارها تم توطينهم في أوروبا من خلال المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، أما القسم المتبقّي فتم توزيعهم بين تركيا ولبنان وشمال سوريا (إدلب)”.

كما شدد على “أن هناك أسباباً للجوء السوريين إلى لبنان لا يُمكن إغفالها وهي مرتبطة بالنظام السوري و”حزب الله” لأنهما يمنعان قسماً كبيراً من النازحين من العودة إلى قراهم ومناطقهم”. واعتبر “أن الدولة اللبنانية “متورّطة” بالسماح لـ”حزب الله” بالقتال في سوريا ويكون سبباً من أسباب تهجير السوريين. فهو لم يلتزم لا بـ”إعلان بعبدا” الذي وقّع عليه وينصّ على تحييد لبنان عن أزمات المنطقة، وعدم التدخل في الشوؤن الداخلية للدول، ولا بسياسة “النأي بالنفس” التي تعتمدها الحكومة”.

المصدر: العربية.نت

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.