تركيا تحت التجربة!

108

بحسب ما نشر في صحيفتنا، فإن الأوروبيين قرروا وضع تركيا «تحت التجربة طيلة ثلاثة أشهر»، كما طالب وزير الخارجية الفرنسي من تركيا بأن «تقرن الأقوال بالأفعال».
وهذه العبارة سمعناها أولاً من المصريين حيال تركيا، وأول ما نتج عن ذلك فوضى «دكاكين الإعلام» الإخوانية بتركيا، وهذا أمر متوقع، طال الزمان أو قصر، فمن يستخدمك ضد بلدك سيرمي بك للمجهول حال انتهاء حاجته. إلا أن القصة أكبر من «دكاكين الإعلام» الإخوانية في تركيا التي بات من الواضح أنها تحت التجربة، والضغط الآن، والقصة ليست شماتة، أو مناكفة، بل إنها أخطر، وأكبر.
التغيير التركي المنشود، أو قل «إعادة التموضع» المرتقبة سيترتب عليها الكثير في الداخل التركي، وكذلك في الدول المجاورة لتركيا، وفي ليبيا. أضف إلى ذلك ما سيشكله التراجع التركي من فرص بالنسبة للروس بالمنطقة، وكذلك بالنسبة للإيرانيين من العراق إلى سوريا، وحتى الدعم المتوقع لـ«الإخوان المسلمين».

سبق أن كتبت هنا أن تركيا تنزل من الشجرة، وبالتأكيد ستتساقط أوراق كثيرة إثر نزولها، ولا أحد يكره استقرار المنطقة واعتدالها، لكن هناك دروساً يجب أن نتعلمها. مثلاً، قبل الحديث عن التراجع التركي علينا التنويه بالحكمة المصرية، التي رسمت خطاً أحمر للأتراك في ليبيا، ولم تتجاوزه أنقرة، وها هي تتراجع.
لقد طالبت مصر تركيا بأن «تقرن الأقوال بالأفعال»، وها هي فرنسا على الخطى المصرية. والسؤال هنا هو: ما المطلوب من تركيا؟ وهل يهم ما ستقدمه الآن؟ وهل تحتاج المنطقة إلى كثير من تركيا؟ أم أن تركيا هي التي تحتاج إلى الكثير من المنطقة، وأوروبا؟

هذا ليس مناكفة، لكن لكي لا نكرر الأخطاء. فمن المصلحة بالطبع أن تكون العلاقات بالمنطقة جيدة، وفقاً للقوانين، ومبدأ حسن الجوار، وعدم التدخل في شؤون الآخرين، والمتاجرة بقضاياهم، لكن كيف؟
ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كتب الدكتور محمد الرميحي مقالاً يوم السبت عن تركيا روى فيه قصة مهمة. يقول الدكتور الرميحي متحدثاً عن الفقر بالخيال السياسي والشخصانية والاستفراد بالسلطة: «طار أحد رفاق إردوغان إلى بلد خليجي، في زيارة رغب في ألا تكون معلنة، وتوجه إلى رئيس السلطة في طلب بدا غريباً، هو استخدام – إن أمكن – علاقة الرئيس الخليجي بالسيد إردوغان للتمني عليه أن يستمع إلى معاونيه، وهو الذي كان يسير بشكل حثيث ضد نصائحهم وحكمتهم. ولكنه اعتذر لضيفه بطريقة دبلوماسية، قائلاً إن ذلك أمر داخلي لا نرغب ولا نستطيع التدخل فيه»، مضيفاً: «بعد سنوات… ترك ذلك الرجل العمل في الدولة التركية… وبدأت تركيا تأكل من رأسمالها الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي، في الداخل والخارج».
وسمعت قصة مشابهة من مسؤول عربي زار تركيا وقت أزمة الانتخابات، وطلب منه أحد المسؤولين الأتراك أن ينصح إردوغان بعدم إعادة الانتخابات بتلك المدن، لكن المسؤول العربي اعتذر نظراً لحساسية الموضوع.
وعليه الواضح أن تركيا تحت التجربة، والضغوط الآن، ولا أحد يريد انهيار الاقتصاد التركي، أو العداء، لكن المطلوب ضمان ألا يتكرر ما حدث في منطقتنا، خصوصاً أنه كلفنا دماء ودماراً.

 

الكاتب: طارق الحميد

المصدر: الشرق الأوسط