تركيا تهدد الأمن المائي لسورية وتخرق أحكام القانون الدولي بحصة وحقوق الدول المتشاركة في الأنهار

الجفاف يهدد الملايين من السوريين.. حتى المياه مسّيّسة

67

تقول إحصائيات الأمم المتحدة  إنّ حوالي  5 ملايين سوري يعتمدون على مياه الأنهار التي باتت  مهدّدة بالشحّ، في وقت حذّرت فيه 13 منظمة إغاثية منذ أسبوع، بأن ما يزيد على 12 مليون شخص في سورية والعراق يعانون الحرمان من الماء والغذاء والكهرباء.
وتُشدّد هذه المنظمات على أن الارتفاع  القياسي في درجات الحرارة، وانخفاض مستويات هطول الأمطار والجفاف قد يؤديان إلى عدم الحصول على مياه للشرب وري المزروعات.
وكانت الأمم المتحدة بدورها قد دقّت ناقوس الخطر خاصة مع ارتفاع معدّل تفشي الأمراض التي تنقلها المياه الملوّثة، منذ بدأت المياه في النضوب، في الحسكة وحلب والرقة ودير الزور وغيرها من المناطق التي تعيش  تهديدا حقيقيا.
ويعتبر مُراقبون أن كل هذه الصعوبات ستكون لها نتائج سلبية على الأمن الغذائي السوري مستقبلا، ويشددون على أهمية العمل على إيجاد الحلول الواقعية والابتعاد عن تسييس ملف المياه.
وفي هذا السياق، يدعو  المرصد السوري  لحقوق الإنسان المجتمع الدولي  إلى العمل على النأي  بملف المياه  الذي  تضرّر منه الملايين من السوريين  عن الصراعات السياسية الضيّقة، ويحذّر من المسّ بالأمن المائي للشعب السوري، وينبه إلى أهمية الابتعاد عن تشديد الخناق عبر “حرب المياه” من قبل جهات معلومة .
ولطالما تطرّق المرصد السوري إلى النتائج الكارثية لمشاكل المياه في سورية، في وقت انغمست أطراف أخرى في حرب مستعرة  شتّتت السوريين وخلقت صراعات طائفية وقومية وسياسية.
ويعتبر وزير الإعلام السوري الأسبق الدكتور  الحبيب حداد، في حديث مع المرصد السوري لحقوق الإنسان، أنّ منطقة شمال شرقي سورية التي تضم المحافظات الثلاث : الحسكة ودير الزور والرقّة، السلة الغذائية لسورية والدعامة الرئيسية للاقتصاد السوري بصورة عامة، تنتج القسم الأكبر من الحنطة والحبوب الأخرى كما أنها تحتوي على معظم آبار الغاز والنفط ، لذا كان المفترض أن تحظى هذه المنطقة بالاهتمام الخاص من قبل الأنظمة السورية المتعاقبة، ونذكر في هذا المجال بناء سد “الطبقة” على نهر الفرات الذي يعتبر أكبر مشروع اقتصادي في تاريخ سورية منذ الاستقلال والذي قامت بتنفيذه وزارة السيد يوسف زعين عام 1965 نتيجة الاتفاقية المعقودة مع الاتحاد السوفيتي بهذا الشأن.
ولفت إلى أن الوضع الاقتصادي لمنطقة شمال شرقي سورية لا يزال عرضة للاضطرابات المستمرة وعدم الاستقرار نتيجة لتعاقب عوامل عديدة منها السياسية والطبيعية .
وتطرّق الدكتور حداد إلى سياسات الحكومة التركية فيما يتعلّق بالتحكّم بمنسوب مياه نهري دجلة والفرات وخاصة منذ مجيء حزب العدالة والتنمية في خرق لأبسط أحكام القانون الدولي فيما يتعلق بحصة وحقوق الدول المتشاركة في الأنهار، وقد أقامت العديد من السدود داخل أراضيها على مجرى النهرين ضاربة عرض الحائط بضرورة التنسيق والتفاهم مع الدولتين الجارتين المعنيتين بهذا الموضوع أي سورية والعراق، ومن المعروف أن نتائج هذه السياسة كانت كارثية على البلدين حيث أصبح منسوب هذين النهرين في كل من العراق وسورية ضحلًا وسطحيًا يضاعف من حالة الجفاف المترافقة مع شح مياه الأمطار.
واستطرد قائلا:”لقد كان سكان الريف في سورية في خمسينات القرن الماضي يشكلون حوالي سبعين بالمائة من إجمالي السكان، واليوم وفي نهاية العشرية الثانية من القرن الواحد والعشرين يشكلون ثلاثين بالمائة بينما ارتفع سكان المدن إلى سبعين بالمئة، وهذا يرجع إلى فشل خطط التنمية التي اتبعها نظام الاستبداد الحالي في الريف وخاصة في القطاع الزراعي ، وكانت نتيجة ذلك أن تحول محيط المدن السورية الكبرى إلى أحزمة ريفية تترابط فيها صلات القرابة والرابطة الجهوية والاجتماع الطائفي في بيئة يسودها الفساد والاضطهاد والفقر والحرمان .. هذه الظاهرة التي شملت كل مناطق الريف السوري كان لها وقعها الأبلغ على مناطق شرق الفرات ، حيث فقدت نسبة كبيرة من السكان مصادر رزقها ووسائل استقرارها المجتمعي جراء الجفاف والقحط الأمر الذي أدى بالفلاحين إلى أن ينزحوا إلى هوامش المدن ويشكلون أحزمة الفقر ويتحولوا من فلاحين إلى عمال يخضعون لأبشع أشكال العوز والابتزاز . أما بعد انطلاقة الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة والمساواة ووضع حد لنظام الفساد والاستبداد فقد أضحت هذه الأحزمة ساحات مهيأة لعبث الجماعات الإرهابية الأصولية وتعسف السلطة والمجموعات الطائفية المتحالفة معها وشبيحتها”.
ووفق  السياسي السوري المعارض “لازالت منطقة شمال سورية تتعرض منذ سنوات كما هو معروف لأخطر التحديات التي تهدد وحدة الوطن السوري جغرافيًا وديموغرافيًا، وإذا كان قد تم القضاء على الوجود المباشر لتنظيم “الدولة الإسلامية” بعد تحرير مدينة الرقة التي اتخذتها عاصمة لها وباقي مناطق وجودها المعلن فإن القضاء النهائي على هذه المنظمة الارهابية لا يزال يحتاج إلى خطة شاملة في هذه المنطقة وغيرها من المناطق السورية الأخرى في إطار الحل الوطني الديمقراطي العام للمحنة التي يعيشها الشعب السوري ، وفي إطار هذا الحل ينبغي إنهاء كافة أشكال الاحتلالات الأجنبية، وبالنسبة لمنطقة شمال شرقي سورية بالذات لابد من إنهاء الاحتلالين الأمريكي والتركي في أسرع وقت ممكن.
كما ينبغي على أبناء شعبنا السوري الكرد في هذه المنطقة أن يدركوا قبل فوات الأوان أن استمرار بعضهم في المراهنة على مواصلة المسار الانفصالي المدمر والتعاون مع مختلف القوى المعادية لن يجلب لهم ولا لبلدهم سورية إلا المزيد من الأخطار الوجودية  وأن عليهم أن يكونوا اليوم قبل الغد في صميم مشروع الإنقاذ الوطني الديمقراطي السوري الهادف إلى بناء دولة مدنية علمانية حديثةً ، الدولة الأمة التي تساوي بين جميع أبنائها في الحقوق والواجبات ،دون أي تمييز”.
من جهتها، تقول  الناشطة البيئية و الخبيرة الجيولوجية السورية سميرة أبو رجب، في حديث مع المرصد السوري  لحقوق الإنسان، إن أنقرة  تتحمّل مسؤولية شح المياه  في سورية وشمال شرقي الفرات، حيث انخفض منسوب تدفق الفرات من 500 متر مكعب في الثانية -والذي نصت عليه الاتفاقية المبرمة بين سورية وتركيا- إلى 200 متر مكعب في الثانية ما يُعتبر  جريمة حقيقية في حق السوريين”.
وذكّرت بالخلاف بين الإدارة الذاتية وتركيا ، حين سيطرت تركيا على محطة مياه “علوك” الرئيسة التي تضخّ  المياه إلى مدينة الحسكة، عقب هجومٍ ضد الكرد في شمال شرقي سورية، متّهمة أنقرة “باستخدام المياه سلاحًا عبر قطعها الوارد المائي لزعزعة الاستقرار في المنطقة، مايفسّر تخفيضها تدفق نهر الفرات”.
وأضافت محدثتنا أن “سلاح المياه هو الأسهل، خاصة منذ سيطرة تركيا  عام 2019 على محطة علوك”.
ودعت إلى” إنقاذ السوريين من شحّ المياه والجفاف الذي  يهدّد البلاد  وأمنها الغذائي”.
بدوره أشار رمضان حمزة محمد، الخبير في الاستراتيجيات والسياسات المائية وسكرتير الرابطة الدولية لجيولوجيا المياه، في حديث مع المرصد السوري، إلى أنّ “السدود في سورية  تعمل على توفير خزان استراتيجي من المياه لزراعة مستدامة إضافة إلى توفير الطاقة الكهرومائية ولتشغيل محطات ضخ المياه،  منبها إلى أن انخفاض منسوب نهر الفرات يهدد  بفقدان المخزون المائي في هذه السدود وبارتفاع معدلات التلوث وتعرّض الثروة السمكية للخطر، أي حدوث  كوارث مزدوجة بيئية وإنسانية”. وأضاف:”منع تدفق مياه نهر الفرات إلى سورية هو سلاح  تركيا الصامت في شمال شرق سورية  مما ينذر بكوارث  بيئية وإنسانية”.
وأوضح أن”انقطاع المياه عن محطة علوك وبحدود 24 مرة حسب إحصائيات الأمم المتحدة منذ العام 2019 انعكس مباشرة وسلباً على حياة أكثر من 460 ألف شخص يستفيدون منها في محافظة الحسكة ومناطق أخرى كمياه الشرب،الأمر الذي كشف سريعاً زيف ادعاءات تركيا بأنها ليست السبب في هذه الكارثة التي تهدد شمال سوريا وشمال شرقها بل هي فقط ناتجة عن تراجع مستوى الأمطار، لأن تركيا استفادت وبمكر وخداع سياسي لصالحها ومن منطلق جيوسياسي للإحتلال..
ويناءً على معظم المعطيات الطبيعية والبشرية فان شمال شرق سورية، سيواجه تقريبًا ظروفًا جافة بشكل غير طبيعي  بسبب إحكام تركيا سيطرتها على تدفقات نهر الفرات بالكامل،لذلك، أكثر من 50 في المائة من المنطقة ستعاني بالفعل من جفاف شديد.. ندرة المياه ونفوق الأسماك وهبوط مناسيب الآبار المائية ، وجميع المؤشرات التي لدينا تروي قصصا كئيبة.. هطول الأمطار ظل أقل من نصف المعدل الطبيعي ، وأقل من ثلث المعدل الطبيعي في أجزاء أخرى من البلاد، وخزانات السدود السورية شبه فارغة لأن مخزونها الإستراتيجي تدنى إلى مستويات منخفضة قياسية، وعيون وينابيع كانت مصدر مياه شرب وزراعة للكثير من القرى والأرياف لم تعد كما كانت في السنوات السابقة “.
ويرى سكرتير الرابطة الدولية لجيولوجيا المياه ، أن آثار الجفاف وظروف المناخ القاسية مثل تلك التي تجتاح المنطقة الآن، لها عواقب وخيمة على الناس والبيئة والطبيعة، وهذه التأثيرات ليست موزعة بالتساوي، فالمجتمعات الصغيرة والريفية  وخاصة الجزيرة السورية- وكثير منها لديها نسبة أكبر من الأسر ذات الدخل المنخفض- غالبًا ما تشعر بأسوأ الآثار، حيث تتعرض النظم البيئية للمياه العذبة إلى خطر جسيم بسبب انخفاض تدفقات المياه من تركيا ، وارتفاع درجات الحرارة،  علاوة على تفاقم مشاكل جودة المياه بسبب زيادة تركيز الأملاح والملوثات وانخفاض مستويات الأكسجين. كما يؤدي نقص المياه السطحية للزراعة إلى مزيد من ضخ المياه الجوفية ،   واستمرار السحب على المكشوف ينجم عنه تلف الممتلكات وتجفيف الآبار المائية، وخسارة دائمة في تخزين المياه الجوفية.
ويُحذّر محدّثنا من المسّ بالأمن المائي الذي يضمن تحقيق الاكتفاء الذاتي للدولة من المياه بصفة مستدامة، حيث يستجيب فيها عرض المياه للطلب عليها من كافة القطاعات التي تستخدم المياه، وبالتالي خلق وضعية مستقرة لموراد المياه يمكن الاطمئنان عليها، من خلال تحقيق التوازن (كماً ونوعاً — زماناً ومكاناً) ، بين الموارد المائية المتاحة والاحتياجات المائية المختلفة في الحاضر والمستقبل.
وأشار إلى أن المياه الدولية المشتركة قد أصبحت ضمن الأجندة السياسية لكل من تركيا وإيران بشكل واضح وجلًي، فعندما يتم الحديث عن  إطلاق حصص العراق وسورية المائية يلاحظ أن الرئيس التركي أو نظيره الإيراني يتدخلان ويرسمان السياسية المائية بدلاً من أن يترك هذا إلى الجانب الفني بين الهياكل المعنية بالشأن المائي وهذا مؤشر خطير جدا، وما التخفيض من تدفّق الفرات إلى أدنى حدوده  نحو سورية إلا ترجمة فعلية لهذا الواقع بتسييس الملف المائي ومن ثم العمل على جعله ” بضاعة” مقابل ثمن وتفعيل مبدأ مقايضة الماء بالنفط مع العراق وبمتطلبات أخرى مع سورية.!
ومن شأن هذه العوامل أن تفرض على العراق وسورية، الآن ومستقبلاً،وتحتّم وضع استراتيجية مشتركة لتنمية الموارد المائية وترشيدها، لذلك تدعو الضرورة إلى انتهاج سياسات مائية حكيمة لاستثمارات الموارد المائية المتاحة لغرض بناء أساس لاقتصاد متين يعتمد على الزراعة الحديثة والمتطورة بعيداً عن الزراعة التقليدية  ” السومرية” قبل الاعتماد على النفط كاقتصاد ريعي كما هو الحال في العراق، وخاصة القطاع الزراعي الذي يعتبر أكبر مستهلك للمياه بمعدل من 70 إلى 90 بالمائة.