تصعيد أمريكي ضد الأسد

25

على مدى الأسابيع الماضية ارتفعت نبرة التصريحات الأمريكية في المحافل الدولية عبر تصريحات لأعضاء البعثة الأمريكية في مجلس الأمن، وبرز بشكل واضح حجب واشنطن للضوء الأخضر الممنوح سابقاً لموسكو في سوريا وأنه أصبح ممنوعاً من التداول وغير قابل للصرف، ولم يعد أي حل سوري على الطريقة الروسية أرضية صالحة لتوافق أمريكي روسي، بعد الذي حصل في أوكرانيا والحرب المدمرة على شعبها، وبالتأكيد هذا كلام ليس بمصلحة الأسد.

مواجهة الخطط الروسية التي انتهجها بوتين مؤخراً التي يهدف من خلالها لتقويض الاستفراد الأمريكي بعالم أحادي القطب، والعمل على منع أي انتصار للرئيس بوتين في الملفات الساخنة بات هدفاً أمريكياً واضحاً، وكان ملاحظاً أنه بعد تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة حول الاقتراب من الحل في سوريا وفقاً للصيغة الأستانية، وعقب اجتماع طهران الثلاثي الروسي – التركي – الإيراني، والذي طالب بأحد مقرراته بخروج القوات الأمريكية من سوريا، أن الإدارة الأمريكية سارعت فوراً لعقد اجتماع للنواة الصلبة التي تضم 13 دولة في جنيف، وأقرت أن الحل في سوريا لا يمكن أن يتم بناء على قراءات مغلوطة للقرار 2254، خاصة القراءة الروسية التي تختصر الحل بسوريا بحكومة وحدة وطنية تشارك بها معارضة محسوبة على أنقرة بعدة وزارات ثانوية، ومن ثم إعادة المهجرين والنازحين واللاجئين لبيئة غير آمنة، وإبقاء بشار الأسد في السلطة مكافأة له على ما ارتكبه من جرائم بحق الشعب السوري، لكن اجتماع جنيف وبدعم أمريكي أعاد التأكيد بأن الحل السوري يجب أن يكون عبر تطبيق حتمي لمفردات القرار 2254، بقراءته الصحيحة التي تتضمن هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات، تنبثق عنها لجنة لصياغة دستور يحقق طموح السوريين، ومن ثم تحضير البيئة الآمنة لانتخابات شفافة تحت إشراف الأمم المتحدة، وهذا كلام آخر يحبط الأسد.

معلومات نقلت مؤخراً عن الجانب الأمريكي، أنه بصدر تعديلات على قانون قيصر، يتم من خلالها منع أي منافذ أو ثغرات يستغلها أو يستفيد منها نظام الأسد بما يخص الطاقة والغاز والكهرباء وتوفر دعماً مادياً له، وتشريعات أخرى تدرس بالكونغرس الأمريكي لحرمان نظام الأسد من حوالي 2 مليار دولار قد يستفيد منها من خلال مبادرة خطوة بخطوة، أو عبر مساعدات أممية قد تخدم السلطة القائمة في دمشق.

الإدارة الأمريكية في الآونة الأخيرة أكدت أكثر مم مرة معارضتها التطبيع مع نظام الأسد، وأبدت امتعاضها لخطوات انتهجتها بعض الدول تحت شعار التقرب من الأسد مقابل فك ارتباطه بإيران، لإدراك أمريكي راسخ أن العلاقة بين الأسد وإيران باتت شبه عضوية، وأن بشار الأسد أصبح جزءاً من مشروع ولاية الفقيه بالمنطقة، وأن كل التسهيلات التي منحها للميليشيات الإيرانية في سوريا تعطي صورة واضحة عن تماهي نظام دمشق مع الأجندة الإيرانية، وبالتالي يجب استمرار عقوبات قانون قيصر المطبقة على مسؤولي نظام الأسد، وكل من يحاول إيجاد منافذ سياسية أو اقتصادية للتحايل على القانون، أو إيجاد طرق التفافية تخفف من وطأة عقوبات الخزانة الأمريكية التي تستهدف أصلاً تجفيف مصادر الدعم التي تساند أدوات القتل في سوريا، وأن الإدارة الأمريكية تحاول مؤخراً إعادة تدقيق مفردات قانون قيصر لسد الثغرات ونقاط الضعف التي يمكن اختراقها من قبل الأسد وداعميه.

أعضاء الإدارة الأمريكية وبلقاءاتهم مع أعضاء الائتلاف في واشنطن أثناء انعقاد جلسات الهيئة العمومية للأمم المتحدة، ناقشوا معاً سبل تطبيق قانون قيصر، وكيفية تضييق الخناق على نظام القتل في دمشق، والبحث بآليات أكثر فاعلية لتطبيق القرار، واعتبروا أن الفيتو الروسي في مجلس الأمن هو من أهم العوائق التي تمنع تطبيق العدالة الدولية بحق من ارتكب الجرائم في سوريا، وأن 17 فيتو استخدمتها روسيا في مجلس الأمن أجهضت الكثير من القرارات التي كانت قادرة على وقف جرائم الأسد وتحقيق العدالة وسوق المجرمين لمحكمة العدل الدولية.

وبرغم أن واشنطن لا تبدي اهتماماً كبيراً بالملف السوري، إلا أنها ما فتئت ترسل رسائل قوية وواضحة لكل اللاعبين بالساحة السورية (روسيا، إيران، تركيا) أن لا حل يمكن أن يخرج للضوء دون موافقة أمريكية، ولا حلول جزئية ترحل المشاكل العالقة لما بعد، بل يجب البحث عن حل شامل يتضمن إنهاء المشاكل العالقة بالمنطقة، بمعنى أن واشنطن تبحث عن سلة متكاملة من التفاهمات تستطيع أن تقدم حلول ينتج عنها عودة الاستقرار للمنطقة، وبنفس الوقت تنصف السوريين الباحثين عن حلول جذرية تفتح لهم الطريق لعودة آمنة لبلادهم وبيوتهم وأرزاقهم بضمانات دولية وليس على طريقة موسكو وطهران.

هناك قناعة لدى موسكو قبل غيرها لكنها لا تصرح بها، أن خيوط اللعبة في سوريا تدار بأيد أمريكية – إسرائيلية لا يمكن تجاوزها، وأن واشنطن عبرت عن مواقفها أكثر من مرة، وضغطت ببعض الأحيان لوقف التطبيع مع دمشق، ووقف تصريحات البعض بضرورة عودة نظام الأسد للجامعة العربية، وموسكو تدرك أيضاً وبرغم كل تصريحاتها ومقررات اجتماعات أستانا وسوتشي أنه بدون موافقة أمريكية لن يكون هناك حل سوري، أقله قناعتها أن مفاتيح عملية إعادة الإعمار المقدرة تكاليفها، وفقاً لتقارير خبراء أمميين قد فاقت الترليون دولار، وأن الدول المانحة (كندا، أستراليا، اليابان، الاتحاد الأوروبي، الخليج العربي، أمريكا) لن تدفع بنساً واحداً لحل روسي لا يحقق المطالب العادلة والقراءة الحقيقة للقرار 2254.

الخطوات الأخيرة بالتقارب التركي مع نظام الأسد بضغوط روسية تمت فرملتها من قبل أنقرة، وكأن تركيا تعيد قراءة المشهد من جديد، لإدراكها الواقعي أن أي حل سوري سيبقى غير مجدي بغياب القرار والموافقة الأمريكية، ولقناعة أخرى حاولت تجاهلها أنقرة وعادت إليها، من أن نظام الأسد لا يملك سلطة القرار، وإذا ما امتلكه فهو غير موثوق فيه بتنفيذ أي اتفاق أو تعهدات يمكن أن يعطيها، لأن الجميع على دراية بأنه نظام مارق لا يختلف عن أنظمة الحكم في روسيا وإيران وكوريا الشمالية.

محاولات نظام الأسد الأخيرة عبر رسائل سرية أرسلها لتل أبيب، ويبدي فيها تعهده بمنع إيران وحزب الله من تنفيذ أي عمل معادي لإسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية، حتى وإن قابلته إسرائيل بارتياح، إلا أن تل أبيب وعدة عواصم باتت تعلم جيداً أن تلك الوعود غير قابلة للتطبيق، وأن بشار الأسد لا يملك في سوريا بعد الغزو الإيراني والروسي رفاهية اتخاذ القرار، وقول ما يمكن وما هو غير ممكن، وأن بشار الأسد لا يملك سلطة مواجهة أي قائد لميليشيات إيران في سوريا، وتجربة بعض القادة العرب الذين ظنوا أن فتح نوافذ لدمشق نحو العواصم العربية قد تدفعها لفك ارتباطها بإيران، خير مثال سلبي على ذلك.

الإدارة الأمريكية بالتأكيد غير مستعجلة بالبحث عن حل بالملف السوري في ظل مفاوضات متعثرة بالملف النووي الإيراني، وكذلك في ظل تصعيد روسي أخير في أوكرانيا قد يقود لاستخدام السلاح النووي وتفجير حرب عالمية ثالثة، لكن الإجراءات الناعمة التي تتخذها واشنطن بالتأكيد تعرقل كل المناورات والالتفافات الروسية التي تحاول الاستفراد بالحل السوري، لكن يبقى الملفت بما تفعله الإدارة الأمريكية في شرقي الفرات، فـبعد طائرتي شحن ضخمة من طراز C_17 حطت بمناطق قسد وأفرغت حمولات أسلحة وذخائر نوعية، لحقت بها 60 شاحنة أسلحة وذخائر، تلتها 125 شاحنة أخرى بصواريخ نوعية، وتلك مقدرات تفوق قدرة قوات سوريا الديموقراطية واحتياجاتها، فما الذي تفعله واشنطن في شرقي الفرات ولمَ كل تلك الذخائر؟

مع تصريح سابق لوزير الخارجية الروسي يقول فيه إن هناك احتمالية أن تصبح الساحة السورية ساحة صراعات وتصفية حسابات إسرائيلية – إيرانية، وعلمنا بمدى التنسيق الاستراتيجي بين الولايات المتحدة الامريكية وإسرائيل يدفعنا لأن نسأل: هل تستعد واشنطن للحرب؟

 

 

أحمد رحال

المصدر: ليفانت

الآراء المنشورة في هذه المادة تعبر عن راي صاحبها ، و لاتعبر بالضرورة عن رأي المرصد.